نوادر مونديالية (4)

اعتذرت كولومبيا عام 1983 عن عدم استضافة نسخة 1986 من كأس العالم، لأسباب اقتصادية، فنابت عنها المكسيك، رغم تعرض الأخرى لأزمة اقتصادية حادة وتصبح المكسيك أول دولة تحتضن النهائيات مرتين بعد استضافتها للبطولة عام 1970

 وكان في عام 1982 اشتعلت حرب ضروس بين الأرجنتين والمملكة المتحدة على إقليمين واقعين في جنوب المحيط الأطلسي تابعين لبريطانيا وهما جزر فوكلاند وأقاليم جورجيا الجنوبية وساندويش الجنوبية الملحقة بها، وكان النزاع بسبب مطالبة الأرجنتين بسيادتها على الإقليمين مؤكدة أنها ورثتهما عن التاج الإسباني عام 1767، زاعمة أن بريطانيا استولت على الجزر عام 1833، لكن بريطانيا ردت بأنها تسيطر على الجزيرة وتديرها منذ عام 1833 وهي الأحق بإدارتها، لكن هذا لم يمنع الدكتاتورية الأرجنتينية بقيادة “ليوبولدو فورتوناتو جالتيري” وتحت دعوى أن جزر الفوكلاند أرض أرجنتينية، حصلت عليها الأرجنتين عند موافقة إسبانيا على استقلالها.

 نزل الجيش الأرجنتيني الى الجزر واستتبع ذلك حرباً كانت الأحدث بين دولة أميركية جنوبية ودولة أوربية، وهزم فيها الجيش الأرجنتيني وأغرقت العديد من سفنه وقتل 650 جندي أرجنتيني وأدى ذلك في الجانب الآخر لإعادة انتخاب “مارجريت تاتشر” المرأة الحديدية “بطلة الحرب” في عام 1983، وانتهت هذه الحرب باستسلام الأرجنتين، وراح ضحيتها آلاف القتلى من الطرفين، مخلفة وراءها عداوة أبدية بين البلدين، وأثرت تبعات هذه الحرب على كل شيء بين البلدين حتى كرة القدم ففي مباريات كرة القدم في الأرجنتين هناك جملة شهيرة تقال للشخص الذي يقف صامتًا ولا يهتف لتشجيع فريقه، وهي “من لا يهتف، فهو إنجليزي” وكأن وصف أحدهم بكونه إنجليزيا يعد أعلى درجات الخيانة بالنسبة للأرجنتينيين، ويقول مارادونا عن المباراة التاريخية بين الأرجنتين وإنجلترا في كأس العالم 1986  “بالنسبة لنا لم يكن الأمر يتعلق بالفوز كان الأمر يتعلق بإقصاء الإنجليز أردنا تكريم ذكرى الموتى” وعن هدفه الشهير بيده في إنجلترا قال: “سجلت الهدف قليلاً بالرأس وقليلاً بيد الله”.

وعلى وقع موسيقى الأوبرا وتنظيم باهر في ملاعب أنيقة، استضافت إيطاليا مونديال 1990، وكان السبب الرئيسي لاختيار إيطاليا، انه في ليلة اختيار الدولة المضيفة أعلن الاتحاد السوفياتي “منافس إيطاليا على التنظيم”، مقاطعة أولمبياد لوس أنجليس 1984 لدوافع سياسية فخسر التصويت أمام إيطاليا، لتحظى بشرف الاستضافة مرة ثانية بعد 1934.

كانت ملاعب ايطاليا قمة في الروعة والحداثة، ولكن فنياً كانت البطولة مملة جداً بتعادلاتها، ملل أدى إلى منع الاتحاد الدولي لاحقاً حراس المرمى من التقاط كرة معادة من الدفاع، ومنح الفريق الفائز ثلاث نقاط بدل إثنتين ففي مباراة مصر وإيرلندا، نال حارس مصر أحمد شوبير نسبة استحواذ عالية فقال جاك تشارلتون المدير الفني لايرلندا “لم يأتوا لخوض مباراة”.

سعت إيطاليا لتقريب الشمال الغني من الجنوب الفقير ولسخرية القدر تواجهت في نصف النهائي مع الأرجنتين ونجمها دييغو مارادونا في مدينة نابولي الجنوبية التي وضعها النجم الأرجنتيني “مارادونا” على الخارطة العالمية، فدعا مارادونا أهل نابولي للوقوف معه ضد إيطاليا وقال “لمدة 364 يوما يعاملونكم كالقذارة ثم يطالبونكم بتشجيعهم” ورغم حب المدينة له وقفت الجماهير مع منتخبها.

وصادفت هذه النسخة أن كانت النسخة الأخيرة لثلاث دول أوروبية، ليس لعدم صعودهم مرة أخرى ولكن لأنتهاء الشكل السياسي لدولهم، وهم ألمانيا الغربية والتي بعد سقوط سور برلين ضمت لها ألمانيا الشرقية وتحولت لاسم ألمانيا الاتحادية، وتشيكوسلوفاكيا والتي انقسمت لدولتين هما التشيك وسلوفينيا، والاتحاد السوفيتي والذي تفكك إلى 15 دولة هم روسيا – إستونيا – لاتفيا – ليتوانيا – كازاخستان – قيرغيزستان – طاجيكستان – تركمانستان – أوزبكستان – بيلاروسيا – مولدوفا – أوكرانيا – أرمينيا – أذربيجان – جورجيا .

 1994جاء الدور على بلاد العم سام لنيل شرف تنظيم البطولة الكبرى، وكان الحدث الأعظم المرتبط بكأس العالم بعد انتهائه، وهي فاجعة صدمت الاوساط الرياضية بأكملها وليس كرة القدم فقط. قبل البطولة كانت كولومبيا لم تخسر سوى مباراة واحدة في 26 مباراة، ورشحها الأسطورة البرازيلية بيليه لنيل اللقب بعد أن سحقت الأرجنتين 5-0 في عقر دارها خلال التصفيات، ولكن بعد خسارتها في افتتاح المونديال أمام رومانيا سقطت في المباراة الثانية أمام أمريكا بهدف عكسي للمدافع أندريس إسكوبار، وبالتالي تم اقصاءها من دور المجموعات بالبطولة وطلب المدرب “فرانسيسكو ماتورانا” من لاعبي منتخب كولومبيا البقاء في الولايات المتحدة حتى يهدأ الغضب المحلي، ولكن رفض إسكوبار لاعب المنتخب وعاد فوراً إلى مسقط رأسه ميديين معتبراً أن كل الناس تشجع لاعبي المنتخب هناك، وكان اللاعب المعروف بهدوئه ورصانته في سيارته خارج إحدى الحانات عندما انقض عليه ثلاثة مسلحين، وانتهت الواقعة بست رصاصات تردد أن مطلقها كان يصرخ مع كل رصاصة “جول” كما فعل معلق المباراة بعد تسجيل إسكوبار الهدف العكسي.

تم القبض على القاتل في اليوم التالي، وثبت انتماؤه لعصابة مخدرات، زعم أنها خسرت كثيراً جراء المراهنات على نتيجة المباراة، ومشى 120 ألف مواطن كولومبي في جنازة إسكوبارالتي أدمت كل الرياضيين وقتها.

ورغم أهمية واقعة اسكوبار، الا أن العلامة الأبرز لهذا المونديال ظلت الظهور الأول لألمانيا الاتحادية بعد ضم الدولتين الشرقية والغربية، وكذلك ظهور منتخب روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة