يرى المؤرخون الإنجليز أن كرة القدم كانت فكرتهم من الأساس، ويرجعوا ذلك إلى واقعة تاريخية حدثت فترة احتلال الدنماركيين لإنجلترا من سنة 1016 وحتى 1042م، وحاربهم الإنجليز في معركة كبيرة نتج عنها قطع رأس قائد الدنماركيين، وداسها الجنود الإنجليز بأقدامهم مثل الكرة، ما أصبح تقليدًا قوميًا - مثل احتفالات اللمبي في بورسعيد- وعلامة على الثأر والانتقام. وبعد فترة ظهر بعض الأطفال يلعبون بالأجسام الكروية المصنوعة من جلد البقر بين أقدامهم، ومنها ظهرت فكرة الكرة ولعبها بالقدم، واعتبروا هذا هو أول ظهور للعبة وابتكارها فيما بين 1050-1075م، وكانوا يسمونها «ركل رأس الدنماركي»، ثم سميت بعد ذلك بكرة القدم.
ونجد من هذه الرواية أن البداية كانت عنيفة ودموية، وهذا العنف لم يفارق كرة القدم وظل ملاصقًا لها منذ ولادتها، حتى وهي تمارس في حقول فرنسا وطرقات البندقية في إيطاليا حيث سميت في القرن السادس عشر بـ«الكالشيو»، ومازال الدوري الإيطالي يحمل هذا الاسم حتى الآن. وهذا العنف أدى إلى تجريمها ومنعها من ملوك انجلترا مثل الملك «إدوارد الثاني» و«هنري الرابع» وغيرهم، وظلت محرمة ومجرمة لمدة 400 عام حتى عادت مرة أخرى في عهد الملك «جيمس الثاني».
مرت لعبة «كرة القدم» بعدة مراحل، فكانت تلعب في البداية مباراة كل أسبوع بمدينة «دربي شاير» بين طرفي المدينة، والملعب كان شوارعها، فيما تكون الفريق الواحد من آلاف المواطنين، وكان المرمى مجرد خط صغير في الميدان الرئيسي للبلدة. ونستنتج من ذلك صعوبة ممارسة اللعبة في ذلك الوقت، وتطورها بعد ذلك بتقليل عدد اللاعبين إلى 30 لاعب بكل فريق. ورغم غياب القواعد والقوانين الخاصة باللعبة، نجحت في نفس التوقيت في جذب الجماهير لما تقدمه من متعة وصراع.
ومن إنجلترا انطلقت كرة القدم إلى العالم، فانتقلت إلى أوروبا أولًا، ثم إلى المستعمرات مع الجنود في أفريقيا وآسيا وأستراليا وأمريكا الجنوبية، وقد عرفها الشعب البرازيلي من خلال المواطن الإنجليزي «تشارلز ميللر» وكان يلعب لنادي «ساوث هامبتون» الذي نشر اللعبة هناك.
وفي عام 1863، تحديدًا في 26 أكتوبر، ظهر أول قانون لكرة القدم على يد مستر«ترنج» الأستاذ بجامعة «كيمبريدج»، وكانت مواده تنص على الآتي:
مادة 1: يصاب المرمى حينما تمر الكرة في المرمى وتحت العارضة، إلا إذا كانت الرمية عن طريق قذف الكرة باليد.
مادة 2: مسموح باستعمال اليدين في حالة ما إذا كان لضبط الكرة ووضعها على الأرض أمام القدمين.
مادة 3: الركل غير مباح إلا إذا كان موجهًا للكرة.
مادة 4: لايجوز للاعب أن يركل الكرة ما دامت في الهواء.
مادة 5: العرقلة والرفس ممنوعان كلية.
مادة 6: إذا خرجت الكرة عبر خط الرايات وجب على اللاعب الذي أخرجها من نقطة خروجها بالملعب إعادتها في خط مستقيم إلى وسط الملعب.
مادة 7: إذا ما خرجت الكرة عبر خط المرمى قذفت إلى الملعب بواسطة أحد لاعبي الفريق الذي يلعب في هذا المرمى.
مادة 8: لايجوز للاعب أن يقف أمام من يرمي الكرة إلى بعد أقل من ست ياردات حينما يرمي.
مادة 9: اللاعب يعد خارج اللعب في الوقت الذي يكون فيه أمام الكرة، ويجب عليه أن يعود وراءها في أقرب وقت ممكن، إذا كانت الكرة ترمى بمعرفة زميل له ومرت به فلا يجوز له أن يمسها أو يسعى إليها قبل أن يمسها أحد لاعبي الفريق الذي رماها أولًا، فإذا تبعها أحد من هذا الفريق استطاع أن يصل إليها ما دامت الكرة أمامه ورماها.
مادة 10: الكتف ممنوعة ضد أي لاعب خارج اللعب، أي حين تكون الكرة وراءه.
وأخذت كرة القدم في التطور منذ بداية وضع هذا القانون ولمدة 40 عامًا، حتى أسس الفرنسي «روبير جوران» الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1904، والذي تُنسب له فكرة تنظيم بطولة كأس العالم، ومن بعده تبنى الفكرة الهولندي «كورنيليوس هيرشمان» سكرتير الاتحاد الدولي عام 1906، وأجرى الاتصالات بالدول المؤسسة للاتحاد الدولي وهي فرنسا وسويسرا والدنمارك وهولندا وبلجيكا وأسبانيا والسويد، لكنها لم تنجح بسبب رفض الإنجليز. وبعدها قامت الحرب العالمية الأولى وتوقفت كل المحاولات، وعادت الفكرة من جديد على يد المحامي الفرنسي «جول ريميه» الذي انتُخب رئيسًا للاتحاد الدولي عام 1920.
ظل «ريميه» يكافح من أجل هذه الفكرة لمدة تسع سنوات، وتحول الحلم إلى حقيقة في 1929 أثناء اجتماع الاتحاد الدولي في «برشلونة»، وتقرر فيه منح أوروجواي شرف تنظيم أول بطولة لكأس العالم عام 1930، وأطلق عليها وقتها «جائزة جول ريميه»، وظل هذا اسمها حتى بطولة 1970 بالمكسيك، ثم أصبح اسمها كأس الاتحاد الدولي لكرة القدم «Fifa World Cup».
أول «كأس» للعالم عام 1930 صنعها الفنان الفرنسي «ابيل لانور»، وكانت على هيئة فتاة تحمل إكليل الغار، صنعت من الذهب الخالص بوزن 4 كيلو وطول 30 سم، وتكلفت حوالي 40 ألف جنيه إسترليني وقتها. فازت البرازيل بالكأس ثلاث مرات 1958،1962،1970، وأصبحت ملكًا لها. وسُرقت الكأس في لندن عام 1966، قبل انطلاق البطولة بإنجلترا، وعثر عليها الكلب «بيكلاس» مدفونة تحت شجرة، وسرقت مرة أخرى من خزينة الاتحاد البرازيلي وصُهرت وبيعت، واضطر الاتحاد البرازيلي إلى صنع نسخة طبق الأصل عام 1984.
وصنع الاتحاد الدولي لكرة القدم كأسًا جديدًا باسمه، نحته الفنان الإيطالي «سيلفيو كازانيكا»، بوزن 5.75 كيلو وطول 35 سم، وتكلفة 200 ألف دولار، على هيئة «أطلس الجبار» يحمل الكرة الأرضية، وهو الكأس الذي يتبارى حوله الجميع حتى الآن.