شجاعة صحفيان وراء اختيار 2 نوفمبر يومًا لإنهاء الجرائم ضد الصحفيين

«بمجرد أن غادرا منزلي سمعت ضجة في الخارج، فأطللت من الباب لكن أحد المسلحين وجه سلاحه نحوي وأجبرني على الدخول». تلك كلمات «أمبيري ريسا» زعيم محلي من قبائل الطوارق بدولة «مالي»، وهو آخر من قابله الصحفيان الفرنسيان «جيزلين دوبون» و«كلود فيرلون» لإجراء حوار صحفي قبل اغتيالهما في 2 نوفمبر 2013، وتخليدًا لذكراهما وشجاعتهما أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم اغتيالهما «يومًا عالميًا لإنهاء الإفلات من العقاب عن الجرائم بحق الصحفيين».

اختطاف واغتيال رميًا بالرصاص

وفقًا لما أعلنته جهات التحقيق، اختطفت «فيرلون»، 55 عامًا، و«دوبون»، البالغ من العمر 57 عامًا، العاملان بإذاعة فرنسا الدولية، فور خروجهما من منزل الزعيم «ريسا» قرب مدينة «كيدال» شمال مالي، أثناء إجرائهما تحقيقًا صحفيًا بالمنطقة، بعد شهور قليلة من بدء عملية عسكرية فرنسية برية وجوية للتصدي للمسلحين الجهاديين في شمال البلاد.

قامت دورية عسكرية فرنسية تواجدت بالقرب من موقع الاختطاف بتعقب المسلحين وتمشيط المنطقة، بمعاونة مروحية فرنسية، لكن بعد أقل من ساعتين عثرت الدورية على جثث الصحفيين بعد أن أغتيلا رميًا بالرصاص.

من جهته كشف القضاء الفرنسي أن المشتبه بتخطيطه لاختطاف الصحفيين مهرب مخدرات من قبيلة «الطوارق» على صلة بتنظيم القاعدة في المغرب العربي، وبحسب بيان صحفي أرسله مقاتلون مؤيدون لعبد الكريم التاركي القيادي البارز في التنظيم ببلاد المغرب، ونشرته وكالات أنباء دولية تبنى «تنظيم القاعدة» في المغرب عملية الاغتيال، وقال التنظيم إن العملية للرد على «جرائم فرنسا اليومية بحق الماليين، وعمل القوات الإفريقية والأممية ضد المسلمين في (أزواد) المسلمة»، وهو الاسم الذي يطلقه الطوارق على شمال مالي.

وفي يونيو 2021 أعلن الجيش الفرنسي، عن تصفية 4 إرهابيين في شمال مالي، بينهم «باي اغ باكابو» القيادي الجهادي في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو أحد المسؤولين عن قتل الصحفيين.

«دوبون» و«فيرلون» و25 عامًا من تغطية الشأن الأفريقي

عمل الصحفيان «جيزلين دوبون» و«كلود فيرلون» في تغطية الشأن الأفريقي لراديو فرنسا لأكثر من 25 عامًا. كانت «فيرمون» مندوبة للتحقيقات الصحفية ومحللة للشئون الأفريقية. عمل «دوبون» أيضًا في التحقيقات وكان كبيرًا للتقنيين في الإذاعة الفرنسية، فيما قضا الاثنان الجزء الأكبر من مسارهما المهني في مناطق ساخنة، مثل ليبيا، إثيوبيا، العراق وأفغانستان، ثم مالي.

وفي رحلتهما المهنية الأخيرة قام الصحفيان بتغطية الانتخابات الرئاسية بهذا البلد الأفريقي، ثم عادا قبل مقتلهما بأسبوع إلى «مالي» لإنجاز برنامج خاص بالبلد كان من المنتظر أن يبث قبل الانتخابات التشريعية في هذا الوقت.

سعت إليه 50 دولة.. يومًا عالميًا لإنهاء الإفلات من العقاب 

وتخليدًا لذكراهم، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ذاته الثاني من نوفمبر يومًا عالميًا لإنهاء الإفلات من العقاب عن الجرائم بحق الصحفيين، واعتمدته منظمة «اليونيسكو». دعمت 50 دولة القرار بينهم فرنسا موطن «دوبون» و«فيرلون»، وطالبوا بمزيد من الجهود الدولية المؤدية إلى تحقيقات سريعة وعاجلة في كل الاتهامات بارتكاب عنف بحق الصحفيين، وإحالة مرتكبيها للقضاء، وهو القرار الذي أشادت به العديد من المنظمات الدولية، بينها «مراسلون بلا حدود».

تعد خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب هي أول استراتيجية للأمم المتحدة لمعالجة مسألة سلامة الصحفيين ومشكلة الإفلات من العقاب، ووضعتها اليونسكو بالتشاور مع هيئات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية والنقابات المهنية والدول الأعضاء في المنظمة، وتعد بمثابة خارطة طريق عالمية يتم تكييفها مع الاحتياجات الوطنية، بالتعاون مع مختلف الجهات الفاعلة ذات الصلة.

ووفقًا لما صاغته الأمم المتحدة بقيادة اليونسكو، تهدف الخطة إلى دعم الحق الأساسي في حرية التعبير، الذي يكفل أن يكون المواطنون على علم جيد وقادرين على المشاركة الفعّالة في المجتمع، من خلال خلق بيئة حرة وآمنة للصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، عبر تعزيز الآليات القانونية المتاحة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية التي تدعم الحق في حرية التعبير والإعلام، ودعم الحكومات في تنفيذها، وبناء شراكات بين مختلف أصحاب المصلحة لإدخال ومواءمة آليات السلامة الموضوعة للحد من الخطر.

صممت الخطة لتشمل جميع أصحاب المصلحة، وتتضمن أدوارًا للحكومات والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين ووسائل الإعلام وغيرهم ممن يعملون على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية والمحلية، ويعتمد نجاحها على المشاركة الكاملة للجميع.

وتتضمن خطة الأمم المتحدة مجموعة من الإجراءات العملية ، بينها تعزيز دور المنظمة وعملها المعياري في إنهاء العنف ضد الصحفيين، والتنسیق بین ھیئات الأمم المتحدة ومع المنظمات الحكومیة الدولیة الأخرى، والحكومات الوطنیة، ومنظمات المجتمع المدني، وشركات الإعلام، والنقابات المھنیة والأوساط الأکادیمیة.

تستهدف الخطة مساعدة الحكومات على تطبيق المعايير الدولية القائمة على المستوى الوطني، ووضع آليات لحماية الصحفيين، وبناء قدرات الصحفيين والهيئات القضائية وموظفي إنفاذ القانون والعسكريين على المعايير الدولية بشأن حرية التعبير، من خلال دعم البرامج والموارد التعليمية والتدريبية، إلى جانب توعية الدول الأعضاء والصحفيين وأصحاب وسائل الإعلام وصانعي السياسات والمنظمات الإخبارية والمحررين والصحفيين بشأن الأخطار المتزايدة والتهديدات الناشئة التي يتعرض لها الإعلاميون والجهات الفاعلة غير الحكومية.      

كما تدفع الخطة للعمل على بناء شراكات مع مؤسسات أكاديمية لتوسيع نطاق البحوث المتعلقة بالقضايا الناشئة فيما يتعلق بسلامة الصحفيين، وتضع أدوات لقياس سلامة الصحفيين، إضافة إلى اشتمالها على آلية لمعالجة خصوصية العنف ضد الصحفيات.

خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة