منذ شهور، كنت أشاهد الفيلم العربي الجميل «غرام في الكرنك»، و كتبت بعدها على صفحتي الشخصية على فيسبوك إن سر نجاح هذا الفيلم هو تقديمه للفلكلور المصري الغني، ومن أهم عناصر هذا الفلكلور اللباس. أتساءل لماذا لم يطور مصممو الأزياء المصريون الزي الفرعوني والبدوي والصعيدي والنوبي والإسكندراني حتى ترتديه النساء في المناسبات والأفراح وفي الحياة اليومية، كما هو الحال في فلسطين والمغرب والهند؟ ولماذا تغزو العباءة الخليجية والملابس الغربية معظم الأسواق المصرية، مع طمس كامل للهوية المصرية؟!
كان أول ما يتبادر إلى أذهاننا ونحن أطفال عندما نتحدث عن فلسطين الكوفية و«القمباز»، إلى أن جاءتني هدية من صديق حملت لي مفاجأتين، كوفية فلسطينية، وعدد من مجلة «ناشيونال جيوجرافيك أبوظبي» يٌقدم تقريرًا عن الزي الفلسطيني تحت عنوان «بوح الحرير»، ما أوحى للمصور الفوتوجرافي أسامة السلوادي بمعرض أسماه «ملكات الحرير»، شمل صورًا لنساء فلسطينيات بالزي الفلسطيني.
استغرق التحضير للمعرض عامين، جال فيهما السلوادي فوق كرسيه المتحرك من أقصى شمال الجليل الأعلى، وصولًا إلى بئر السبع جنوبًا، مرورًا بالقدس ونابلس ورام الله وحيفا وغزة، فلكل منطقة في فلسطين ثوبها الخاص، حسب المصور الفلسطيني الذي يواصل تشريحه الجغرافي قائلًا: «كلما اتجهنا جنوبًا في النقب وبئر السبع زاد التطريز وكمية الحرير المستخدمة، وكذلك كثافة استخدام اللون الأحمر، أما في شمال الضفة ومنطقة المثلث فيقل التطريز حتى يكاد يختفي تمامًا، بحيث يُصنع الثوب من القماش العادي، ويزين بربطة للخصر.
يعلل السلوادي هذه الاختلافات بالتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، ويقول إن السيدات الأكثر ثراءً و تفرغًا يقمن بتطريز أثوابهن بغزارة، أما في المناطق الزراعية حيث تقضي النساء سحابة يومهن في أعمال فلاحية تستنزف الجهد والوقت فلا مجال ولا مكان للتطريز. وعن تسمية العمل التوثيقي بـ«ملكات الحرير» يوضح السلوادي: «نقش أجدادنا الكنعانيون رسومًا رائعة على جدران المعابد، وقد أعجبت ملكات كنعان بهذه النقوش فنسخنها تطريزًا على ملابسهن الحريرية. بدورهم، أعجب العامة من السلف القديم من جداتنا بهذه البدعة الملكية فقلدنها، و تناقلتها الجدات الفلسطينيات، حتى وصلت إلى الحفيدات بالأمس القريب. من هنا رأيت أن لقب ملكات يتماشى مع الحديث عن جداتنا اللواتي ارتدين الحرير».
ثم استوقفني فصل من رواية «الطنطورية»، و جعلني أفكر في كتابة هذا المقال كتكملة لقرائتي للرواية، وهو الفصل الأربعون، بعنوان «واقعة الثوب وشو بدي أحكي تاحكي»:
«نتمشى على الشاطئ. لاحقنا رجل مربوع. كان يتطلع باتجاهنا و يبتسم. اقترب الرجل من سمير و تحدث معه ثم حياه و انصرف، توقفت وصال. سألت:
ما الذي يريده؟ لم يكف عن التطلع في اتجاهنا. في اتجاهي تحديدًا.-
قال سمير:
- سألني بالانجليزية هل أنتم من إسرائيل؟ استغربت سؤاله، فأشار إلى ثوبك و ابتسم و قال: «عرفت من الثوب».
- وماذا قلت؟
- لم أقل شيئًا. تركته يذهب.
كيف تركته يذهب؟! -
هرولت وصال باتجاه الرجل و هرولنا وراءه و هي تنادي:
- يا خواجة. يا خواجة. يا مستر.
التفت الرجل. وقف ينتظر السيدة التي لفت ثوبها انتباهه. كان يبتسم ابتسامة عريضة.
أمسكت بقبة ثوبها. قالت:
- هذا نو إزرائيل. هذا ثوب فلسطيني طرزته بيدي. ترجمي يا مريم.
ترجمت مريم.
- إزرائيل سراقة. سرقت أرضنا و شردتنا و ذبحتنا. و حتى الثوب الذي أرتديه تطمع فيه! ترجمي يا مريم.
هذا التطريز سهرت عليه الليالي. إسمه «فلاحي». هذا ثوب فلسطيني فلاحي. شو دخل إزرائيل؟».
ختامًا أُرفق بمقالي صورة عزيزة جدًا على قلبي، أخذتها في حفل زفاف صديقة مصرية بفلسطيني من غزة. كان العريس يرتدي طوال الفرح الكوفية الفلسطينية، فطلبت منه أن يعيرني إياها لالتقاط الصورة التي وضعتها فيما بعد على «بروفايلي» ولم أغيرها منذ زمن، علها تشعرني بأنني فضلًا عن كوني مغربية ترتدي ثوب بلدها، فأنا كذلك امرأة عربية تحمل عبق فلسطين.
فتحية لكل إمراة فلسطينية. تحية لكل أم وأخت وزوجة وإبنة.
أنتن أبهى النساء.
تنويه : المقال يشمل اقتباسات من رواية «الطنطورية» لرضوى عاشور
و«بوح الحرير» من مجلة ناشيونال جيوجرافيك أبوظبي