نحو قانون أحوال شخصية أكثر عدالة

أيه منير

في فبراير الماضي تناول هاشتاج #الولاية_حقي صرخات أمهات نُزعت ولايتهن على أولادهن بموجب قانون الأحوال الشخصية، حكت الأمهات عن معاناتهن في تسجيل أولادهن عند ولادتهم، أو في المدارس، أو اتخاذ أي قرار خاص بهم. كانت بداية الهاشتاج من مؤسسة المرأة والذاكرة، بعد الإعلان عن مسودة جديدة مقترحة لقانون الأحوال الشخصية، والتي جاءت مخيبة للآمال، ولا تطرح حلولًا حقيقية لما تعاني منه المرأة في مصر.

من ناحية أخرى لم تقتصر تدوينات الهاشتاج الذي انتشر بقوة وسط المبادرات والمؤسسات النسوية وشاركت فيه الكثير من النساء المصريات بمختلف توجهاتهن وخلفياتهن على حق الولاية، حيث تطرقت الكثيرات إلى المواد التمييزية في قانون العقوبات، كعقوبة الزنا مثلًا، وحكت النساء عن معاناتهن بسبب الطلاق الشفهي والرجعي والقوانين الإجرائية الخاصة بالنفقة وغيرها من الأزمات التي تعيشها بسبب القانون الحالي.

جاءت مسودة القانون المقترح بعد إعلان المجلس القومي للمرأة عن انتهائه من مسودة أخرى، كما قدمت هيئة كبار العلماء مسودة خاصة بمشروع قانون يعالج بعض القضايا كتحصيل النفقات وإجراءات الرؤية وإمكانية تطبيق حق الاستضافة، فضلًا عن تقرير حق منع سفر الطفل المحضون لكلا الأبوين خارج البلاد، إلا أن أي منها لم يتطرق إلى حلول للعديد من القضايا الأساسية كإثبات النسب والطلاق والميراث ومعايير استحقاق الحضانة والتعدد. 

ولاعتبار الدين المصدر الرئيسي للتشريع القانوني في مصر كما ينص الدستور، ظهرت إشكاليات واسعة حول تجديد قانون الأحوال الشخصية بمنظور مدني يتوائم مع التغييرات المجتمعية الحالية، وذلك لكون المرأة عنصرًا أساسيًّا ومواطنة كاملة الأهلية لها ما لشريكها الرجل في المجتمع، ومن هذه الزاوية انطلق مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي تقدمه مؤسسة قضايا المرأة المصرية، والذي حاول البحث في زوايا التشريع وإيجاد حلول قائمة على مبدأي العدالة والمساواة، حيث تطرق إلى مجموعة من القضايا الهامة، وطرح موادًا لحل أزمات أساسية كالنفقة والحضانة والنسب، إلى جانب تقديمه حلولًا ومقترحات للعديد من القضايا الشائكة كالتعدد، وقدم لها حل موافقة الزوجة أمام المحكمة، كما يحق للمحكمة التأكد من قيام الزوج بواجباته في حالة موافقتها أو إعطائها حق التطليق في حالة الرفض، فضلًا عن قضايا مثل اقتسام الثروة عند الاتفاق بذلك بين الزوجين، وشروط عقد الزواج، وإلغاء الطلاق الشفهي والرجعي، وإلزام الزوجين بالتطليق أمام المحكمة، مما يحافظ على كيان الأسرة وحقوق الطرفين.

ورغم زيادة الوعي، تظل تلك القضايا حتى اليوم موضوعًا للجدال على السوشيال ميديا، فيؤكد أصحاب الخطاب الذكوري على أنه لا مخرج من الوضع الحالي إلا ويحمل مخالفة للشريعة، على عكس ما تطرحه مؤسسة قضايا المرأة في مشروعها الذي تؤكد فيه أن الإسلام أوسع من تلك التشريعات الجامدة والتي عانت منها المرأة لسنين، فما الأسباب وراء تمسك البعض بفتاوى وآراء دينية عفا عليها الزمن ولم تعد مناسبة للمجتمع الآن؟ بل ويحاربون أي محاولة للتجديد؟ ولماذا دائمًا ما تأتي المؤسسات الدينية متأخرة بخطوات عن المؤسسات المعنية بحقوق المرأة؟ مثال على ذلك فتوى”حق الكد والسعادة” التي تحدث عنها مؤخرًا شيخ الأزهر، وموجودة بالفعل في التراث الإسلامي، تأخر الحديث فيها لسنوات طويلة، رغم كثرة نداءات ومطالبات المؤسسات النسوية والحقوقية طوال تلك السنوات وحديثهن عن معاناة النساء عند الطلاق بعد سنوات زواج طويلة تضيع فيها أعمارهن بين الواجبات المنزلية وتربية الأولاد ثم تجد نفسها بلا عائل مادي أو حقوق مادية تتناسب مع ما قدمته من تضحيات ومشاركات في تنمية ثروة العائلة والزوج، كما تعيش النساء في الصعيد والأرياف حالة من الحرمان من حقوقهن في امتلاك الأراضي والعقارات، سواء من عائلتها أو من أزواجها.

وعلى الرغم من المعرفة بأهمية إدراك التغيرات التي تطرأ على مجتمعنا أثناء سعينا لتحقيق العدل والمساواة، لا زال القانون ورجال الدين على مسافة بعيدة من هذه التغيرات، ما يدفع المرأة المصرية لعيش حياة غير عادلة، ومواجهة مستقبل غير آمن، والمعاناة في رحلة طويلة لتحقيق مكتسبات قليلة، فيما يظل الأمل قائمًا مع طرح مثل مشروع مؤسسة قضايا المرأة المصرية، يجمع بين ما نريده نحن النساء وما يحارب لأجله المجتمع.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة