“الكورة” أهم من الإنسان

إسلام جمال

أكتب تلك السطور من عالمى الثالث القابع فى تفاهات الأمور والترضى واللامبالاة
عالمى الثالث الذى أنتمى إليه أصبح فيه الإنسان هو أخر إهتماماته ليتحول إلى سلعة يتم إستغلالها وسحقه فى أحيان كثيرة إلى لزم الأمر
نقتله دون أن يهتز لنا جفن متصورون أنها طبائع الأمور والقضاء والقدر، فكم من الجرائم ترتكب بإسمك أيها القضاء والقدر ؟

عشت طوال حياتي أعشق الكرة، وحينما بدأت أفكاري وقناعاتي في التكوين قرأت كتاب “الكرة حياتي” للأسطورة الكابتن الراحل محمد لطيف، فأصبح هذا العنوان طريقا لحياتي، ومصباحا لأفكاري، ووجدت نفسي فيه، ولكن عندما تتحول شعلة حياتك إلى مصدر لتعاستك فأنت في كابوس، فبمرور الوقت ومضي السنوات أيقنت بأن الكرة فى عالمنا الثالث يتم استخدامها كوسيلة للإلهاء ومساعدة “القضاء والقدر” في عمله!

استيقظنا منذ يومين على واحدة من أبشع الحوادث التي اجتمعت فيها كل عوامل الجهل والفساد والفوضى والتردي واللامبالاة، حادثة تؤكد أن الإنسان في بلادنا بلا أي قيمة، ٢٣ طفلاً وفتاة سقطت الحافلة التي تقلهم إلى منازلهم وهم عائدين من عملهم في جمع البيض بمزرعة دواجن بمنشأة القناطر بالجيزة، أطفال أبرياء سقطوا في نهرنا الخالد، مات منهم ٨، ولا زال البحث جاري عن جثث المفقودين. انتهى الخبر وانتهت حياتهم قبل أن تبدأ.

الكارثة الأكبر أن الحادثة مرت مرور الكرام، فلم تهتم بها وسائل الإعلام والصحف، التي أخذت تنشر وتتساءل عن كيفية لعب “فخر العرب” مهاجم، ومصطفى محمد في الطرف؟!

معقول ده؟! ماذا يفعل “كيروش” مدرب منتخبنا الوطني أمام نيجيريا؟! تخيلوا أعزائي أن هذا ما تم تداوله طيلة اليومين الماضيين! تخيلوا أن هذا فقط هو ما شغل الرأي العام ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي!

يا ضميرنا الإنساني هل أنت موجود؟ أم ذهبت مع الأطفال الأبرياء الذين فارقوا الحياة؟!

أرواح بريئة أزهقت وكل ما يشغلنا هو كيف انهزم الفراعنة أمام النسور النيجيرية بهذا الشكل المزري؟! وكل ما نسمعه من منافقي الإعلام الرياضي: “يعني ينفع شكل المنتخب كده، ميصحش والله عيب”. هو فعلا عيب!!

وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولكنها ليست إعادة للتاريخ، بل إعادة للفساد والفوضى والتهميش والعجز وقلة الحيلة واللامبالاة، فتلك الواقعة تشابهت ملابساتها وظروفها مع ما حدث من قبل، ففي الماضي غير البعيد شهدنا غرق “عبارة السلام”، وغرق معها مئات المصريون الأبرياء، في وقت شاهدنا فيه رئيسنا المخلوع وحرمه يهتفون فرحين بفوز منتخبنا وتحريره للقدس، آسف أقصد ببطولة أفريقيا المقامة بمصر وقتها، فإذا كانت هذه هي ردة فعل الحاكم، فماذا تنتظروا من إعلامه الذي تداول خبر موت المصريين في العبارة مثله مثل حالة الطقس التي تذاع في ذيل النشرة الإخبارية.

جعلني كل ذلك أقف مع نفسي، وأكفر بحلمي وشغفي، وأقول للكرة: إذا كان الوضع كذلك، أنا لا أريدك في حياتي، فحياة الإنسان عندي أسمى وأكبر من كرة يتم ركلها.

أنهى مقالتي والحزن والأسى يعصران قلبي، وأقول لكم أيها الأطفال الأبرياء بأن كل جريمتكم هي أنكم أبناؤنا، فنحن لا نستحق أن نكون آباء، ولا نستحق أن يطلق علينا لقب مجتمع إنساني.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة