ورقة بحثية| برلمان 2025: تعددية منضبطة ومعارضة “مُخلّقة” في معامل الدولة

تتبعت ورقة بحثية جديدة، صادرة عن منصة فكر تاني بعنوان “من معارضة تحت الحصار إلى معارضة تحت الطلب: سيرة التحكم السياسي في مصر”، مسار البرلمان المصري منذ نشأته في عهد الخديوي إسماعيل، وحتى اليوم.

وأوضحت الورقة التي أعدها الباحث محمد سعد أن البرلمان، تحول بعد عقود طويلة، من كونه ميدانًا للتفاوض بين الحكم والمجتمع، إلى جهازًا لإدارة الانسجام السياسي، تُمارَس فيه المعارضة كدورٍ إداري لا كفعلٍ ديمقراطي.

وخلُصت الورقة إلى أنه عبر ما يزيد عن قرنٍ من التجربة البرلمانية المصرية، يمكن تتبّع مسارٍ واحدٍ متصل يتجاوز تغيّر الأنظمة والأيديولوجيات،  وهو تحوّل المعارضة من طرفٍ سياسي إلى وظيفةٍ داخل بنية السلطوية.

مجلس النواب المصري
مجلس النواب المصري

من طرف سياسي إلى وظيفة

بحسب الورقة، بدأ الأمر في العهد الملكي، بتكتيك الاحتواء البرلماني، حيث سُمح بوجود معارضة حقيقية لكنها كانت تُكبح عند تجاوز حدود المسموح، سواء عبر الحلّ المتكرر للبرلمان أو عبر الأحكام العرفية التي أعادت السلطة إلى القصر.

وانتقل الباحث إلى عهد الجمهورية، ففي الحقبة الناصرية، عمد النظام إلى إخفاء المعارضة تنظيميًا وسياسيًا، إذ جرى تذويب العمل السياسي كله داخل “تنظيمٍ واحد” يحتكر تعريف الوطنية ويعيد صياغة السياسة في شكل تعبئةٍ جماهيرية لا تعدديةٍ حزبية.

لقراءة الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

جمال عبد الناصر
جمال عبد الناصر

أما في عهد السادات، فقد أُعيد إنتاج الصيغة القديمة في صورة تعددية تحت السيطرة؛ أحزابٌ تُنشأ بقرارٍ رئاسي، ومعارضةٌ تمارس أدوارًا مرسومة، ومجالس نيابية تتحرك داخل خطوطٍ آمنة.

وصولاً إلى عهد مبارك، شرح الباحث كيف استقر النظام على توازنٍ دقيق بين السماح والردع “معارضة مسموح بها  بنسب محدودة في البرلمان وبدرجة أكبر من خلال الحضور الإعلامي، لكنها مقصاة عن القرار الفعلي”، إلى أن تحوّل هذا التوازن بعد 2013 إلى هندسة سياسية شاملة، أعادت تعريف المعارضة نفسها باعتبارها مشكلة أمنية لا شريك سياسي.

ثورة يناير وغلق المجال العام قبل فتحه

وعن السنوات التالية لثورة الخامس والعشرون من يناير 2011، انتقلت الورقة البحثية إلى تقديم شرح عن ما حدث في المجال العام والذي وصفته  “بالانفتاح غير المسبوق على المجال منذ عقود، فقد عادت الأحزاب القديمة، وظهرت عشرات القوى الجديدة، من الإسلاميين إلى الحركات المدنية واليسارية.

وأشارت الورقة أنه في انتخابات 2011–2012، بدأ البرلمان لأول مرة متنوعًا سياسيًا وتمثيليًا، إذ حصل حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين على الأغلبية (نحو 47٪ من المقاعد)، بينما حصل حزب النور السلفي على نحو 23% بينما شكّل تحالف الكتلة المصرية والثورة مستمرة والمستقلون معارضة متباينة لكنها نشطة داخل المجلس.

وبحسب الورقة، هذه الحالة سرعان ما انتهت مع حل مجلس الشعب في يونيو 2012 بقرار من المحكمة الدستورية، ثم مع التغيير السياسي في يوليو 2013 ، لتبدأ مرحلة جديدة تقوم على إغلاق تدريجي للمجال السياسي وإعادة تعريف المعارضة كملف أمني أكثر منه سياسي.

لقراءة الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

من ظاهرة سياسية إلى مشكلة أمنية

ومنذ عام 2013، قالت الورقة، أن الدولة تبنّت تصورًا شاملًا للأمن القومي أعاد تعريف العلاقة بين السياسة والأمن، وجعل من المعارضة أيًّا كان طيفها، أحد مصادر الخطر المحتملة على “تماسك الدولة”، لا سيما في ظلّ التهديدات الإرهابية التي أعقبت سقوط حكم الإخوان المسلمين.

علي عبد العال رئيس برلمان 2015 (وكالات)
علي عبد العال رئيس برلمان 2015 (وكالات)

أكدت الورقة أن هذا التصوّر لم يقتصر على التيارات الإسلامية، بل امتدّ إلى قطاعات من المعارضة المدنية والليبرالية واليسارية التي انتقدت سياسات الحكم و تراجع الحريات العامة، وفي هذا الإطار، تحوّل مفهوم المعارضة من كونه اختلافًا مشروعًا داخل النظام إلى كونه احتمالًا أمنيًا أو “حرب جيل رابع” مؤجلة إلى أن يُثبت العكس، وهو ما غيّر جذريًا طبيعة المجال العام.

انتقل الباحث من خلال الورقة للمستوى التشريعي، حيث أُعيد بناء منظومة القوانين السياسية والإدارية لتأمين هذا التحوّل، فبموجب قانون الكيانات الإرهابية (2015) وقانون التظاهر (2013) وقانون الجمعيات الأهلية (2017)، جرى تجفيف الفضاء العام، وتقييد الحركة الحزبية والنقابية، ووُضعت أنشطة التعبير والتنظيم تحت رقابة أمنية مباشرة، حيث لم تعد المشاركة السياسية تُقاس بالتمثيل أو بالتنظيم، بل بمدى الانضباط ضمن “المقتضيات الأمنية للدولة”، وفق رصد الباحث.

معارضة بالترخيص وبرلمان تحت الاشراف

وصفت الورقة البحثية المعارضة في برلمان 2020 بـ “معارضة بالترخيص” موضحة أنه مع انتخابات مجلس النواب  2015 لم تتوقّف أدوات ردع المعارضة؛ بل أُضيفت فوقها طبقةٌ جديدة من الهندسة التمثيلية.

وبحسب الورقة، ظهرت قوائم موحَّدة مدعومة من الدولة (ابتداءً بـ«في حب مصر» 2015)، وتبلور النموذج لاحقًا في “القائمة الوطنية من أجل مصر”   في انتخابات2020  وما بعدها، في تحالفٌ مغلق تقوده أحزاب الموالاة (مستقبل وطن، حماة الوطن، الشعب الجمهوري)، ويضم تمثيلًا رمزيًا لأحزاب «الحيّز المتاح» (العدل، والإصلاح والتنمية، والمصري الديمقراطي الاجتماعي) ضمن حدود مرسومة سلفًا.

حنفي الجبالي (وكالات)
حنفي الجبالي (وكالات)

أشار الباحث إلى أن هذه القوائم لم تكن تحالفًا سياسيًا طبيعيًا بقدر ما كانت تركيبة تحت إشراف مؤسسات الدولة، وتُنسَّق عبر منصات مثل تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين (تأسست 2018)، بحيث تعمل الهندسة الانتخابية جنبًا إلى جنب مع الرقابة الأمنية لاستباق المعارضة وتطويعها لا إلغائها.

في المقابل، وفق الورقة البحثية، جرى منع المعارضة المستقلة بحيث لا يُسمح إلا بمرشحين يمرّون عبر قنوات التنسيق الأمني، “في انتخابات 2015 دخل عدد محدود من الأصوات المعارضة مثل هيثم الحريري واحمد طنطاوي، لكنهم وُوجهوا بعزلة داخل المجلس، وقيود إعلامية، وملاحقات قانونية غير مباشرة، وانتهى الأمر بخروج أغلبهم من المشهد قبل انتخابات 2020”.

لقراءة الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

برلمان 2025 ومعامل الدولة

تناولت الورقة البحثية ما حدث في الاستحقاقات الديمقراطية على مدار السنوات الماضية، فقد ظهرت في الانتخابات الأخيرة تكتيك تصنيع المعارضة المنتقاة، وظهر هذا التكتيك أولًا في الانتخابات الرئاسية، حين اختبرت الدولة للمرة الأولى أسلوب “اختيار المنافسين” بدلًا من السماح بتعددية حقيقية.

جانب من اجتماع القائمة الوطنية من أجل مصر بقيادة حزب مستقبل وطن - فيس بوك
جانب من اجتماع القائمة الوطنية من أجل مصر بقيادة حزب مستقبل وطن – فيس بوك

وأضافت الورقة، أنه تم استبعاد مرشحين قد يشكلون تحديًا سياسيًا حقيقيًا للنظام مثل أحمد شفيق، وسامي عنان، وأحمد الطنطاوي، عبر ضغوط إدارية أو ملاحقات قانونية أو أمنية، بينما سُمح لآخرين مثل فريد زهران وعبد السند يمامة وحازم عمر بخوض الانتخابات الرئاسية عن طريق التزكية من أعضاء البرلمان لتأدية وظيفة التعددية الشكلية دون مخاطرة سياسية.

لفتت الورقة إلى ما يجري من تعميم المنهج ذاته على الساحة البرلمانية، فخلال فترة الترشح، جرى استبعاد عدد من المرشحين المستقلين والمعارضين البارزين مثل هيثم الحريري بالإسكندرية ومحمد أبو الديار بكفر الشيخ ومحمد عبد الحليم بالمنصورة، بعضهم عبر حذف أسمائهم من قاعدة بيانات الناخبين أو رفض أوراق ترشحهم.

بحسب الورقة، فإن انتخابات 2025 تتحول إلى تطبيقٍ موسّع لتكتيك “اختيار المعارضة”، حيث  تُستبعد الأصوات التي قد تُحدث إزعاجًا سياسيًا، وتُمنح مقاعد رمزية لمعسكرٍ معارض مصمَّم بعناية داخل هندسة انتخابية تضمن التعددية الشكلية وتمنع التنافس الحقيقي.

نتائج ما تم ترسيخه عبر عقود

خلُصت الورقة إلى أن وضع المعارضة الحالي، وصل إلى أنها لم تعد تُدار أو تُحتوى فحسب، بل تُصمَّم مسبقًا، تُحدَّد تركيبتها، وتختار السلطة رموزها، وتُرسم حدود صوتها تحت شعار “تعددية منضبطة”.

كما أوضحت الورقة أن هذا التحوّل من الاحتواء إلى الاختيار المسبق، لا يعكس فقط تبدّل الوسائل، بل تغيّرًا أعمق في طبيعة الدولة المصرية الحديث من دولةٍ تسعى إلى السيطرة على المجال السياسي، إلى دولةٍ تصنع المجال السياسي نفسه وتحدّد مسبقًا من يُسمح له بالوجود داخله.

لقراءة الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة