أيام قليلة تفصلنا عن البدء في خوض الاستحقاق الانتخابي لبرلمان 2025، تستعد مرشحات المعارضة لمعركة انتخابية هى الأصعب، بحسب مرشحين وخبراء، في مواجهة هيمنة المال السياسي، والأعراف الاجتماعية التي ما تزال تفضل المرشح الرجل على مقاعد البرلمان. تلك المعطيات التي تجعل المنافسة الانتخابية عمومًا، وعلى المقاعد الفردية خصوصًا، شبه مستحيلة.
يرصد هذا التقرير استعدادات مرشحات المعارضة على مقاعد الفردي، لخوض معاركهن الشخصية في الشارع لطرح أفكارهن وبرامجهن التي يعملن عليها، في حال فزن بالانتخابات وحصلن على مقعد البرلمان، في ظل منافسة قوية وتدعيم من المجتمع لوجود رجال في البرلمان.
مرشحة الصعيد الأولى في دائرتها
تقول نهلة كمال مرشحة حزب العدل على المقعد الفردي، في حديثها مع فكّر تاني، أن الفترة الأخيرة، أصبحت مصداقية وأداء النساء في البرلمان، أعلى بكثير جدًا من أداء الرجال.
وتشير المرشحة عن دائرة “أخميم، وساقلتة، وحي الكوثر” في صعيد مصر، أن ترشحها هو الأول في التاريخ الانتخابي للمنطقة بأكملها، فمنذ مجلس شورى النواب عام 1866 في عهد الخديوي إسماعيل، ومرورًا بالتجربة الحزبية عام 1975، تصبح هي.. أول امرأة من الصعيد في دائرتها تترشح فردي.

وتؤكد نهلة على أن الدستور منحها نسبة تمثيل عالية بشكل رسمي، كما أن عدد المرشحات حاليًا يفوق أي وقت مضى، ما يدل على وجود جرأة أكبر في اتخاذ القرار. وأن اتخاذها لقرار الترشح لم يكن من باب التجربة، بل نابع من رغبة حقيقية في النجاح والاستمرار. لذلك، تعتقد أنها قد تكون هناك مساحة أكبر للمرأة.
وعن التمثيل النسائي عمومًا داخل مجلس النواب، تؤكد ابنة الصعيد، أن التواجد النسائي أصبح أعلى بشكل أكبر، من حيث عدد المرشحات أو تأثيرهن على صنع القرار داخل المجلس، سواء في حزب العمل أم في الأحزاب الأخرى، موضحةً أن برلمان 2025، يشهد تواجد أكثر للنساء من أي وقت مضى. كما أن تواجدهن في الشارع أصبح أكثر فاعلية.
وعن دوافعها لخوض الإنتخابات، توضح نهلة، أن قراراها لم يكن بدافع تفكير شخصي بقدر ما كان مدفوعًا من الناس، فهم من رأى فيها الشخص المناسب للتعبير بل والدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم من خلال البرلمان.
تعمل ابنة الصعيد في المجال العام منذ أربعة أعوام عبر “جمعية الجنوبي لتنمية الصناعات الصغيرة” بسوهاج. لذا ساعدها العمل في المجتمع المدني على الاحتكاك بكل طبقات المجتمع، خاصة المتوسطة ومحدودي الدخل، فتقول: “هذا ما جعلني أرى كيف يمكن لعضو البرلمان أن يساعد هؤلاء الناس، لقد عملنا على عدة قضايا ومشكلات، ونجحت الجمعية في حلها، ولكن في وجود نائب كان يمكن يحلها بشكل أسرع، الناس هم من طلبوا مني الترشح، قائلين: “إذا كنتِ تساعدين بهذا الشكل المحدود وتحتاجين لوقت، فبصفتكِ نائبة سوف تتمكنين من تمثيلنا بشكل أفضل”.
لم تتجاوز نهلة الـ 34 عامًا، وتريد أن تقدم نموذجًا يُحتذى به. خاصة وأن الشباب والسيدات بعيدون عن المشهد الانتخابي والبرلماني، لذا فإنها تستهدف، هاتين الشريحتين لتثبت أن هؤلاء الأفراد قادرون/ات على العطاء أيضًا. وترى مرشحة حزب العدل، أن الباب مفتوح، وحان الوقت للنساء الشباب الحصول على فرصتهن، فمصر دولة شابة يشكل الشباب 60% من سكانها، لكنهم لا يُمثلون بهذه النسبة في البرلمان.
وتنطلق نهلة من تجربتها، فعلى حد قولها هى لا تقدم وعودًا براقة، بل لديها ما نفذته بالفعل على أرض الواقع قبل أن تفكر في البرلمان: “أعمل وفق مصطلح ابتكرته في أحد كتبي وهو ‘التنمية الوطنية المستدامة‘، والذي يعني استغلال الإمكانيات المتاحة حاليا للعمل، بدلًا من تصدير المشكلات، فعندما تواجهنا مشكلة، يجب دراستها بشكل علمي وإيجاد حل علمي لها”.
ومع رغبتها في خوض تجربة الانتخابات، تُّصر نهلة على استكمال دراستها الأكاديمية، فقد درست ريادة الأعمال، وتعمل الآن على تحضير رسالة الماجستير في إدارة الأزمات.
وتعتبر نهلة نفسها الأقدر على تمثيل أهالي دائرتها، بعتبارها “ابنة القرية”، “وأكثر من يعرف مشاكل الناس هو من عايشها”، وبالتالي فمن حق هذه الطبقة أن يكون لها دور وصوت في البرلمان. وتوضح أن القبلية موجودة في الصعيد، ولكن ليس كما كانت في السابق، حيث كان العمدة يجمع الناس ويوجههم لانتخاب مرشح معين. والآن اختلف الوضع، بعد أن زاد الوعي، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الناس قادرين على التمييز بين من يناسبهم ومن لا يناسبهم.
كما تلفت نهلة إلى أن بعض النواب السابقين لم يؤدوا دورهم ما فتح الباب لغيرهم، فالناخبون والناخبات الآن لن يمنحوا أصواتهم لمن خذلهم، كما أن وجود امرأة مرشحة يغير من ديناميكيات التنافس، فهناك خطوط لا يمكن تجاوزها.
تعيش ابنة الصعيد في قرية بين الجبل والنيل، وتؤكد أن الجبل يعلم الصلابة والإصرار، والنيل يعلم الخير، وأن ثقة الناس بها نابعة من رؤيتهم لعملها على أرض الواقع. حيث تزور كل البيوت بنفسها وتتحرك بين الناس الذين قالوا لها “نحن نحتاجكِ معنا”، وهذا يختلف تمامًا عن فرض النفس على الآخرين.
تضم الدائرة 15 مرشحًا، منهم ثلاثةأربعة شباب، وهى المرأة الوحيدة.
الأحزاب لا تدعم النساء
فيما تعتقد نيفين ياقوت مرشحة حزب العدل على مقعد الفردي عن دائرة سيدي جابر وباب شرق والعطارين والجمرك، بالاسكندرية، في حديثها لـ فكّر تاني، أن هناك إقبال على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، مقارنةً بالفترات السابقة، التي شهدت إحجام عن المشاركة، بسبب نقص الثقافة السياسية للإنتخابات.
وتشير نيفين إلى أن هذا التطور، بسبب كثرة ظهور الوجوه الجديدة في المجال السياسي، وتجديد الأحزاب للغة الخطاب، بما في ذلك أحزاب المعارضة.

وتطرح نيفين نفسها باعتبارها، منتمية لحزب معارض يتبنى المعارضة البناءة، والذي انضمت له عن قناعة تامة بأيديولوجيته التي تعبر عن الطبقة المتوسطة والمثقفة. وهذه الشريحة من المجتمع لا تلتفت إلى ما يُعرف بالمال السياسي أو “الكراتين الانتخابية”، بل تنظر إلى من يمثلهم/ن في البرلمان ليحقق طموحاتهم/ن وأهدافهم/ن. لذلك، يلمس الحزب هذه الاستجابة على أرض الواقع.
وانتقلت نيفين للحديث عن نظام “الكوتا” لتطرح مميزاته باعتباره الحافظ لحق المرأة في التمثيل العادل داخل البرلمان. وباستثناء حزبها، تقول نيفين أن المرأة بشكل عام في الأحزاب الأخرى لم تأخذ حقها بالكامل بعد، سواء من حيث الدعم المالي أو الإعلامي أو حتى التمكين، فهي لا تحظى بنفس الفرص التي يحصل عليها الرجال.
“عدم التواجد الكثيف للمرأة في البرلمان، فربما لأنها جديدة في المجال السياسي، أو تحتاج إلى تدريب سياسي، أو قد لا تكون مقبلة بالقدر الكافي على المشاركة، أو أن الإمكانيات المادية تعوقهن”.
ومن بين الأسباب، تشير نيفين، إلى أن التحيز للرجال ما يزال قائمًا في بعض الأوساط، واستحواذ الرجال على المشهد يغطي أحيانًا على دور النساء. ورغم أن وجود النساء وتمكينهن في مقاعد البرلمان يضيف إيجابية للمجلس، وهذه حقيقة وليست انحيازًا، فالمرأة أقدر على شرح قضاياها والدفاع عنها.
صاغت نيفين برنامجها، على التركيز على القضايا التي تشغل أهالي دائرتها، والتي عايشتها بنفسها من خلال احتكاكها بالناس، بالإضافة إلى الأفكار الجديدة التي تريد تطبيقها في مجالات مثل التعليم، الذي قضت فيه سنوات طويلة وتمتلك أفكارًا جديدة لتطويره، ضمن الإطار العام لبرنامج “حزب العدل” الذي يركز على قطاعات التعليم والصحة والإسكان، فالتعليم والصحة هما أساس التنمية المستدامة. بدون شعب متعلم ويتمتع بصحة جيدة، لا يمكن تحقيق إنتاج أو استثمار، وهذه هي ركيزة التطور الاقتصادي.
وتنتمي نيفين للطبقة المتوسطة، وهم يدركون أننها لا تملك القدرة المادية على الإنفاق على الحملة الانتخابية، لذلك يتكفل الحزب بالدعاية الانتخابية الخاصة بها بالكامل. بينما تتحمل هى جزءًا بسيطًا يتعلق بالإجراءات الأولية مثل الكشف الطبي والتأمين.
فرص النساء في برلمان 2025 هى الأعلى
بينما تختلف الدكتورة وفاء صبري مرشحة حزب الدستور على مقعد الفردي، عن دائرة مدينة نصر ومصر الجديدة، مع فكرة سيطرة الرجال على الانتخابات البرلمانية. موضحةً أن هذه الفكرة كانت سائدة بالفعل لدى قطاع كبير من المجتمع في السابق، حيث كان يُنظر إلى الرجال على أنهم الأقدر على النقاش وطرح القضايا، ويتمتعون بهيبة أكبر تجعلهم الأنسب للتمثيل في البرلمان، لكن هذا المفهوم بدأ يتغير في الدورات البرلمانية الأخيرة، والذي شهد زيادة ملحوظة في عدد السيدات، خاصة مع تطبيق نظام “الكوتا” النسائية، ما أدى إلى تغيير هذه النظرة تدريجيًّا.

وترى الدكتورة وفاء في حديثها مع فكّر تاني، أن النساء داخل برلمان 2025 هذه المرة أعلى. وحتى في الدورات السابقة، كان هناك تمثيل معقول للسيدات، لافتة إلى أن فكرة الانحياز للمرشحين الرجال بدأت تتلاشى، خصوصًا في المدن والمناطق التي يرتفع فيها مستوى التعليم وتزداد فيها مشاركة المرأة في سوق العمل وكافة المجالات، بما في ذلك العمل العام، وذلك باستثناء بعض المناطق الأكثر تحفظًا، ولكن بشكل عام أصبح الاختيار يعتمد بشكل أكبر على برنامج المرشح وشخصيته وقدرته على العطاء، وليس على أساس جنسه.
تفضل الدكتورة وفاء أن يختارها الناخبون/ات بناءً على برنامجها الانتخابي وما تطرحه من أفكار، وليس لأنها امرأة، حيث تعتقد أن المعيار يجب أن يكون الكفاءة وما تقدمه النساء من خلال برامجهن الانتخابية.
وعن برنامجها الانتخابي، تشير مرشحة الدستور، أنها معنية بالقضايا الاقتصادية في المقام الأول، لأنها تمس كافة فئات المجتمع، ولا تقتصر على محدودي الدخل فقطـ، فكل طبقات المجتمع الآن تعاني وتشكو من الغلاء والتضخم وتدهور قيمة العملة الذي يؤثر على المدخرات والقدرة الشرائية.
كما تهتم الدكتورة وفاء بمسألة تطبيق القانون بطريقة نزيهة وعادلة على كافة المستويات، سواء القوانين المدنية أو الجنائية. لأن ذلك يحقق الأمن والثقة في المجتمع، بالإضافة إلى قضايا العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل، ومشاكل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم، وبالرغم وجود تحسن ملحوظ في مستوى الخدمات العامة في السنوات الأخيرة، فإن قطاعي الصحة والتعليم ما زالا بحاجة إلى إهتمام أكبر.
كما تتحدث مرشحة الفردي، عن ملف الحريات العامة، وهو ملف مهم وقد شهد تطورات مؤخرًا، لكنها تتمنى أن يكون هناك تقدم أكبر فيه، لأنه يبني ثقة المواطن في الحكومة، وهو أمر ضروري لمواجهة التحديات الحالية.
المجتمع أصبح أكثر تقبلًا لانتخاب النساء
من جانبها تقول النائبة سحر عتمان مرشحة حزب العدل على مقعد المفردي، عن دائرة بلبيس ومشتول السوق بمحافظة الشرقية، لـ فكّر تاني، أنه دائمًا ما تكون الانتخابات صعبة والتوقعات بشأنها محفوفة بالاحتمالات، ففي المجتمعات الريفية، كثيرًا ما تتأثر الانتخابات بما يُعرف بـ “إشاعة وجنيه”، حيث يمكن لإشاعة أن تغير اتجاهات الناخبين في لحظة، لكن يبقى “لكل مجتهدٍ نصيب”.

ومن خلال تواصلها مع الجمهور، تؤكد سحر أنها لاحظت تعاطفًا متزايدًا من الناس مع المرشحة المرأة وإعجابًا بجرأتها، والدليل على ذلك، ما حدث معها شخصيًا عندما جاء رجل في عزاء لا يعرفها، وأبلغها أنه سوف ينتخبها قائلًا “أنا هنتخبك عشان إنتِ ست جريئة وجدعة وتعرفي تجيبي حقك”، وهذا ما اعتبرته يعكس تغيرًا في النظرة المجتمعية: “لم يعد يُنظر إلينا كسيدات فقط، بل شريكات فاعلات في المجتمع”.
وشددت النائبة على أن هناك تنامي متزايد بشكل كبير في وعي الناس، فقد أصبح هناك وعي مجتمعي أوسع وأكثر تقبلًا لدور المرأة في البرلمان.
وتحدثت مرشحة برلمان 2025، أن برنامجها يركز على محورين أساسيين وهما التشريعات والخدمات، وأن هناك قوانين قائمة تحتاج إلى تعديل، مثل قانون الجمعيات وممارسة العمل المجتمعي، كما انها عملت، سابقًا، على قوانين هامة مثل تيسير إدخال الغاز الطبيعي، الذي أصبح له الآن 54 مادة قانونية تنظمه بعد أن كان العمل به يتم بلا قوانين واضحة، هذه القوانين قد لا يشعر المواطن بها أو بتأثيرها المباشر، ولكنها تترك أثرًا قويًا في اقتصاد البلد.
وتسعى النائبة الحالية، والمرشحة القادمة للبرلمان، لاستكمال مسيرة الخدمات التي بدأتها في الدائرة، موضحةً أن الفترة من 2016 إلى 2021، تم تحقيق العديد من الإنجازات في دائرتها منها: إنشاء محطة كهرباء بأربعة محولات بتكلفة 400 مليون جنيه، في عهد الوزير محمد شاكر، وإنشاء محطة مياه بتكلفة 350 مليون جنيه، في عهد الدكتور مصطفى مدبولي عندما كان وزيرًا للإسكان، وأيضًا تأسيس وحدة عناية مركزة، وبناء 10 مدارس وأجنحة تعليمية، ومدرسة تمريض، وإدخال شبكات الغاز وإنشاء محطة غاز متكاملة.
