تصحيح مسار شاركت فيه فَكّر تاني.. إشادة واسعة بقرار الرئيس إعادة “الإجراءات الجنائية” للبرلمان

في خطوة مهمة تُصحح المسار، استجاب الرئيس عبد الفتاح السيسي للرفض المجتمعي والحقوقي الواسع، وقرر إعادة مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لمراجعته، وهو ما قوبل بإشادة واسعة من قيادات المجتمع المدني في حديثهم لـ فَكّر تاني.

يأتي هذا القرار تتويجًا لجهود حثيثة قادتها جهات نقابية وحقوقية، شاركت فيها منصة فَكّر تاني، بحملة صحفية متواصلة على مدار الشهور الماضية، عبر تقارير وحوارات وتغطيات كشفت مخاطر المشروع.

وكان القانون قد واجه رفضًا قاطعًا في البداية من: نقابتي الصحفيين والمحامين، ونادي القضاة، وتصدت نقابة الصحفيين بالتعاون مع رموز العمل الحقوقي في نهاية المطاف لـ “العوار” الذي شاب مشروع القانون.

وساد الارتباك في أوساط الموالاة في اللحظات الأولى لقرار الرئيس، فيما ظهرت تناقضات واسعة في المواقف التي أعلنها مسئولون بارزون سبق وأن أشادوا بمشروع القانون محل الجدل.

للاطلاع على تغطية فكر تاني الكاملة التي ساهمت في هذا التحرك.. اضغط هنا

خطوة إيجابية وطيبة

في البداية، يقول محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، لـ فَكّر تاني: “لا شك أن إعادة الرئيس قانون الإجراءات الجنائية لمجلس النواب، لمراجعة بعض المواد محل التحفظ، هو شيء طيب وإيجابي”.

محمد أنور السادات رئيس حزب الاصلاح والتنمية
محمد أنور السادات رئيس حزب الاصلاح والتنمية

ويؤكد السادات أهمية معالجة هذه المواد بمزيد من الضمانات للحريات الشخصية وحرمة المساكن، وما هو متعلق بالحبس الاحتياطي، مشددًا على أهمية التريث لحين الإعلان عن المواد التي سيتم النظر فيها والتداول بشأنها.

وكان السادات يتمنى أن يحدث نفس الإجراء مع قانون الإيجار القديم، لأنه تسبب ولا يزال في مشاكل اجتماعية كبيرة جدًا، ولكن الأمر يخضع لتقدير مجموعة المستشارين في مؤسسة الرئاسة، داعيًا إلى النظر في الانتقادات التي وُجهت إلى هذا القانون ومعه قانون العمل الجديد مع بدء انعقاد المجلس النيابي الجديد.

التريث مطلوب والبرلمان القادم أولى

الحقوقي البارز نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني وأحد الذين خاضوا معركة المجتمع المدني ضد القانون، ثمّن القرار الرئاسي، مؤكدًا لـ فَكّر تاني، أن هذه الخطوة إيجابية وانتصار مهم للمجتمع المدني، مشيرًا إلى أنها ليست المرة الأولى التي يُصحح فيها الرئيس مسار البرلمان ويستجيب للنداءات الحقوقية والمجتمعية.

الحقوقي نجاد البرعي (وكالات)
الحقوقي نجاد البرعي (وكالات)

ويوضح أن “الرهان على أن الرئيس يتدخل في اللحظة المناسبة لا يزال رهانًا ممتازًا”، موجهًا التحية إلى مجلس نقابة الصحفيين برئاسة النقيب خالد البلشي لتصديه لـ “عوار” مشروع قانون البرلمان، وقد شكر مجلس أمناء الحوار الوطني المصري على توصياته بشأن الحبس الاحتياطي التي تجاهلها هذا المشروع، والحقوقيين أحمد راغب ومحمد الباقر على جهودهما في الأوراق العلمية لمواجهة القانون.

ويدعو البرعي البرلمان الحالي إلى “التريث” في مناقشة القانون بعد إعادته، مع فتح حوار مجتمعي حوله، وانتظار البرلمان المقبل لمناقشة النسخة الجديدة من القانون.

ورحب خالد البلشي، نقيب الصحفيين، في وقت سابق، بقرار الرئيس رد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب، معتبرًا إياه “خطوة إيجابية” تستجيب لمطالب النقابة والمجتمع المدني، مؤكدًا أن هذا القرار يؤكد صحة مطالب النقابة بضرورة إجراء حوار مجتمعي موسع قبل إقرار التشريعات المصيرية، فيما جدد مطالب النقابة بمراجعة المواد التي قد تؤثر سلبًا على العمل الصحفي، خاصة المادتين (15 و266).

خطوة مهمة

يقول الحقوقي والسياسي مجدي عبد الحميد، عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية ورئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية لـ فَكّر تاني: “نحن سعداء، ونشكر الرئيس على إعادة قانون الإجراءات الجنائية لمجلس النواب مرة أخرى، واستخدامه حقه الدستوري، واستجابته للمجتمع المدني بقواه السياسية والنقابية والحقوقية، وفي القلب منها نقابة الصحفيين، التي نشكرها على دورها الكبير في إثارة الحوار حول هذا القانون والحشد والتعبئة، التي أدت في النهاية لاستجابة الرئيس لمطالب الناس”.

مجدي عبد الحميد
مجدي عبد الحميد

ويضيف عبد الحميد أن ما حدث هو أن “البرلمان، بجلالة قدره، يقوم بمناقشات حول القانون، ثم يمرره بموافقة الأغلبية، ثم يذهب للرئيس، الذي استجاب لرغبات الشارع، ورفض الأداء البرلماني بصيغة مهذبة، وأعاد النظر في القانون مرة أخرى”.

ويتساءل: “كيف يقوم نواب الشعب بسن تشريع مرفوض من قبل الأغلبية في الشارع المصري؟ وعمن يعبر هؤلاء النواب؟ وهل اختارهم الشعب فعلًا؟ وهل يجوز أن ممثلي الشعب يضعوا تشريعات معادية للشارع وللأسس القانونية المستقرة؟”.

ويشير رئيس جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية إلى أنه من المفترض أن مجلس النواب يلبي رغبات الشعب، ولكن ما حدث هو العكس، لذلك يتضح للجميع أن هذا المجلس لا يعبر عن إرادة المصريين، “لأن الشعب لم يختر هؤلاء النواب”.

شكر ومطالبة بمراجعة شاملة

ويرحب حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بقرار رئيس الجمهورية دون تحفظات، معتبرًا تلك الخطوة بمثابة استجابة لـ “كورال” كامل من المطالبات، بدءًا من النقابات المهنية والأحزاب السياسية، والمنظمات الحقوقية والنسوية والاتحادات العمالية والحركات الشبابية، ومقرري الأمم المتحدة ولجنة مناهضة التعذيب، وبعض التوصيات التي تلقتها مصر أثناء المراجعة الدورية الشاملة، وحتى الاتحاد الأوروبي.

حسام بهجت
حسام بهجت

ويضيف بهجت أنه بمراجعة مواقف جميع الأطراف والقوى المجتمعية، “لن نجد جهة دافعت عن القانون، باستثناء الحكومة، والنواب الموالين بمجلس النواب، بل وبعض النواب المعارضين والمحسوبين على أحزاب خارج الموالاة”.

ويأمل مدير المبادرة ألا يقتصر الأمر على تعديلات محدودة، خصوصًا على المواد التي ذكرها بيان رئاسة الجمهورية فقط، وإنما يمتد لمراجعة الفلسفة الكاملة لهذا القانون الذي “يعصف بحقوق المحامين وكل المواطنين المتعاملين مع منظومة العدالة الجنائية بشكل يومي، وبمبدأ الشرعية الإجرائية بحد ذاته”.

قرار غير متوقع

ويصف المحامي الحقوقي محمد الباقر، المشارك في حملة “من أجل قانون عادل للإجراءات الجنائية”، ما حدث بأنه “قرار غير متوقع، بل كان المتوقع أن يتم التصديق على القانون وبدء تفعيله، والدخول في مرحلة جديدة من التقييد القانوني للحقوق والحريات فيما يخص المتهم والدفاع، وبالتالي فإنه يرحب به، لأنه سيمنح الجميع فرصة لمراجعة الموقف والمحتوى، وعدم التسرع في إصدار القانون”.

ويضيف الباقر أن هناك مسودات كاملة للقانون تم تقديمها من حملة “من أجل قانون عادل للإجراءات الجنائية”، وتعليقات “في منتهى الأهمية” تم تقديمها منه بالإضافة إلى مجموعة من القانونيين، منهم نجاد البرعي وأحمد راغب وغيرهم من المحامين، في محتوى القانون، من أجل تصحيح المسار.

يلفت المحامي الحقوقي إلى أن هناك حاجة إلى التروي ومراجعة الفلسفة العامة للقانون والهدف من تغييره، وعدم الاكتفاء بمجرد إجراء تعديلات طفيفة على بعض المواد، لأن “الإشكالية الحقيقية تكمن في فلسفة القانون والهدف منه، والمتوقع من مخرجاته، ليحقق ضمانات أكثر كدستور للحقوق والحريات”. فالقانون هيكل واحد مبني على فلسفة واحدة، وهذا ما كان يصلهم في ردود اللجنة التشريعية واللجنة المعنية بالقانون، حيث كانت الردود تنطلق من تلك الفلسفة.

محمد الباقر
محمد الباقر

ورغم ترحيبه ببيان رئاسة الجمهورية، يشير الباقر إلى بعض التخوفات الخاصة بالجزء الثاني من البيان، والذي شمل ترحيبًا بجهود اللجنة التي أعدت القانون في بعض المواد التي لديه عليها ملاحظات، “مثل قصور المواد الست الخاصة بحماية الشهود، والتي يجب أن يُفرد لها باب كامل أو قانون مستقل، بالإضافة إلى فلسفة الحبس الاحتياطي وتأثيرها، وتقييد التعويضات، وآلية اتخاذ القرار في المواد الخاصة بالمنع من السفر والتصرف في الأموال، والقيود التي تحدد أطر المحاكمات عن بعد وتأثيرها على حقوق الدفاع والمتهم”.

ويشدد باقر على ضرورة ألا يُناقش القانون مرة أخرى من قبل البرلمان الحالي، الذي تنتهي مهمته قريبًا، بل يجب أن “يتنحى جانبًا مشكورًا، ويترك هذا الملف للبرلمان المقبل، حتى يأخذ القانون حقه والوقت الكافي لمناقشته، في جلسات تفصيلية وموسعة ودقيقة، لإمكانية مراجعة مواد القانون الخمسمئة من فلسفتها وحتى نهايتها”.

ويدعو الباقر إلى أن يكون كل من ساهم في وقف المسودة الحالية، من خلال نقدٍ بنّاء وموضوعي، “طرفًا أصيلًا في عملية مراجعة القانون الحالي ووضع قانون جديد”. فعلى مدار العام الماضي، بُذل مجهود كبير نتجت عنه مسودات وقانون بديل وتعليقات قانونية وحقوقية هامة للغاية، “وكل هذا يحتاج إلى أن يخضع لنقاش عميق يبدأ من فلسفة تعديل القانون، ويمر على كل باب ومادة”.

ويوضح المحامي الحقوقي أنه لا يريد “جلسات استماع لمعرفة آراء الناس، فالآراء أصبحت معروفة ومكتوبة ومصاغة، بل يحتاج إلى جلسات نقاش عميقة ومتخصصة للمناقشة الجذرية للموضوع”. كما يجب توسيع اللجنة المعنية بصياغة القانون وإعادة هيكلتها لتضم في أغلبيتها شخصيات من خارج الدوائر النيابية والأمنية، بحيث تشمل المجتمع المدني والقانونيين والحقوقيين، على أقل تقدير.

ويطالب الباقر بضرورة أن تضم هذه الجلسات من قاموا بصياغة نسخ بديلة أو قدموا نقدًا موضوعيًا، “فالواقع العملي أثبت أن وجهات نظر هؤلاء الزملاء والمخرجات التي قدموها كانت هي الصحيحة، وبالتالي، من أنتج المحتوى الذي تم رده، إما أن يتنحى أو يوسع دائرة النقاش للرأي الآخر، حتى نصل إلى صياغة معمّقة للقانون لا يندم عليها المجتمع لاحقًا، لأن المسألة تتخطى السياسي، وتمس الشأن الجنائي الذي يطال كل المصريين”.

المصريون يستحقون قانونًا أفضل

مها عبد الناصر - خاص فكر تاني
مها عبد الناصر – خاص فكر تاني

وتثمّن النائبة مها عبد الناصر، عضو الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي بمجلس النواب، قرار الرئيس بإعادة القانون إلى مجلس النواب، مؤكدة أنها كانت ضمن الهيئة البرلمانية الوحيدة التي اعترضت فعليًا، والحزب الوحيد الذي اعترض على القانون.

وتشير مها إلى أنها ذكرت في كلمتها داخل إحدى جلسات البرلمان أثناء طرح القانون، أن “المصريين يستحقون قانونًا أفضل من هذا”، وأن هذا القانون لأهميته يجب أن تكون صياغته منضبطة للغاية وألا يتضمن أيًا من الاعتراضات التي ذكرتها، وتتمنى أن يتم تدارك جميع الاعتراضات التي تحدثت عنها أثناء مناقشة القانون.

وتعليقًا على ما إذا كان هناك متسع من الوقت لمراجعة المواد التي واجهت اعتراضات، تقول مها إن البرلمان الحالي ما زال في دور الانعقاد حتى شهر يناير 2026، وبالتالي “هناك متسع من الوقت لمراجعة المواد”.

تصريحات متناقضة لوزير الشؤون النيابية

وفي تناقض صارخ، كان المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية للتواصل السياسي، قد أشاد في أبريل الماضي بمشروع قانون الإجراءات الجنائية، بينما أشاد أمس بقرار الرئيس بإعادة القانون إلى مجلس النواب لمراجعته.

وأوضح المستشار فوزي أن إعادة القانون تمنح البرلمان “فرصة أكبر لإجراء دراسة متأنية للنصوص بما يحقق التوازن المطلوب بين الحريات العامة ومتطلبات العدالة”، مؤكدًا أن الخطوة تعكس “إرادة سياسية لإقرار قانون أكثر توافقًا وفاعلية، وميل أكبر للحريات والوضوح”.

وفي أبريل الماضي، شكر المستشار فوزي كل من ساهم في خروج قانون الإجراءات الجنائية للنور ووصف الموافقة عليه باللحظة الاستثنائية، مؤكدًا أن قانون الإجراءات الجنائية آلية حقيقة لتفعيل العقد الاجتماعي وأحد أهم أولويات الإصلاح التشريعي ويأتي ضمن توجه القيادة السياسية لتحقيق العدالة الناجزة.

ووصف القانون الجديد بأنه يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز سيادة القانون في مصر، ويساهم في تحديث المنظومة القضائية بما يتماشى مع المعايير الدولية، واستجابة تشريعية موفقة صادقة للاستحقاقات والضمانات الدستورية ويضعها موضع التطبيق

مجلس النواب يتراجع ويرحب

ورغم إشادة رئيس مجلس النواب المستشار حنفي الجبالي بمشروع القانون حينه صدوره، أصدر مجلس النواب بيانًا رسميًا بالأمس، قال فيه: “اعتراض السيد رئيس الجمهورية على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية يؤكد حس سيادته الوطني وحرصه على أن يظل البناء التشريعي قائمًا على الوضوح والإحكام والتوازن”.

مجلس النواب في العاصمة الإدارية (وكالات)
مجلس النواب في العاصمة الإدارية (وكالات)

ورحب المجلس، في بيانه، بالتوجيه الرئاسي حول بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، مؤكدًا أنه يمثل أرقى صور ممارسة الصلاحيات الدستورية، وتجسيدًا حيًا لنهج سياسي قائم على الانحياز المطلق لدولة القانون وحماية الحقوق والحريات.

وقرر المجلس إدراج اعتراض رئيس الجمهورية في أولى جلسات دور الانعقاد العادي السادس المقرر عقدها يوم الأربعاء 1 أكتوبر، فيما دعا الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء لجلسة مجلس النواب القادمة للإدلاء ببيان حول إعادة النظر في المواد محل الاعتراض وفقاً لأحكام اللائحة الداخلية لمجلس النواب.

العدالة الناجزة

ويشيد ناجى الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، بقرار الرئيس إعادة مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لمراجعة المواد محل الاعتراض، مؤكدًا أن هذا القرار يجسد يقظة القيادة السياسية، وحرصها العميق على تحقيق العدالة الناجزة المتوافقة مع الدستور وروح القانون.

ناجي الشهابي
ناجي الشهابي

ويوضح رئيس حزب الجيل الديمقراطي لـ فَكّر تاني أن ما فعله الرئيس السيسي يعكس احترامه الكامل لمبدأ الفصل بين السلطات، وإصراره على أن تصدر القوانين من مجلس النواب بعد نقاش موضوعي يراعي مصلحة الوطن ويحمي حقوق المواطنين.

يضيف الشهابي أن هذه الخطوة تؤكد أن الدولة المصرية في عهد الرئيس السيسي ماضية بثبات نحو بناء نظام قانوني عادل يرسخ سيادة القانون، ويعزز ثقة الشعب في مؤسساته.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة