عبد الله محمد.. سجين “طوسون” الذي قال: لا

لم يكن على بال عبد الله محمد السيد 29 سنة، أن تتكرر أزمة نزع ملكية منزله، مره أخرى، بعد أن عايش جميع تفاصيلها رفقة والده عندما كان طفلاً، حيث شاهد والده وباقي أهالي المنطقة يخوضون صراعًا مع الدولة منذ أكثر من 19 سنة، من أجل تقنين أوضاعهم، وضد نزع ملكيتهم.

وجد محمد نفسه في مسؤولية حماية مسكن العائلة الذي يأويه هو وزوجته وأمه وأخواته البنات، وأخيه الصغير، بعد وفاة والده، حيث أصبح هو العائل الوحيد للأسرة، لم تكن هناك فرصة أمام محمد أن يرفض المسؤولية التي وضعها أهالي المنطقة بين يديه بعد أن كلفوه بمهمة المتحدث الرسمي باسمهم، عندما بدأت المحافظة في حصر منازل الأهالي.

جريمته “سلك الطرق المشروعة”

ألقت قوات الأمن القبض على محمد من مقر عمله في شركة بفاريا بمنطقة برج العرب بالإسكندرية، ووجهت نيابة أمن الدولة العليا له، تهم الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها ونشر وإذاعة أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى، وقررت حبسه على ذمة القضية 6819 لسنة2025، وإيداعه في مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان 6.

عبد الله محمد السيد المتحدث باسم اهالي طوسون
عبد الله محمد السيد المتحدث باسم اهالي طوسون

قال محمد رمضان محامي أهالي منطقة طوسون ومحامي محمد، لـ فكر تاني، إن قوات الشرطة ألقت القبض عليه بعد أسبوع واحد من مقابلته رفقة مجموعة من أهالي المنطقة، كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، والذي وعده بالتواصل مع محافظ الإسكندرية للنظر في أمر نزع ملكية الأهالي لمنازلهم لصالح بناء كوبري.

وكانت أولى جلسات نظر تجديد أمر حبس محمد السبت الماضي، والتي نفى محمد فيها جميع التهم الموجهه له، وفق محاميه، الذي أشار إلى أن فحص هاتف والصفحة الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي لموكله، أثبتت عدم ارتكابه أي من التهم الموجهه له، وصدر القرار بتجديد حبسه 15 يوم على ذمة القضية.

تهجير من أجل منتجع سياحي

هل أصبح الدفاع عن الأرض والبيت بالطرق المشروعة، تهمة يجب أن يدفع ثمنها من تسول له نفسه أن يعترض، هكذا يتساءل أهالي طوسون ، بحسب رمضان، وذلك بعد حبس محمد الذي كلفوه أن يكون المتحدث الرسمي باسمهم، معتبرين أن “محمد” بمثابة كبش فداء، وعينة مما سيحدث لكل من يفكر في الوقوف ضد قرارات الحكومة، في حين علق كل صاحب منزل، على جداره، ورقة مكتوب عليها: لن نترك منازلنا.

المحامي محمد رمضان مدير مكتب الإسكندرية للحماية القانونية
المحامي محمد رمضان مدير مكتب الإسكندرية للحماية القانونية

أكد محامي الأهالي أن نزع ملكيتهم وهدم منازلهم من أجل بناء كوبري، ضمن خطة تطوير تربط محور طريق المحمودية بمدينة أبو قير الجديدة، لإقامة منتجع سياحي، وليس لبناء مشروع قومي حيوي، قائلًا: “الأهالي ليست ضد المنفعة العامة لذلك تواصلوا مع مهندس استشاري، والذي أكد وجود طريق آخر بديل بما لا يضر السكان”.

وأضاف رمضان، أن هناك الكثير من العزب بطول الطريق سيتم نزع ملكية أراضيها، مما يشكل أزمة حقيقة للآلاف من ملاك الأراضي الزراعية وماكلي المنازل، خصوصًا وأن الأهالي ترفض بشكل قاطع مسألة التعويض، وحتى الآن لم تطرح المحافظة قيمة التعويض المقترح، أو طريقته.

رمضان طالب بالإفراج عن موكله عبد الله محمد السيد ، والاستجابة من المسؤلين لمناقشة الأهالي في مقترح الطريق البديل، والتراجع عن قرار نزع الملكية.

لم تكن المرة الأولى التي يواجه فيها أهالي منطقة طوسون تهديدات بنزع ملكية منازلهم، فمنذ 2008 والأهالي كانت تنظم وقفات احتجاحية، من بينها اعتصام لمدة 5 أشهر أمام مقر وزارة الزراعة، للاحتجاج على نزع ملكيتهم للأراضي والبيوت مطالبين بتقنين أوضاعهم، وهو ما حدث بالفعل وحصلوا على التصالح ودفعوا أموالًا باهظة للحكومة آنذاك.

اعتصام أهالي منطقة طوسون في العام 2010.. المصدر (مواقع التواصل الاجتماعي)

غياب العدالة

تقول ماهينور المصري المحامية الحقوقية، لـ فكر تاني، إن هناك استسهال في القبض على المواطنين، وبدلًا من حل المشاكل التي تواجههم، يتم ارسالهم إلى نيابة أمن الدولة باتهامات انضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة.

ماهينور المصري (وكالات)
ماهينور المصري (وكالات)

وتصف ماهينور ما يواجهه محمد وباقي أهالي منطقة طوسون، بأنه مأساة يعيشونها منذ عام 2008، مؤكدة أنهم قاتلوا من أجل الحصول على حقوقهم، وسلكوا كل السبل القانونية التفاوضية، ووقدموا اقتراحات بطرق بديلة لا تضر بهم.

وتشير المحامية الحقوقية إلى أن مايحدث يعود بالناس إلى الخلف حيث ما قبل ثورة 25 يناير، ومطلبها الأساسي “عيش حرية عدالة اجتماعية”، موضحة أن شعار العدالة الاجتماعية موجود طوال الوقت لكنه مفرغ من مضمونه، وما يقال عن تطويره هو في اتجاه ضد مصالح المواطنين.

وأضافت،”أن محمد وباقي أهالي طوسون هم المواطنين الذين يبحثون عن حقوقهم، ويقدمون بدائل مدروسة أيضًا، وهم من يستحقون العدالة الحقيقة، وبدلا من ذلك يتم حبسه، لمجرد الدفاع عن منزله”.

مطالب حقوقية

من جانبها طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، النائب العام المستشار محمد شوقي، بإخلاء سبيل عبد الله محمد السيد (29 عامًا) وإسقاط كافة الاتهامات الموجهة إليه.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

كما أكدت المبادرة على أن السيد لم يرتكب أي جريمة يعاقب عليها القانون، وأن كل ما قام به هو ممارسة حقه الدستوري في التعبير عن رأيه، مثل باقي أهالي حي طوسون بالإسكندرية المعترضين على مسار مشروع الطريق الدائري الجديد الذي يتطلب تنفيذه تهجيرهم من منازلهم.

وفقًا لمحامي المبادرة المصرية، الذي مثل عبد الله في جلسة التحقيق، أنكر السيد جميع الاتهامات الموجهة إليه. واطلعت النيابة على صفحته الشخصية ولم تجد أى منشور على صفحته يعد نشر أخبار كاذبة. كما قام المحقق بمطالعة هاتفه الخاص المحرز ولم يتبين به أي ما يفيد ارتكابه لأي من التهم الموجهة إليه.

وسألت النيابة عبدالله، وفق المبادرة ، عن أحد الفيديوهات التى قام بتصويرها بهاتفه المحمول والذي يظهر قيام شخص بإزالة لافتة من على الحائط مدون عليها “لا نترك منازلنا” كان بعض أهالى منطقته قد علقوها على جدران المنازل في استخدام لحقهم الدستورى في التعبير عن رأيهم ضد قرارات إزالة بيوتهم.

عبدالله، أكد أمام النيابة، أنه اتخذ كل المسالك القانونية منذ سنوات للطعن على قرارات الإزالة، كما قام بالتواصل بالإشتراك مع آخرين من منطقته مع الوزير كامل الوزير للتشاور حول هذه القرارات، والذي بمناقشة الأزمة مع محافظ الإسكندرية.

 

طالبت أيضًا لجنة العدالة بالإفراج الفوري عن عبد الله ، وقالت إنه تم احتجازه تعسفيًا على خلفية دفاعه السلمي عن حقوق السكان في مواجهة قرار نزع ملكية منازلهم لصالح مشروع الطريق الدائري الجديد ووقف أي ملاحقات أمنية بحقه.

كما شددت اللجنة على أن ما قام به محمد يندرج ضمن الحق الدستوري في التعبير عن الرأي، والمكفول بموجب المادة 65 من الدستور المصري التي تنص على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.

وأضاف بيان اللجنة، أن المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه مصر، تنص على أن لكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد تعسفًا.

وأكدت اللجنة على أن قرار نزع الملكية، وإن كان يستند إلى اعتبارات تنموية، يجب أن يُنفذ وفقًا لمعايير العدالة والشفافية، وبما لا يخل بحقوق المواطنين في السكن الآمن والمستقر، كما نصت المادة 78 من الدستور المصري على أن “تكفل الدولة الحق في السكن الملائم، بما يحقق الكرامة الإنسانية”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة