حين يصبح حل الدولتين مشروطًا بنزع المقاومة: قراءة في “إعلان نيويورك”

في منعطف دبلوماسي قد يعيد تعريف مسار القضية الفلسطينية، تحول “حل الدولتين” إلى مشروع مشروط، يرتبط مصيره بشكل مباشر بتجريد المقاومة من سلاحها. هذا ما كشفه “إعلان نيويورك”، الذي وضع على الطاولة، وبصراحة غير مسبوقة، إطارًا لـ”اليوم التالي” في غزة يقوم على فرضية واحدة: لا سيادة فلسطينية مستقبلية دون نزع سلاح حركة حماس أولًا.

الإعلان، الذي جاء ثمرة مؤتمر دولي قادته فرنسا والسعودية، وحظي بدعم واسع من 17 دولة، بينها قوى إقليمية فاعلة كمصر وقطر وتركيا والأردن، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، مثّل تحولًا نوعيًا في الخطاب الدولي. فهو لا يطرح رؤيته للسلام فحسب، بل يقدم خارطة طريق تنفيذية تبدأ بتفكيك البنية العسكرية لحماس، وتسليم السلطة كاملة في غزة إلى السلطة الفلسطينية.

هذا التوجه، وإن كان يبدو ظاهريًا كخطوة نحو الحل، يثير أسئلة وجودية حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، وما إذا كان هذا المسار يمهد لدولة حقيقية، أم أنه يمنح الاحتلال ما يريده دون مقابل فعلي.

تحول خطاب حل الدولتين

شكّل مؤتمر نيويورك نقطة تحول من خلال تجاوزه لغة البيانات التقليدية التي تدعو إلى “حلول عادلة وشاملة”. هذه المرة، دخل المجتمعون في صلب التفاصيل العملياتية لإنهاء الحرب، وربطوا بشكل مباشر بين إحياء أفق حل الدولتين وتغيير الواقع الميداني والسياسي في قطاع غزة.

وفقًا لنص الإعلان فإنه طالب بشكل صريح بأن يكون “الحكم وحفظ النظام والأمن في كل الأراضي الفلسطينية من اختصاص السلطة الفلسطينية حصرًا”. ولترجمة هذا المبدأ إلى واقع، شدد على ضرورة أن “تنهي حماس سيطرتها على غزة وتسلم أسلحتها للسلطة الفلسطينية”.

هذه الصيغة، تمثل المرة الأولى التي تتفق فيها مجموعة واسعة من الدول، بما فيها دول عربية وإسلامية وازنة، على إدانة هجوم 7 أكتوبر، والمطالبة العلنية باستبعاد حماس من أي دور مستقبلي في حكم القطاع.

وهو ما يعلق عليه يحيى قاعود، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، بقوله لـ فَكّر تاني، إنه “من الواضح أن العقبة الأساسية في أي حل هي الاحتلال الذي يرفض أي أفق لدولة فلسطينية ويضع العصي في الدواليب لمنع تسوية حقيقية. الكل يرغب بوقف الإبادة، وحركة حماس رضخت لكافة الاشتراطات في التفاوض من أجل وقف مقتلة الشعب الفلسطيني”.

ورغم تأكيد الإعلان على التزام الدول باتخاذ خطوات ملموسة ومحددة زمنيًا وغير قابلة للإلغاء من أجل التسوية السلمية وتطبيق حل الدولتين. إلا أنه لم يحدد أيًا من تلك الخطوات الملموسة أو كيف يمكن الضغط على إسرائيل التي صوّت الكنيست فيها -يوم 18 يوليو- على رفض إقامة دولة فلسطينية.

“نحن لا نملك أمام هذه الإبادة الإسرائيلية أي أوراق ضغط فعلية. وفصائل المقاومة بعد كل ما حدث من الاستهدافات والاغتيالات والقتل والتجويع، لا تملك من أمرها شيئًا. هي تحاول أن تصمد في وجه هذه الإبادة، أمام هذه القوة والغطرسة وهذا الدعم الأمريكي تحديدًا للاحتلال”، يضيف قاعود.

عناصر من حركة حماس في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
مقاتلو حماس يقفون حراسًا خلال عملية إطلاق سراح رهائن في رفح، جنوب قطاع غزة، 22 فبراير/شباط 2025؛ صورة توضيحية. (تصوير: رويترز/حاتم خالد)

بحسب إعلان نيويورك، ولضمان تنفيذ الانتقال السلس للسلطة، اقترح نشر “بعثة دولية مؤقتة لإرساء الاستقرار” في غزة. مهمة هذه البعثة تتجاوز حفظ السلام التقليدي لتشمل حماية المدنيين، ودعم عملية نقل المسؤوليات الأمنية بشكل كامل إلى السلطة الفلسطينية، وتوفير ضمانات أمنية متبادلة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.

يرى عصمت منصور، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، أن على حماس أن تنسجم مع هذا الطرح لسحب الذرائع من نتنياهو الذي يتهرب من أي خطط لـ”اليوم التالي” ويتعامل بمنطق الصفقات والمساومات ذات الأفق الضيق “يجب أن تنخرط في هذا المسار وأن تعلن أنها مع حل الدولتين وأنها ستسلم سلاحها للسلطة وأن تكون جزءًا من هذا المسار، عندها يمكن أن تقطع على المدى الاستراتيجي الطريق على نتنياهو ولا تعطيه ذرائع”.

لكن الإعلان صاحبه تساؤلات عن مدى واقعية أي تحرك دولي لا تقوده الولايات المتحدة أو لا تحظى خطواته بموافقتها. فبعد يومين فقط من المؤتمر، اتهمت الإدارة الأمريكية كلا من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بـ”تقويض آفاق السلام” مع إسرائيل؛ لتفرض عقوبات على مسؤولين في كلتيهما بتهمة اتخاذ خطوات “لتدويل النزاع مع إسرائيل”.

في حديثه مع فَكّر تاني، يعتبر ساري عرابي، المتخصص في شؤون الحركة الوطنية الفلسطينية، أن الموقف الأمريكي، الذي يمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للحركة، هو العامل المهيمن، وأن أي تباينات بين واشنطن وتل أبيب هي “وجهات نظر في الإطار الواحد” تتعلق بالتكتيك وليس بالهدف.

هذا الهامش الأمريكي المفتوح هو ما يسمح ببلورة مبادرات تتبنى السردية الإسرائيلية في جوهرها. يؤكد المفاوض الفلسطيني الأسبق يزيد صايغ لـ فَكّر تاني، أن العامل الحاسم في التوصل لأي أفق سياسي هو موقف الإدارة الأمريكية، معتبرًا أن “أي مبادرات إقليمية تظل ثانوية ما لم تمارس واشنطن ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل”.

العلم الفلسطيني يحجب جزئيًا قبة مبنى الكابيتول الأمريكي بينما يتجمع المتظاهرون خلال احتجاج في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، 28 يوليو 2025. (صورة - رويترز)
العلم الفلسطيني يحجب جزئيًا قبة مبنى الكابيتول الأمريكي بينما يتجمع المتظاهرون خلال احتجاج في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، 28 يوليو 2025. (صورة – رويترز)

ربط الإعمار بنزع السلاح

لم تكن الشروط السياسية التي حملها إعلان نيويورك معزولة عن أدوات الضغط الاقتصادية. فملف إعادة إعمار غزة، التي حولتها آلة الحرب الإسرائيلية إلى ركام، تحول إلى الورقة الأكثر تأثيرًا في يد إسرائيل لفرض رؤيتها.

فقبل المؤتمر كانت الرسائل واضحة من عواصم عربية محورية مثل الرياض وأبوظبي والقاهرة، والتي أوضحت، كما يشير تحليل لمعهد واشنطن، كتبه إيهود يعاري المعروف بقربه من الدوائر الأمنية الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية، أن أي مشاركة في تمويل عملية إعادة الإعمار الضخمة ستكون مرهونة بتحقيق شروط لا لبس فيها: نزع سلاح حماس، وتفكيك جناحها العسكري، وتخليها النهائي عن أي دور في حكم القطاع.

“سواء بشكل رسمي أو من خلال أوراق غير رسمية، اقترحت العديد من الحكومات العربية خططًا لغزة ما بعد الحرب. في كل حالة، أوضح المسؤولون أنهم يتصورون نزع سلاح حماس”، يقول التحليل.

هذه الاشتراطات وجدت صدى داخل حماس نفسها التي تعيش، بحسب تقرير آخر لنفس الكاتب بعنوان “حماس عند مفترق طرق“، انقسامًا بين تيارين. التيار الأول، الذي يوصف بـ”البراجماتي” ويقوده رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، الذي يدفع باتجاه “إعادة تقييم” جذرية لمسار الحركة، ويرى أن حماس لم تعد قادرة على حكم مليوني فلسطيني يعيشون في دمار، ولا تملك الموارد لذلك.

ويدعو مشعل، الذي جرى تهميش دوره خلال السنوات الماضية، إلى “العودة للحضن العربي” وقبول الشروط المصرية والسعودية، والتحول إلى حزب سياسي ينضوي تحت مظلة منظمة التحرير، مقابل الحصول على تمويل إعادة الإعمار والمشاركة في الحياة السياسية لاحقًا.

في المقابل، يرفض تيار آخر يمثله القيادي خليل الحية هذه المقترحات رفضًا قاطعًا. ويراهن على أن ورقة الرهائن لا تزال قادرة على تحقيق انسحاب إسرائيلي كامل، وأن الدعم من قطر وتركيا إلى جانب بعض المساعدات الإيرانية، سيمكن الحركة من الصمود.

وترى الحركة أنها قدمت مرونة كبيرة في المفاوضات ورغم ذلك لم يُشفع لها، بحسب ما يؤكد إبراهيم ربايعة، مدير تحرير دورية “شؤون فلسطينية” لـ فَكّر تاني، بقوله إن “حماس قد تنازلت بشكل كبير جدًا بالنسبة للأثمان” بهدف وقف الحرب.

ويعتقد الباحث أن الحركة تخضع لتجاذبات ونقاشات داخلية على مستوى تياراتها حول شكل المستقبل، “حماس والجهاد والفصائل الأخرى بحاجة لمراجعة شاملة لعلاقاتها واستراتيجياتها بعد الحرب. فالوضع لا يقتصر على الخسائر الحالية، بل يمتد ليشمل خسائر فلسطينية وهشاشة القطاع كقاعدة للمقاومة”.

لكن في الوقت ذاته لن تعاني حماس داخليًا من هذه النقاشات المتضاربة حتى لو وصلت لمرحلة النقاش العلني، بحسب الباحث عزيز المصري “فالإطار السياسي للحركة ما زال متماسكًا في الخارج وقادرًا على حسم التصور العام بدون انشقاقات أو خلافات كبيرة”، كما يشير لـ فَكّر تاني.

مسلحون من حركة حماس يتجمعون في موقع تسليم جثث أربعة أسرى إسرائيليين في خان يونس جنوب غزة في 20 فبراير 2025. (إياد بابا/وكالة الصحافة الفرنسية)
مسلحون من حركة حماس يتجمعون في موقع تسليم جثث أربعة أسرى إسرائيليين في خان يونس جنوب غزة في 20 فبراير 2025. (إياد بابا/وكالة الصحافة الفرنسية)

غموض المصير السياسي

يقول المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، إن حماس مستعدة لتسليم سلاحها، وهو ما نفته الحركة سريعًا. لكن حتى لو تمكنت الضغوط من إجبار حماس على القبول بنزع سلاحها، فإن موافقتها ترتبط بوجود أفق حقيقي لتسوية سياسية.

“إسرائيل والولايات المتحدة لا توافقان على فكرة اللجنة المجتمعية (التي يتبعها حضور السلطة الفلسطينية)، وتصران على فكرة توكيل دول عربية للإشراف على الأمن لفترة انتقالية لتشكل حاجزًا بين المقاومة وإسرائيل. بينما لا يوجد ضغط عربي جماعي من الدول المؤثرة لإلغاء تلك الفكرة. بل يتردد أن دولًا مثل الإمارات مستعدة للمشاركة في قوة عربية انتقالية مؤقتة”، يقول السفير معتز أحمدين، مندوب مصر الأسبق بالأمم المتحدة.

كما يلف الغموض مصير قادة الحركة وعناصرها. وبعد أن كانت إسرائيل تطالب بإخراج كامل كوادر الحركة من غزة، يبدو أنها تراجعت جزئيًا عن هذا المطلب، وأصبحت تقبل بإبعاد رمزي لعدد محدود من القادة العسكريين وكبار المسؤولين. بينما تشير تقارير إلى أنها ربما تنظر في منح عفو لمئات المقاتلين، شرط أن يسلّموا أسلحتهم، بحسب ما أورده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

يشير يزيد صايغ إلى أنه “في ظل هذه الظروف، لا يُعتد باستعداد الفصائل في غزة لتقديم تنازلات، لأن إسرائيل غير راغبة في التوصل إلى اتفاق حقيقي أو تنفيذه، ولأن نتنياهو لا يستطيع تحمل تكاليف القيام بذلك سياسيًا.. كل هذه النقاشات تظل هامشية ما لم يتغير الموقف الأمريكي وهذا يعتمد كليًا على موقف الرئيس الأمريكي”.

وفي هذا السياق، يشير السفير أحمدين إلى التماهي الأمريكي التام مع المطالب الإسرائيلية وأن “حكومة إسرائيل بعد أن استجابت لضغوط من الولايات المتحدة بشأن إيران، تصر على أن يكون لها هامش أوسع من حرية الحركة في غزة والضفة، علمًا بأن الوضع في غزة والضفة ليس من أولويات الولايات المتحدة، لأنه لا يؤثر على مصالحها مباشرةً”.

ويلفت في حديثه لـ فَكّر تاني إلى أن مصر والدول العربية رغم امتلاكها أدوات ضغط على إسرائيل، فإن فعاليتها مرهونة بـتوفر الإرادة السياسية الغائبة حتى الآن “الموقف الأمريكي يعتبر مصر كدولة تمر بأزمة اقتصادية ضخمة تحتاج المساعدة وبالتالي ليست في موقع فرض الشروط أو الضغط على إسرائيل”.

وهنا يتضح أن المسألة ليست في غياب أوراق الضغط بل عدم الرغبة في استخدامها. “تستطيع مصر بالتنسيق مع دول عربية أخرى الضغط على إسرائيل من خلال أدوات كثيرة، أهمها: وقف التعاون الاقتصادي والتحكم في الحدود والبضائع والأفراد المتوجهة من وإلى إسرائيل. والاستغناء عن استيراد الغاز منها للتحرر من الضغط المحتمل الذي تمارسه على مصر”، كما يرى أحمدين.

إلا أن كل ذلك بحسب مندوب مصر الأسبق بالأمم المتحدة “يتطلب تعاونًا من الدول العربية المنتجة للغاز لتعويض مصر، كما أن تعاون الدول العربية في المجال الاقتصادي يخفف من الضغوط الدولية على مصر للامتثال للأفكار التي تطرحها إسرائيل”. لكن خطوات كهذه لا يبدو أنها ضمن حسابات الدول الخليجية.

قادة مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية يشاركون في المناقشات بشأن النزوح المحتمل لسكان غزة في القاهرة، في الأول من فبراير 2025. (Screenshot)
قادة مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية يشاركون في المناقشات بشأن النزوح المحتمل لسكان غزة في القاهرة، في الأول من فبراير 2025. (Screenshot)

ارتدادات الإملاءات الدولية على المسار الفلسطيني

لا تستهدف اشتراطات إعلان نيويورك حماس كفصيل فحسب، بل تلقي بظلالها على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني برمته. إذ يرى مراقبون أنه يحوّل السلطة الفلسطينية إلى جهاز إداري بلا أدوات سيادة حقيقية.

تعهّد المؤتمر بالكثير لكنه لم يقدم إجابات للأسئلة الجوهرية. لم يوضح مثلاً كيف ستبدو جغرافية الدولة الموعودة، أو ما الذي سيحدث إذا انضمت حماس لمنظمة التحرير وفازت في انتخابات حددها المؤتمر في غضون عام. كما لم يطرح أي آلية لإلزام إسرائيل بتنفيذ مخرجاته بما فيها إجراء الانتخابات.

يرى عرابي أنه “لو كان إنقاذ ما يمكن إنقاذه يستند إلى البيانات لكانت فلسطين تحررت بعدد البيانات والمبادرات التي صدرت في ظروف كان العرب فيها أحسن حالًا وأكثر تماسكًا. علاوة على سخرية إسرائيل، كعادتها، من هذا الإعلان ومن أصحابه، وعدم استناده إلى أيّ برنامج عملي وجهد ضاغط على الاحتلال. الشيء الوحيد الحقيقي في الإعلان والمعبّر عن المواقف الفعلية هو إدانة المقاومة وتحميلها ضمنيًّا المسؤولية عن الإبادة، وهذا الجزء الوحيد الذي ترحب به إسرائيل”.

وهنا يبرز الخطر الذي يلخصه مقال تحليلي لـ”فورين آفيرز” كتبه حسين أغا وروبرت مالي، يحذر من الرهان على “انتصارات نهائية” في الشرق الأوسط، مذكرًا بأن سياسات كهذه ساهمت سابقًا في ولادة قوى جديدة أكثر راديكالية.

ويوضح الكاتبان أن النظرة الغربية للحروب في الشرق الأوسط كـ”قصة خطية” تتجه نحو انتصار حاسم هي نظرة خاطئة و”هراء”. فالتاريخ في المنطقة، لا يسير في خط مستقيم، بل “ينزلق جانبيًا ويهبط في أكثر الأماكن غير المتوقعة”.

يقدم المقال أمثلة تاريخية، كالغزو الإسرائيلي للبنان الذي أدى لظهور حزب الله، ودعم واشنطن للمجاهدين الأفغان الذي أدى لصعود طالبان والقاعدة. هذا التحليل يحذر من أن محاولة فرض “انتصار تام” عبر نزع سلاح حماس قد لا يؤدي إلى السلام المنشود.

صورة جماعية مع وزراء رفيعي المستوى خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين، في مقر الأمم المتحدة في 28 يوليو 2025، في مدينة نيويورك. (تشارلي تريباليو/وكالة الصحافة الفرنسية)
صورة جماعية مع وزراء رفيعي المستوى خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين، في مقر الأمم المتحدة في 28 يوليو 2025، في مدينة نيويورك. (تشارلي تريباليو/وكالة الصحافة الفرنسية)

هذه المخاوف يعبّر عنها ماكس رودينبيك، مدير مشروع فلسطين/إسرائيل بمجموعة الأزمات الدولية. إذ يقول لـ فَكّر تاني إن “كل الحياة السياسية الفلسطينية تحتاج إلى تجديد جذري لكن ذلك يصبح أكثر صعوبة تحت الخنق الإسرائيلي المتواصل”، مما يجعل فرض حلول من الخارج أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

ويعتبر معين ربّاني، وهو محلل هولندي‑فلسطيني وزميل أول في معهد الدراسات الفلسطينية، في تصريحه لـ فَكّر تاني، أن الشروط الفلسطينية الأساسية (إنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي الكامل وتبادل الأسرى) هي “شروط دنيا، والتنازل عنها سيكون بمثابة انتحار سياسي”.

تطرح خارطة الطريق في إعلان نيويورك في العمق معادلة خطرة: ربط إنهاء الحرب بإخضاع الفاعلين الفلسطينيين بالكامل للمنظومة الأمنية والسياسية المفروضة دوليًا والمرسومة إسرائيليًا، دون فرض مسار موازٍ للضغط على الاحتلال.

أما السعي لتوافق فلسطيني داخلي، فيبدو أن مساره يتجه لاسبتعاد حماس تمامًا من المشهد. “يجب أن تضع حماس الملف التفاوضي في يد منظمة التحرير لتوحيد الصف الفلسطيني، فالتعامل بمنطق الصفقات ليس مُجديًا. كما يجب على الرئيس أبو مازن أن يستغل الزخم والانتقاد العالمي لإسرائيل لإطلاق مبادرة سياسية توحد المشهد الفلسطيني وتؤسسه على أرضية صلبة، وإلا ستضيع تضحيات الشعب ومعاناته”، يحذر عصمت منصور وهو أسير سابق لـ20 عامًا في سجون الاحتلال.

يعتقد معين ربّاني أن الدول العربية قادرة على الضغط والتأثير إذا ما أرادت ذلك؛ مثلما حدث في الرفض الجماعي لاقتراح ترامب للتهجير “ريفييرا غزة”. لكن “المسألة هنا هي ما إذا كانت الجهات الفاعلة الإقليمية ترغب في استخدام نفوذها للتأثير على الأحداث. والدلائل حتى الآن تشير إلى أنه إذا احتوت إسرائيل الإبادة الجماعية (والمجاعة)، فإن الدول العربية مستعدة لغض الطرف عنها”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة