فيما يصفه مراقبون بـ”المؤشر السلبي” لمسار التمكين السياسي للمرأة في مصر، كشفت القائمة الأولية لمرشحي انتخابات مجلس الشيوخ 2025، الخميس، عن تراجع حاد في أعداد المرشحات، الأمر الذي أثار نقاشًا واسعًا حول جدية الالتزام السياسي بضمان مشاركة نسائية فاعلة.
فمن بين 469 مرشحًا، لم تتقدم سوى حوالي 50 سيدة، بنسبة لا تتجاوز 10.6%، وهو ما يمثل انحدارًا واضحًا عن انتخابات 2020 التي سجلت مشاركة 111 مرشحة من أصل 787 مرشحًا (بنسبة 14%). واللافت أن هذا الانكماش في المشاركة النسائية يأتي ضمن ظاهرة أوسع، حيث لم يترشح في الدورة الحالية إجمالًا سوى نصف عدد المرشحين في الدورة السابقة، وذلك على الرغم من استقالة 11 عضوًا من مجلس النواب بهدف خوض سباق الشيوخ.
هذا التراجع المزدوج، في المشاركة العامة وفي التمثيل النسائي تحديدًا، هو ما يطرح بحسب المراقبين تساؤلات أعمق حول بنية النظام الانتخابي، ودور الأحزاب، وجدوى المشاركة في إطار سياسي يراه البعض “طاردًا للنساء”.

النساء والشيوخ.. لماذا التراجع؟
توزعت تفسيرات المراقبات لهذا الواقع على محورين رئيسيين: مناخ انتخابي باهت وتحديات ميدانية مُرهقة – نظام انتخابي مقيد ودور حزبي محجم.
1. مناخ انتخابي باهت وتحديات ميدانية مُرهقة

هنا، تصف منى عزت رئيسة مؤسسة النون لرعاية الأسرة، في حديثها لـ فكر تاني، أجواء انتخابات مجلس الشيوخ بأنها “بلا زخم” و”غير ناشطة” مقارنة بانتخابات النواب، وهو ما يجعل المناخ العام طاردًا للنساء ويحد من جاذبية المشاركة.
وتضيف نيفين إسكندر سكرتير عام الحزب الليبرالي (تحت التأسيس) عضوة تنسيقية شباب الأحزاب، بعدًا ميدانيًا لهذا التحدي، بالإشارة إلى أن “الدوائر كبيرة ومرهقة للمرأة”.

وهو ما تتفق معه وفاء عشري، القيادية بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، والتي تؤكد أن اتساع الدوائر يقلص عدد المرشحات، خاصةً مع صعوبة المنافسة التي يفرضها “المال السياسي” وعوامل ثقافية أخرى، لا سيما في المحافظات البعيدة عن المركز.
2. نظام انتخابي مقيد ودور حزبي محجم

أما على المستوى الهيكلي، فتوجه منى عزت نقدًا مباشرًا لنظام “القائمة المطلقة المغلقة”، معتبرةً إياه ذا “أثر سلبي” لأنه “يمنع وجود فرص حقيقية لتمثيل المرأة” التي غالبًا ما توضع في “ذيل القوائم”. كما ترى أن “فكرة المحاصصة والتربيطات الانتخابية” بين الأحزاب تشكل عاملًا إضافيًا غير محفز وطارد للمرأة.
وتلتقط وفاء عشري خيط “دور الأحزاب”، لتؤكد – لـ فكر تاني – أن الكثير منها “يحجم عن ترشيح النساء”، خاصةً في ظل غياب “كوتة إلزامية” لهن في مجلس الشيوخ، مما يجعل تمثيلهن مرهونًا بإرادة الأحزاب أكثر من كونه استحقاقًا قائمًا على الكفاءة والمنافسة.
بين أمل الإصلاح ونقد “الديكور”
أمام هذا الواقع المقلق، تباينت ردود فعل الناشطات والسياسيات، وانقسمت رؤاهن حول الموقف الأمثل بين تيارين رئيسيين: تيار إصلاحي يعبر عن صدمته من الأرقام، لكنه يتمسك بالأمل في إمكانية تصحيح المسار، وتيار نقدي جذري يتبنى موقفًا أكثر حدة، حيث يرى أن المشكلة أعمق من مجرد أرقام، وتصل إلى جدوى المجلس نفسه وطبيعة المشاركة فيه.

التيار الأول: أمل في الإصلاح والتعيينات
تقول منى عبد الراضي أمينة المرأة عضوة الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إنها “صُدمت” من الرقم المتواضع الذي “لا يليق بتاريخ المرأة المصرية”، وتعتبر أن هذا يضع “مسؤولية تاريخية على عاتق الأحزاب والقوى السياسية لتصحيح الخلل”. لكنها، مع ذلك، تعلق أملًا على القرارات الرئاسية، قائلةً: “نتمنى أن تكون هناك قرارات جريئة لتعيين عدد أكبر من النساء”.
وتشاركها هذا الموقف نيفين إسكندر، التي رغم إقرارها بأن النسبة كانت مخيبةً للآمال، إلا أنها تؤكد – في حديثها لـ فكر تاني، على فخرها بترشح السيدات الشابات لخوض المنافسة، وتضيف أن “تعيين المرأة في مجلس الشيوخ يعطينا نسبة أمل”، معتبرةً أن المشاركة الحالية هي “خطوة على طريق تمكين المرأة” تنتظر أن تُستكمل في المستقبل.
التيار الثاني: نقد جذري وجدل “الجدوى”
تطالب الدكتورة كريمة الحفناوي القيادية بالحزب الاشتراكي المصري، بأن يكون حق المرأة في التمثيل 50%، باعتبارها نصف المجتمع، على غرار دساتير دول أخرى كتونس والمغرب. وتعلن أن حزبها لن يشارك في الانتخابات من الأساس، معتبرةً – في حديثها لـ فكر تاني – أن المجلس “لا لزوم له، ورأيه غير ملزم”، وأنه مجرد “مكافأة لمجموعة من الموالين للسلطة”.
وتذهب نجوى عباس القيادية بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلى وصف نسبة المرشحات الحالية بأنها مجرد “ديكور”، وتشدد على أنها “لا تعبر عن أي تمكين للمرأة في مصر وتشكل تأكيدًا على استخدام النساء في الديكور السياسي فقط”.

خريطة المرشحات والأحزاب المشاركة
طبقًا للبيانات الأولية الصادرة عن الهيئة الوطنية للانتخابات، وفيما غابت مرشحات الحركة المدنية الديمقراطية عن السباق، دفعت أحزاب أخرى بعدد من الكوادر النسائية. وفيما يلي توزيع لأبرز المرشحات على أحزابهن:
حزب مستقبل وطن: هالة محمود (القاهرة)، شيرين صبري رزق (الجيزة)، بسمة الهنداوي (الدقهلية)، سوزي سمير (الإسكندرية)، غادة الضبع (سوهاج).
حزب الشعب الجمهوري: ولاء هيرامس رضوان.
حزب العدل: علياء عبد العزيز عامر، نيفين فارس رزق، هبة عبد المعز أحمد، مروة الشافعي.
حزب الجبهة الديمقراطية: يوستينا رامي جورج سعيد، وفاء محمد رشاد خلف الله عابدين، داليا سعد يوسف أحمد.
حزب الجيل الديمقراطي: رحمة أحمد محمد عبدالله، سوزي عزيز سعيد ميخائيل، غادة علي السيد علي البري.
حزب الاتحاد: نهى مصطفى، صابرين عليان، شيماء عبد الرسول.
حزب الأحرار الاشتراكيين: نانسي صلاح سليمان، أمل فوزي.
حزب الشعب الديمقراطي: ابتسام محمد أحمد مرعي، سهير فودة.
الحزب المصري الديمقراطي: النائبة السابقة أميرة صابر.
حزب التجمع: أمينة النقاش.
حزب الريادة: منى بخيت.
حزب مصر المستقبل: سلوى حجي.
حزب المؤتمر: د. إيمان السيد.
حزب صوت الشعب: منار الجندي.
حزب حقوق الإنسان والمواطنة: إلهام نافع.
حزب الإصلاح والنهضة: مروة النجار.
حزب مصر الحديثة: صفاء عرابي.
حزب إرادة جيل: سعاد سفينة.
مرشحات أخريات:
د. سامية العزب، د. أزهار الأطرش، رانيا محجوب، نهى فايد، مرفت سلامة، د. عزيزة السيد، فاطمة الصياد، حنان فتحي محمد (حنان دراز)، عزة خضير، د. دعاء عادل، رقية المهدي، صفاء إبراهيم محمود عبد الحافظ، جيهان التونسي، ولاء محمد الشريف، هالة فوزي الشامي، د. ماجدة سلام المحامية، أمل حماد، د. تهاني الشيخ، ود. منى عبد العزيز.
