بعد جدل سياسي وإعلامي استمر لما يقرب من خمسة أشهر، أقرت أحزاب “العدل”، و”المصري الديمقراطي الاجتماعي”، و”الإصلاح والتنمية”، المعروفة بـ”ثلاثي الحيز المتاح”، بانضمامها رسميًا إلى قائمة الموالاة الانتخابية، وهو ما كانت منصة فكر تاني انفردت بنشره في فبراير الماضي.
وجاء الإعلان الرسمي يوم الخميس 3 يوليو، عقب اجتماع دام ثلاث ساعات بمقر حزب “مستقبل وطن”، ليؤكد بذلك التحالف ضمن “القائمة الوطنية من أجل مصر” التي يتصدرها الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية الحالية.
ليضع هذا القرار، الذي جاء مصحوبًا ببيانات متزامنة من الأحزاب الثلاثة لتوضيح أسباب المشاركة، نهاية لمرحلة من النفي القاطع الذي بدا عليه موقف الأحزاب الثلاثة في الأشهر الماضية، لكنه أثار في الوقت ذاته هجومًا واسعًا من قيادات “الحركة المدنية الديمقراطية” التي تتوعد باتخاذ إجراءات تنظيمية ضد حلفائها السابقين.
تضم القائمة، وفقًا لبيان “مستقبل وطن”، أحزاب “حماة الوطن”، و”الجبهة الوطنية”، و”الشعب الجمهوري”، و”المصري الديمقراطي”، و”المؤتمر”، و”الوفد”، و”الإصلاح والتنمية”، و”العدل”، و”التجمع”، و”الحرية المصرية”، و”إدارة جيل”، إلى جانب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
وقد أكد البيان أن المشاركة في تشكيل “القائمة الوطنية من أجل مصر” تعكس رغبة جميع الحاضرين في “التمسك بفكرة العمل المشترك من أجل المصالح العليا لمصر وشعبها، في هذا الوقت شديد الحساسية على الصعيدين الإقليمي والدولي”، وهو ما لا يلغي التنوع في الرؤى والاختلاف في الطروحات الداخلية، والذي سيجد مكانه في مجلسي البرلمان القادمين.
وأعلن الحزب تشكيل لجنة قانونية مشتركة لإعداد وتنفيذ كل الخطوات القانونية المطلوبة للتقدم بمرشحي “القائمة الوطنية”، مع تخصيص أحد مقراته بالقاهرة ليكون مركزًا لإدارة كل الخطوات والمراحل الإجرائية لانتخابات مجلس الشيوخ.

الحيز المتاح وزمن الإنكار
لم تكن الصورة على هذا النحو قبل أشهر قليلة. ففي 12 فبراير الماضي، وعندما كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ فكر تاني، عن إبرام اتفاق انتخابي من حيث المبدأ بين الأحزاب الثلاثة وحزب “مستقبل وطن”، سارعت قياداتها إلى نفي الخبر بشكل قاطع.
اقرأ أيضًا: ” ثلاثي الحيز المتاح” في قائمة انتخابية واحدة مع “مستقبل وطن”

وقد أتاحت فكر تاني، في إطار حق الرد والتعقيب، لمسؤولين رفيعي المستوى بالأحزاب الثلاثة، الرد على ما انفردت به، وتضمنت ردودهم تحفظًا على ما نشر، ونفيًا لصحة ما أكدته مصادرنا، معللين بأن الحديث عنه في هذا الوقت هو حديث سابق لأوانه
كما أصدر حزب “الإصلاح والتنمية” بيانًا رسميًا على لسان أمينه العام أشرف الشبراوي، أكد فيه أن “لا صحة لما نشر بشأن دخول الحزب وحزبي المصري الديمقراطي والعدل في تحالف انتخابي مع حزب مستقبل وطن، ولم تحدث أي لقاءات أو نقاشات في هذا الشأن”.

ووقتها، عبر النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب “العدل” عن ضيقه مما وصفه بـ”استباق الأحداث”، ونشر تدوينة على حسابه الرسمي بـ “فيسبوك” نفى فيها ما ذكرته المصادر، مؤكدًا أنه لم يكن هناك أي اتفاق في ذلك التوقيت.
وفي الكواليس، كان فريد زهران، رئيس الحزب “المصري الديمقراطي الاجتماعي”، الأكثر تعبيرًا عن الغضب داخل المجموعات الخاصة بالحزب على ما يُنشر، طالبًا من الأعضاء عدم الالتفات لتلك الأنباء ومساندته في المفاوضات الجارية.
وقد أثارت هذه المواقف، التي تضمنت تحفظًا ونفيًا رسميًا، آنذاك جدلًا واسعًا واتصالات مكثفة داخل الأحزاب الثلاثة، وسط تأكيدات من قياداتها للأعضاء بأن الأمر لم يُعرض بعد على الهيئات العليا بالحزب.
الحيز المتاح وتبرير التحالف
وفي تحول لافت من النفي إلى التبرير، سارعت الأحزاب الثلاثة إلى إصدار بيانات توضح الدوافع وراء قرارها الأخير، الذي اعتبره مراقبون محاولة لتفسير التناقض بين تصريحاتها السابقة ومشاركتها الفعلية في تحالف انتخابي كانت كواليسه معروفة في الوسط السياسي.
وقد شارك باسم كامل أمين عام الحزب “المصري الديمقراطي”، ممثلًا عن الحزب في اجتماع “القائمة الوطنية من أجل مصر” لانتخابات الشيوخ بمقر “مستقبل وطن” يوم الخميس، وأكد أن هذه المشاركة تمثل “تحالفًا انتخابيًا فقط وليس تحالفًا سياسيًا”.

واستشهد كامل بـ”خبرة الحزب” في انتخابات 2020، مشيرًا إلى أن أداء نواب الحزب في البرلمان كان نابعًا من مبادئه وتوجهاته المستقلة، بشهادة رئيسي مجلسي النواب والشيوخ آنذاك.
كما وجه الشكر إلى فريد زهران رئيس الحزب، الذي تولى ملف التفاوض، مؤكدًا أن جميع مرشحي الحزب من أعضائه ولم يتم الاستعانة بأحد من خارجه.
“العدل” على مسارين
أما حزب “العدل”، فأصدر بيانًا مفصلًا كشف فيه عن غضب مبطن من فشل المعارضة في تشكيل قائمة موحدة.
وأكد البيان أن الحزب خاض “مشاورات جادة ومنفتحة مع عدد من القوى السياسية من المعارضة وخارجها، سعيًا لتشكيل قائمة انتخابية تمثل طريقًا بديلًا، إلا أن هذه المساعي لم تكلل بالنجاح”، مرجعًا ذلك إلى تعقيدات النظام الانتخابي واتساع الدوائر.
وفي محاولة للموازنة، أطلق الحزب نداءً لتشكيل “تحالف الطريق الديمقراطي” لخوض معركة المقاعد الفردية، مؤكدًا أن هذا هو “السبيل الجاد الوحيد لتعظيم تمثيل المعارضة”.
وبدوره، حسم حزب “الإصلاح والتنمية” موقفه بمشاركة المهندس علاء عبد النبي نائب رئيس الحزب، ممثلًا عنه في الاجتماع التشاوري للقائمة الوطنية، مما يعد إقرارًا رسميًا بالانخراط في التحالف الانتخابي.

أزمة ووعيد في بيت المعارضة
لم يمر قرار الأحزاب الثلاثة بالانضمام للموالاة في انتخابات الشيوخ داخل “الحركة المدنية الديمقراطية”، التي تمثل المظلة الأوسع لأحزاب المعارضة. فبمجرد الإعلان الرسمي، بدأت التداعيات تظهر بحدة، مهددة بمزيد من الانقسام في صفوف بيت المعارضة.
وفي أول تعليق رسمي، أكد مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وعضو مجلس أمناء الحركة، أن “موقف الحركة ثابت ولم يتغير بشأن رفض مشاركة أطرافها أو أي أحزاب محسوبة على المعارضة في قوائم الموالاة”.
في حديثه لـ فكر تاني، يعتبر الزاهد أن هذه المشاركة، تحت أي دعوى، هي جزء مما وصفه بـ”إفساد المجال السياسي وإخضاع الحياة السياسية لنظام الكفيل”.
وبينما يحذر الزاهد من استمرار تجاهل الظروف التي تحيط بالوطن، والتي تتطلب وفق رؤيته السماح بوجود معارضة حقيقية تشارك في نقل نبض الناس والتعبير عنهم بطريقة سلمية ديمقراطية، يشدد على أن مصر لم تعد بحاجة إلى مجالس موافقات.
وقد كشف مصدر بارز بالحركة لـ فكر تاني، أن الأحزاب الثلاثة ينتظرها قرار محتمل بالشطب، تفعيلًا لقرار سابق للحركة يعاقب من يتحالف مع الموالاة.
وأوضح المصدر أن حزبي “المصري الديمقراطي” و”العدل” هما بالفعل رهن التجميد، بينما لا يزال حزب “الإصلاح والتنمية” عضوًا عاملًا، مشيرًا إلى حسم مصير الأحزاب الثلاثة بشكل جماعي في أول اجتماع لمجلس الأمناء.
ومن جهته، عبّر أكرم إسماعيل القيادي بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس) عضو الحركة المدنية، عن رفضه القاطع للخطوة. وقال في تدوينة له عبر فيسبوك: “أحزاب من المعارضة من جديد اختارت قتل القوى الديمقراطية وهزيمة رصيدها عند الجمهور الغاضب والمقهور”.
وأضاف أن ما حدث يأتي بعد 24 ساعة فقط من انسحاب نواب المعارضة من جلسة البرلمان رفضًا لقانون الإيجار القديم، ليظهروا بعدها “مع خصومهم وخصوم من يمثلوهم”، معتبرًا أن “هذا ليس حيزًا ممكنًا، بل هذا هو قتل لكل ممكن”.
في المحصلة النهائية، يكشف مسار “ثلاثي الحيز المتاح” من النفي القاطع إلى التحالف الرسمي عن صدام جوهري في السياسة المصرية المعاصرة: الصدام بين براجماتية البقاء السياسي ومبدئية الخطاب المعارض.
فبينما نجح حزب “مستقبل وطن” في توسيع مظلته الانتخابية وتقديم مشهد يوحي بالتوافق الوطني، حصلت الأحزاب الثلاثة على موطئ قدم برلماني كانت تخشى فقدانه. لكن هذا المكسب التكتيكي يأتي بتكلفة استراتيجية باهظة، تتمثل في تآكل محتمل في مصداقيتها لدى قواعدها، وشرخ عميق مع حلفائها التقليديين في الحركة المدنية.
ويبقى السؤال الأبرز للمرحلة المقبلة: ما إذا كانت هذه المقاعد البرلمانية ستتحول إلى منصة لتأثير معارض حقيقي، أم ستكون مجرد جزء من ديكور سياسي أوسع، يهدف إلى احتواء الأصوات المختلفة بدلًا من تمكينها.
