3.5 تريليون جنيه.. فجوة تمويلية ضخمة بالموازنة العامة الجديدة

تدخل مصر العام المالي 2025/ 2026 في ظل تحديات مالية جسيمة، أبرزها فجوة تمويلية تُقدَّر بنحو 3.5 تريليون جنيه، تمثل نتاجًا مباشرًا لعجز متفاقم في الموازنة العامة، وسداد التزامات محلية وخارجية متراكمة.

وبينما تُظهر بنود مشروع الموازنة الجديدة اعتمادًا متزايدًا على أدوات الدين المحلي والخارجي لمواجهة هذه الفجوة، في وقت تواصل فيه الحكومة مساعيها لضبط الدين العام، وترشيد الإنفاق، وتحقيق فائض أولي مستدام، تشير بيانات وزارة المالية إلى تصاعد حاد في مدفوعات الفوائد، لتتجاوز نصف الإنفاق العام، ما يسلط الضوء على هشاشة الهيكل المالي للدولة وسط بيئة اقتصادية داخلية وخارجية غير مستقرة.

وفي هذا السياق، تبرز رهانات حكومية على تنويع أدوات التمويل، وإعادة هيكلة محفظة الدين، وتعزيز استغلال الأصول العامة، بهدف استعادة التوازن المالي وتخفيف الضغوط المتراكمة على الموازنة.

عجز قياسي في الموازنة يفاقم الضغوط التمويلية

تُقدّر وزارة المالية العجز الكلي في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2025/ 2026 بنحو 1.5 تريليون جنيه، بينما تبلغ قيمة الالتزامات المستحقة لسداد أقساط القروض المحلية والخارجية نحو 2.08 تريليون جنيه، ما يرفع إجمالي الاحتياجات التمويلية إلى 3.57 تريليون جنيه.

ولمواجهة هذا العجز، تعتزم الحكومة الاعتماد على تمويل داخلي وخارجي، بواقع 3.1 تريليون جنيه من السوق المحلية، و400.4 مليار جنيه من مصادر خارجية. وتشمل القروض الخارجية نحو 11.2 مليار جنيه لتمويل مشروعات استثمارية، و6.6 مليار جنيه لتغطية التزامات أخرى. أما التمويل المحلي فيعتمد بشكل أساسي على إصدار أدوات دين حكومية، مثل أذون وسندات الخزانة، في الأسواق المحلية والدولية.

قفزة في تكلفة خدمة الدين تُهدد التوازن المالي

تكشف بيانات مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2025/ 2026 عن ارتفاع حاد في مخصصات الفوائد، لتسجل نحو 2.298 تريليون جنيه، ما يعادل 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ1.8 تريليون جنيه في موازنة العام الجاري، والتي شكّلت 10.7% من الناتج المحلي، بزيادة قدرها 463.5 مليار جنيه، أي بنسبة 25.3%.

ترجع وزارة المالية هذا التصاعد في بند الفوائد إلى استمرار أسعار الفائدة المرتفعة، إلى جانب تقلبات سعر الصرف التي رفعت تكلفة سداد الفوائد على القروض الخارجية المقومة بالعملات الأجنبية.
ورغم أن الوزارة تتوقع تراجع متوسط الفائدة على أذون وسندات الخزانة إلى 16% في العام المالي الجديد، مقارنة بـ27.7% خلال العام الحالي، فإنها لم تُعلن السعر الرسمي المستهدف للدولار تحسبًا لأي تأثيرات فورية على الأسواق.

وتُمثل الفوائد وحدها نحو 50.2% من إجمالي المصروفات المقدّرة في مشروع الموازنة الجديد البالغة 4.5 تريليون جنيه، ارتفاعًا من 47.4% في موازنة 2024/2025، ما يُبرز استمرار استنزاف الإنفاق العام في خدمة الدين، وهو اتجاه هيكلي بدأ منذ العام المالي 2015/ 2016، حين أصبحت الفوائد البند الأكبر في المصروفات الحكومية.

ويُقدّر بند الفوائد الخارجية بنحو 248.5 مليار جنيه في 2025/ 2026، مقارنة بـ232.14 مليار جنيه في العام المالي الحالي، في حين تتجاوز الفوائد المحلية حاجز 2.04 تريليون جنيه، مقابل 1.6 تريليون جنيه في الفترة المقابلة. وتتوزع الفوائد المحلية بين 226.2 مليار جنيه لسندات يصدرها البنك المركزي، و870.4 مليار جنيه لأذون خزانة، و867.04 مليار جنيه لسندات خزانة مصرية.

سداد القروض يستنزف 10% من الناتج المحلي

وتُواجه الموازنة أعباء ضخمة في سداد القروض، حيث تُخصص الدولة نحو 2.08 تريليون جنيه للوفاء بالالتزامات المستحقة، بما يعادل 10.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ1.6 تريليون جنيه في موازنة العام الحالي، أي بزيادة قدرها 478.4 مليار جنيه.

ويشمل هذا المبلغ:

- أقساط قروض خارجية معاد إقراضها: 23.3 مليار جنيه، مقابل 17.8 مليار جنيه في العام الجاري.

- قروض لبنك الاستثمار القومي: 155 مليون جنيه، مقابل 159 مليون جنيه.

- قروض من مصادر أخرى: 809.2 مليون جنيه، ارتفاعًا من 204.8 مليون جنيه في الموازنة الحالية.

- سندات خزانة مستحقة: 768.5 مليار جنيه، مقارنة بـ755.3 مليار جنيه.

- أقساط الدين الخارجي المباشر: 481.1 مليار جنيه، رغم انخفاضها من 626.1 مليار جنيه في العام السابق.

- أقساط تسددها جهات حكومية: 2.1 مليار جنيه، مقابل 1.8 مليار جنيه.

وتبرز هذه المؤشرات حجم الضغوط التمويلية المتزايدة على الموازنة العامة، في ظل اعتماد متواصل على أدوات الدين لسداد التزامات قائمة، ما يكرّس الحاجة لإعادة هيكلة الدين العام وتوسيع قاعدة الإيرادات المستدامة.

الفوائد تُقيد أثر الفائض الأولي رغم تحسنه

وتكشف بيانات مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2025/ 2026 عن تسجيل فائض أولي يُقدّر بـ807.06 مليار جنيه، وهو الفرق بين الإيرادات والمصروفات دون احتساب فوائد الدين، مقارنة بـ591.4 مليار جنيه في موازنة العام الجاري، ما يعكس تحسنًا نسبيًا في المؤشرات الهيكلية للموازنة.

وتسعى الحكومة إلى تعزيز هذا الاتجاه عبر تحقيق فائض أولي يُعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب رفع الإيرادات الضريبية بنسبة 1% من الناتج مقارنة بالتقديرات الحالية.

ويُشكل هذا التوجه جزءًا من استراتيجية خفض تدريجي لمعدل نمو الدين كنسبة من الناتج المحلي، بحيث ينخفض إلى أقل من 80% بحلول نهاية يونيو 2028.

وتراهن وزارة المالية على تقليص أعباء خدمة الدين على الموازنة العامة والناتج المحلي، عبر تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي يتراوح بين 5% و6% في المدى المتوسط، مدفوعًا بفرضيات متفائلة بشأن تعافي الاقتصاد العالمي واستقرار الأسواق المالية.

الحكومة تراهن على الأصول وإطالة آجال الدين

تؤكد وزارة المالية التزامها بمسار الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق استدامة نمو الاقتصاد واستقرار الدين العام، من خلال الحفاظ على فائض أولي يتراوح بين 3.5% و4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا في المدى المتوسط.

ولبلوغ هذا الهدف، تركز الحكومة على تنمية الإيرادات دون الإضرار بالنشاط الإنتاجي أو الاستثماري، مع إعادة هيكلة الإنفاق العام عبر ترشيد الأولويات بما يُحقق وفورات مالية تدريجية.

وفي هذا السياق، تستهدف الموازنة العامة تحصيل 66.2 مليار جنيه من الإقراض ومبيعات الأصول، بانخفاض طفيف عن العام المالي الحالي البالغ 67 مليار جنيه، منها نحو 588 مليون جنيه متوقعة من بيع أراضٍ مملوكة للدولة.

وفي موازاة ذلك، تراهن الحكومة على تحسين هيكل الدين المحلي عبر إطالة متوسط أجل محفظته، الذي ارتفع من 1.24 عام في يونيو 2024 إلى 1.83 عام بنهاية ديسمبر، بدعم من تجدد ثقة المستثمرين، ولا سيما الأجانب، في أدوات الدين طويلة الأجل مثل سندات الخزانة.

وتُشير بيانات وزارة المالية إلى أن نسبة الدين العام لأجهزة الموازنة من الناتج المحلي انخفضت من 96% في يونيو 2023 إلى 90% في يونيو 2024، مع توقعات باستمرار التراجع إلى نحو 85–86% بحلول يونيو 2025، مدفوعة باستراتيجية تقليص الاعتماد على الاقتراض قصير الأجل وتعزيز الاستثمارات المستدامة.

ضبط الاستثمارات العامة لضبط المالية

وفي إطار جهودها لضبط الإنفاق وتعزيز الانضباط المالي، تتعهد الحكومة بالالتزام بسقف استثمارات عامة قدره 1.16 تريليون جنيه بخطة عام 2025/ 2026، مُقابل استثمارات مُتوقّعة عام 2024/ 2025 في حدود تريليون جنيه، وذلك ترشيدًا للإنفاق العام، وتخفيضًا لأعباء الـمديونية الناجمة عن خدمة الدين العام الداخلي والخارجي، وإفساحًا لمجالات أوسع لمُشاركات القطاع الخاص المحلي في الجهود التنموية.

وفي سياق موازٍ، أقرّ مجلس الوزراء وضع حد أقصى سنوي لدين الحكومة العامة عند مستوى 18.4 تريليون جنيه، وهو ما يعادل 90% من الناتج المحلي الإجمالي المستهدف في موازنة 2025/ 2026، في محاولة للحد من التوسع في الاقتراض وتحجيم الدين العام كنسبة من الناتج المحلي.

وتتضمن استراتيجية وزارة المالية لتنويع مصادر التمويل طرح أدوات جديدة، من بينها إصدارات بعائد ثابت ومتغير، وسندات تجزئة، وصكوك إسلامية، وسندات مرتبطة بالاستدامة، وذلك بهدف توسيع قاعدة المستثمرين وتقليل كلفة الاقتراض على المدى المتوسط.

أما على مستوى الأسواق الدولية، فتُركّز الحكومة على التوسع في التمويل منخفض التكلفة عبر المؤسسات التنموية، مع تنويع أدوات الدين من حيث العملات والأسواق، وتشمل هذه التوجهات مزيجًا من الإصدارات التقليدية والصكوك الإسلامية، إلى جانب الإصدارات الخضراء والاجتماعية، بالإضافة إلى أدوات مضمونة من جهات دولية، مثل سندات "الساموراي" اليابانية و"الباندا" الصينية، لتعزيز فرص التمويل وتنويع المخاطر.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة