متى تُجرى الانتخابات المحلية؟

هذه هي الحلقة السابعة في سلسلة مقالاتنا حول النظام الانتخابي في مصر، والتي نحاول من خلالها تفكيك الأزمة المزمنة للتمثيل السياسي في البلاد، ومقاربة سُبل إصلاحها.

وإذا كانت الحلقات السابقة قد تناولت قضايا النظام الانتخابي، النزاهة، المقاطعة، والتهميش، فإننا في هذه الحلقة ننتقل إلى واحدة من أهم المساحات الغائبة في الحياة السياسية المصرية: الانتخابات المحلية.

غياب طويل

غياب المحليات منذ حل المجالس المحلية في عام 2011، حرم المجتمع من واحدة من أهم أدوات الإدارة والمساءلة والمشاركة. فالمحليات ليست مجرد مجالس لتلقي الشكاوى، بل هي المفترض أن تكون الذراع التنفيذية للناس على الأرض، وهي المعنية بمتابعة الأداء اليومي للسلطات المحلية، والرقابة على الأجهزة التنفيذية، وتحديد أولويات الإنفاق المحلي.

هذا الغياب الطويل أدى إلى نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية متراكمة، كضعف في التنمية المحلية، وتركّز القرار في يد الأجهزة التنفيذية فقط، وغياب المشاركة الشعبية، وتراكم الغضب واللامبالاة. كما أضعف هذا الغياب دور الأحزاب، التي فقدت قاعدةً مهمة لنموها الطبيعي وانتشارها الأفقي.

أهمية المحليات

كثيرون يتصورون أن الانتخابات المحلية شأن خدمي لا علاقة له بالسياسة.

لكن الحقيقة أن المحليات، في أي نظام ديمقراطي سليم، تمثل القاعدة الأولى لبناء الوعي والممارسة السياسية. فهي المدرسة الحقيقية لإنتاج القيادات، وبوابة الاحتكاك اليومي بين المواطن والدولة.

وفي الدستور المصري، تنص المادة 180 على أن لا تقل نسبة تمثيل الشباب عن 25%، والنساء عن 25%، في كل مجلس محلي. وهذا يعني أن الانتخابات المحلية هي الفرصة الدستورية الأكبر لتمكين الشباب والنساء، وهي التي يمكن أن تُنهي عمليًا حالة الإقصاء السياسي لهذه الفئات.

لكن الأمر لا يتوقف هنا، فالكثير من أعضاء المجالس المحلية هم من يعملون – بشكل مباشر أو غير مباشر – مع أعضاء البرلمان، ويشاركونهم في إدارة الملفات المحلية.

وفي بعض الحالات، يكون عضو المجلس المحلي – خاصة على مستوى المحافظة – أكثر تأثيرًا في دائرته من نائب البرلمان نفسه.

كما أن وجود مجالس محلية منتخبة وقوية من شأنه أن يخفف عن كاهل النواب البرلمانيين الأعباء الخدمية، ويدفعهم للتركيز على دورهم التشريعي والرقابي والسياسي.

سبب التهميش

رغم النصوص الدستورية، ورغم الحاجة الملحة، فلا تزال الانتخابات المحلية مؤجلة منذ 14 سنة. هذا التهميش ليس مصادفة، بل يعود إلى أسباب متشابكة، من بينها:

  • الخوف من توسيع المشاركة السياسية الحقيقية في القواعد الشعبية، خاصة مع النسب الدستورية الكبيرة للشباب والنساء، والتي تعني دخول وجوه جديدة قد تكون مستقلة أو معارضة.

    توصيات الحوار الوطني أكدت منذ أكثر من عام ضرورة الاسراع باجراء انتخابات المحليات - الصورة من الحساب الرسمي للحوار على فيس بوك
    توصيات الحوار الوطني أكدت منذ أكثر من عام ضرورة الاسراع باجراء انتخابات المحليات - الصورة من الحساب الرسمي للحوار على فيس بوك
  • عدم رغبة السلطة التنفيذية في الرقابة الشعبية على الأجهزة المحلية، التي تُدار فعليًا من المحافظين ومسؤولي الأحياء دون محاسبة.
  • ضعف الثقافة الديمقراطية، حتى داخل كثير من الأحزاب، التي لم تهيئ نفسها بعد لانتخابات محلية واسعة، تفرز قيادات حقيقية من القواعد.

وفي ظل ضعف الحياة الحزبية، وغياب التدريب السياسي، وعدم وجود تداول فعلي على المسؤولية، يصبح من الصعب أن تبرز كفاءات محلية شابة ونسائية، حتى مع النصوص الدستورية الإيجابية.

اجراء الانتخابات

إذا أردنا أن نبني حياة ديمقراطية حقيقية، فإن نقطة البداية ليست القمة، بل القاعدة. الانتخابات المحلية ليست استحقاقًا إداريًا، بل هي ساحة تدريب وممارسة وتكوين، وهي ما يُعيد ربط الناس بالسياسة، ويجعل المواطن يشعر أن له دورًا وصوتًا في إدارة شؤونه المباشرة.

إجراء انتخابات محلية نزيهة وواسعة، وفق قانون عادل، سيُعيد إلى المجال السياسي طاقةً كادت أن تُهدر. وسيساعد على تمكين فئات تم تهميشها طويلًا، كالشباب والنساء، عبر آلية تمثيل حقيقية لا تُختزل في شعارات.

قضية أساسية

المحليات وعملية الانتخابات المحلية ليست قضية مؤجلة أو هامشية أو رفاهية يمكن الاستغناء عنها، بل هي قلب الإصلاح الديمقراطي والسياسي الحقيقي.

فلك أن تتخيل أنك تضخ ما يزيد عن 50 ألف نائب محليات كل دورة محليات كيف يمكن أن تفرز عدد معتبر من الكوادر السياسية الحقيقية والقادرة على التأثير الإيجابي.

وما لم تبدأ قاعدة الهرم في الاتساع والتمدد فلا يمكن بأي حالٍ أن ترتفع قمة الهرم السياسي والديمقراطي.

في الحلقة القادمة – الثامنة والأخيرة من هذه السلسلة – سنتناول موضوعًا لا يقل أهمية: الثقافة الانتخابية. كيف نغرسها؟ ولماذا غابت؟ وما الذي نحتاجه لبناء مجتمع يعي معنى الانتخاب والتمثيل والديمقراطية بمفهومها الأوسع والأشمل؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة