في خطوة أثارت استياءً واسعًا في الأوساط القانونية والحزبية، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس المحامي أيمن عصام، المتحدث والمستشار القانوني لـ”رابطة الدفاع عن المستأجرين”، لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيق.
وُجهت لعصام تهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وذلك بعد إلقاء القبض عليه في الإسكندرية مساء الخميس الماضي، قبيل حضوره اجتماعًا للرابطة كانت تستهدف مناقشة تعديلات قانون الإيجار القديم.
القبض على عصام لم يكن مجرد إجراء أمني، بل فجّر قضية أكبر تتعلق بحرية المحامي في الدفاع عن القضايا المجتمعية، وحق المواطنين في التعبير عن رأيهم، خاصةً وأن القبض عليه جاء، بحسب مصادر، بعد تواصله مع جهات مسؤولة لطلب التصريح بعقد مؤتمر للرابطة. فكيف تحول محامٍ يدافع عن حقوق موكليه إلى متهم في قضية أمن دولة؟

ليست حادثة فردية
لم يمر القبض على المحامي أيمن عصام مرور الكرام على نقابته المهنية، التي سارعت إلى إدانة الواقعة وتحديد موقفها بوضوح على لسان عضو مجلسها العام، الأستاذ عمرو الخشاب.
يدين الخشاب “القبض على أيمن عصام بسبب رأيه في قانون الإيجار القديم”، مؤكدًا أن النقابة تتابع القضية عن كثب، وأنه سيحضر جلسة تجديد الحبس القادمة بنفسه برفقة زملائه. بينما يشير إلى أن المحامي محمد ياسين قد حضر التحقيق الأولي مع عصام بمحض الصدفة.
وفي حديثه لـ فَكّر تاني، أوضح الخشاب أن قضية عصام ليست حادثة فردية، بل هي جزء من نمط مقلق. وكشف عن وجود أعداد كبيرة من المحامين الذين تم القبض عليهم خلال الفترة الماضية، قائلًا إن لديه “كشف من بين كشوف كثيرة، يضم أكثر من 50 محاميًا”.

ويضيف أنه بناءً على ذلك، تقدم بطلب للنائب العام في بداية الشهر الحالي (يونيو) لإطلاق سراح المحامين أو صدور عفو رئاسي عنهم.
وللتدليل على أن استهداف المحامين بسبب التعبير عن الرأي أصبح ظاهرة متكررة، يشير الخشاب إلى حالات أخرى، قائلًا: “أيمن عصام ليس أول من يتم القبض عليه بسبب التعبير عن رأيه، فقد أُلقي القبض على نبيل الشيخة المحامي، عندما كتب منشورًا على فيسبوك انتقد فيه مسلسل الاختيار، ومنذ ثلاث سنوات لا توجد بادرة أمل للإفراج عنه. هذا بخلاف نظير الحلو المحامي الذي تم القبض عليه أثناء حضور جلسة مع متهم سياسي، وأيضًا المحامين المحبوسين بسبب المشاركة في تظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية”.
وفي حديثه، يوجه الخشاب مناشدةً مباشرةً إلى الدولة، طالبًا “الإفراج الفوري عن جميع المحامين، خصوصًا من تم القبض عليهم بسبب أداء عملهم أو التعبير عن رأيهم”. كما يطالب الرئيس والحكومة بـ”فتح حوار بشأن المحامين المحبوسين، غير المتهمين في قضايا عنف أو تخريب، والبدء من جديد والتوسع في إعطاء الحريات للمجتمع المدني”.
ويقترح أن تكون نقابة المحامين هي الوسيط في هذا الحوار، لضمان خروج المحامين لأداء دورهم المهني بعيدًا عن أي مشاكل قد تحدث.
ولم يقتصر نقد الخشاب على واقعة القبض، بل امتد ليشمل جوهر القضية، حيث اعتبر “قانون الإيجارات قانونًا جائرًا، ويهدد الأمن القومي”.
ويشدد على أنه كان من الضروري فتح باب المناقشة المجتمعية بين جميع الأطراف للخروج بقانون يحافظ على حقوق المؤجر والمستأجر، مشيرًا إلى أن القانون بصيغته المقترحة مرفوض من جانب نقابات “المحامين والصحفيين والمهندسين”. كما يؤكد على الموقف المبدئي للنقابة، معلنًا “رفض وإدانة القبض العشوائي دون سند من القانون تجاه أي مواطن”.
روب محامي وثوب اتهام
من زاوية أخرى، يضع زهدي الشامي رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والممثل المنتخب للمستأجرين في الحوار المجتمعي، الواقعة في سياق تاريخي ووطني أوسع، معتبرًا ما حدث “تعديًا صارخًا على مهنة المحاماة”.
يصف الشامي، في حديثه لـ فكر تاني، ما حدث بأنه “أمر مؤسف للغاية أن يتحول المحامي إلى متهم، لم يخالف القانون بل كل خطواته كانت قانونية”.
ويستدعي فورًا واقعة شهيرة في تاريخ المحاماة المصرية، قائلًا: “هذا يذكرنا بما حدث مع قديس المحامين الأستاذ أحمد نبيل الهلالي، حينما وُضع في قفص الاتهام، وكتب له الشاعر أحمد فؤاد نجم ‘والهلالي لما قام.. قلعوه روب المحامي لبسوه توب الاتهام'”. ويعتبر الشامي أن هذا “ما حدث مع أيمن عصام الذي كان في النهاية يؤدي واجبه كمحامٍ”.

ويكشف الشامي عن كواليس الساعات التي سبقت القبض على عصام، مقدمًا رواية مفصلة للأحداث. ويقول: “عصام كان بالإسكندرية بصدد تنظيم لقاء لرابطة المستأجرين، الذي كان من المقرر عقده يوم الجمعة. كنا على اتصال به حتى مساء الخميس الساعة السادسة، لكن الاتصال انقطع في اليوم السابق للندوة، مما أثار مخاوف عند المنظمين”.
ويضيف: “حاولنا التواصل مع الجهات الأمنية المسؤولة ونقابة المحامين في المحلة والإسكندرية، لكننا لم نتمكن من الوصول إلى أي توضيح شافٍ”. ويستطرد موضحًا: “مساء السبت، تبين ترحيل عصام إلى نيابة أمن الدولة في القاهرة، وأُجري معه تحقيق استمر لمدة سبع ساعات، وحضر معه بالصدفة المحامي محمد ياسين، ولاحقًا أبلغني المحامي خالد علي بصدور قرار بحبسه 15 يومًا”.
يرى الشامي أن ما جرى يثير “استهجانًا في عموم مصر”، ويضع “علامات استفهام حول ضمانات العدالة وجدية الدولة في التعامل بحيادية مع هذه القضية الاجتماعية بالغة الخطورة”.
ويؤكد أن الأمر في جوهره أعمق من مجرد حقوق مستأجرين، بل هو “إهدار لحقوق المواطنين في السكن، سواء كانوا مؤجرين أو ملاكًا تم نزع ملكيتهم”. ويذهب إلى اتهام أكثر تحديدًا بقوله: “القضية تتعلق بخطة لبيع القاهرة الخديوية ووسط البلد لشركاء أجانب، وهذا هو جوهر الموضوع”.
وفي مواجهة ذلك، أعلن الشامي عن تحرك منظم للدفاع عن عصام، مؤكدًا أن “محامين حزب التحالف الشعبي وأحزاب الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية سيشكلون جبهة للدفاع عن عصام ضمن هيئة دفاع موحدة، لأنها أصبحت قضية رأي عام، وهي عنوان وترجمة لقضية المستأجرين”.
الأحزاب والحقوقيون يرفضون “تكميم الأفواه”
لم تقتصر ردود الفعل على المؤسسات المهنية والسياسية التي ينتمي إليها أيمن عصام، بل امتدت لتشكل موجة تضامن واسعة من مختلف القوى السياسية والحقوقية، التي رأت في قضيته تهديدًا مباشرًا لمبادئ دولة القانون والحريات العامة.
وكان من أوائل المعلقين المحامي والحقوقي خالد علي، الذي كتب عبر صفحته على فيسبوك منشورًا يُعبّر عن أمله في عدم صحة الأخبار، قائلًا: “مش معقول يكون الحل فى القضايا التى تهم المجتمع هو القبض على بعض الناس لتسييد وجهة نظر معينة وشيطنة وجهة النظر الأخرى، سيبوا الناس تتنفس شوية”.

وقد توالت بعد ذلك بيانات الإدانة من عدة أحزاب سياسية. وأصدر حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) بيانًا مقتضبًا طالب فيه بـ”الإفراج الفوري عن عصام، ووقف الملاحقات الأمنية للمدافعين عن حقوق السكن”.
بينما أصدر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بيانًا مفصلًا استنكر فيه “مثول المحامي أيمن عصام للتحقيق، ومواجهته باتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وذلك بعد اختفائه غير المبرر لمدة يومين”.
وأكد الحزب في بيانه أن “عصام محامٍ مارس دوره المهني في الدفاع عن مستأجرين تضرروا من تعديلات مقترحة على قانون الإيجار القديم، ولا يجب أبدًا أن يتحول الدفاع عن حقوق المواطنين إلى مدخل للملاحقة أو الاتهام”.

وأعلن الحزب رفضه القاطع لاستخدام “التهم الفضفاضة كوسيلة للترهيب أو لإسكات الأصوات”، معتبرًا أن ما حدث “يعد انتكاسة خطيرة لمبادئ دولة القانون، ويبعث برسائل مقلقة لكل من يعمل في الشأن العام”.
ومن جانبها، أصدرت حركة الاشتراكيون الثوريون بيانًا تضامنيًا ربطت فيه بين القبض على عصام والتوقيت السياسي المحيط بقانون الإيجار القديم، مشيرةً إلى أن “الأيام الماضية تشهد تصعيدًا خطيرًا في الهجوم على حركة المستأجرين الرافضة لقانون الإيجار القديم، الذي من المقرر أن يُطرح في الجلسة العامة بالبرلمان في 29 يونيو الجاري”.
وأشار البيان إلى ما أسماه “الكيل بمكيالين”، موضحًا أنه “لم يتم تعطيل أو عرقلة مؤتمرات مماثلة لأصحاب العقارات، ما يؤكد أن الدولة تنحاز لأصحاب المال العقاري، وتضيق على الدفاع السلمي عن الحق في السكن”.
وطالبت الحركة برفض مشروع القانون بالكامل وربط الإيجارات بمستويات الدخول، وفرض قوانين على أصحاب الوحدات المغلقة لتأجيرها.

مايحدث من قبض علي محام بسبب فكره ورأيه لم يحدث من قبل فالمحامي هو من يدافع عن حرية الفكر والرأي والتعبير والقبض عليه ليس مخالفا للدستور والقانون فقط بل هو هدم للعدالة والحريات.
فالمحامون هم قادة الفكر في مجتمعاتهم. وما يحدث يعني أن الحكم لايقبل بالراي والرأي الآخر وهو أساس بناء التقدم داخل المجتمعات .
وظاهرة تلفيق القضايا باسم الإرهاب وهو القانون الذي لايعرف أحد معناه .. اهانه للقوانين .
لذلك نطالب بالإفراج عن كل المحكوم عليهم في قضايا الفكر والرأي والتعبير واولهم ايمن عصام المحامي.