في حدود الساعة السابعة من مساء أمس الإثنين، أعلنت وزارة الخارجية القطرية إغلاق حركة الملاحة الجوية مؤقتًا في أجواء البلاد؛ حرصًا على سلامة المواطنين والمقيمين والزائرين. إعلان بدأت به ساعة وقف فيها العالم على ساق واحدة، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق وقف شامل لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، أنهى حربًا استمرت 12 يومًا، كادت أن تمتد لسنوات وتدمّر الشرق الأوسط، على حدّ وصف ساكن البيت الأبيض.
في هذا التقرير، تستعرض نشرة “نص الليل” التسلسل الزمني للأحداث التي دفعت المنطقة إلى حافة الهاوية، وكيف تم احتواء أخطر أزمة في تاريخها الحديث، كما هو معلن حتى وقت نشر هذه التغطية.
كيف بدأت إسرائيل شرارة الحرب ضد إيران؟
اندلعت المواجهة المباشرة في 13 يونيو 2025، عندما شنت إسرائيل هجومًا جويًا مباغتًا وواسع النطاق على أهداف استراتيجية داخل العمق الإيراني. استهدفت الضربات منشآت نووية حساسة ومواقع عسكرية حيوية، وأفادت تقارير أولية بمقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين، في ضربة استهدفت شل قدرات طهران العسكرية والنووية بشكل مباشر.
لم يتأخر الرد الإيراني، حيث أُطلقت أكثر من مئة طائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل، معلنةً بداية فصل جديد وخطير من الصراع.

اقرأ أيضًا: إسرائيل تعلن الحرب على إيران.. ماذا يحدث وما التداعيات القادمة؟
تطور المشهد سريعًا في 15 يونيو، حين أعلنت طهران عن شن هجوم صاروخي استهدف مدينة “بات يام” الساحلية جنوب تل أبيب، ما أسفر عن سقوط قتلى، وذكرت تقارير إعلامية مقتل تسعة أشخاص على الأقل، وهو ما نقل المواجهة إلى مستوى جديد من العنف باستهداف المراكز السكانية.
في اليوم التالي 16 يونيو، ردت إسرائيل بقصف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية في العاصمة طهران. وبرر الجيش الإسرائيلي الخطوة بأن المبنى كان يُستخدم كمركز للاتصالات العسكرية المتقدمة للحرس الثوري، مؤكدًا استمرار حملته الممنهجة لتدمير البنية التحتية العسكرية الإيرانية.
ومع الساعات الأولى من يوم 17 يونيو، أطلق الحرس الثوري دفعات جديدة من الصواريخ الباليستية باتجاه إسرائيل، ودوت صافرات الإنذار في تل أبيب ومدن أخرى. ورغم أن منظومة “القبة الحديدية” الإسرائيلية نجحت في اعتراض معظم الصواريخ، إلا أن كثافة الهجمات أظهرت تصميم طهران على إلحاق الضرر بالعمق الإسرائيلي.
بلغ التصعيد ذروته في 19 يونيو، عندما استهدفت غارات إسرائيلية مواقع نووية بالغة الأهمية في “أراك” و”نطنز”. وفي المقابل، سقط صاروخ إيراني على مستشفى “سوروكا” في مدينة بئر السبع، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالمنشأة الطبية والمناطق المحيطة بها، في خطوة أثارت إدانات واسعة.
“مطرقة منتصف الليل”.. تدخل أمريكي حاسم
فجر 22 يونيو، دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة بعملية عسكرية نوعية حملت الاسم الرمزي “Operation Midnight Hammer” (عملية مطرقة منتصف الليل)، نُفذت بالتنسيق الكامل مع إسرائيل.
استهدفت العملية ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية بهدف تحييد برنامج طهران النووي بشكل شبه كامل:
- مفاعل فوردو (Fordow): وهو منشأة لتخصيب اليورانيوم محصنة تحت جبل شمال طهران، وتُعتبر من أكثر المواقع الإيرانية تحصينًا.
- مفاعل نطنز (Natanz): يُعد أكبر موقع لتخصيب اليورانيوم في إيران والقلب النابض لبرنامجها النووي.
- مركز أصفهان التقني النووي (Isfahan): وهو منشأة حيوية لأبحاث وتطوير التكنولوجيا النووية.
اعتمدت العملية على تكتيكات عسكرية متطورة، حيث استُخدمت قنابل “GBU-57” الضخمة الخارقة للتحصينات، والتي تزن 30 ألف رطل، وألقتها قاذفات الشبح الاستراتيجية من طراز “B-2 Spirit”.

ومثّل هذا أول استخدام قتالي لهذه القنابل المصممة خصيصًا لاختراق وتدمير الأهداف المحصنة تحت الأرض. كما أُطلقت صواريخ “توماهوك” المجنحة من غواصة أمريكية في مياه الخليج، لضمان تدمير الأهداف بدقة عالية.
“بشائر الفتح”.. إيران ترد في الخليج
لم يمر التدخل الأمريكي دون رد. ففي 23 يونيو، وبينما كانت إسرائيل تواصل غاراتها على أهداف عسكرية في غرب إيران وطهران، كانت المؤشرات الاستخباراتية الأمريكية، التي نقلتها وسائل إعلام أمريكية من بينها صحيفة “وول ستريت جورنال“، تحذر من استعدادات إيرانية لهجوم وشيك على القواعد الأمريكية في الخليج.
عند الساعة الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة، تحولت التحذيرات إلى حقيقة. أعلنت وسائل إعلام إيرانية بدء الرد على الولايات المتحدة بعملية أُطلق عليها “بشائر الفتح”، استهدفت قاعدة “العديد” الجوية الأمريكية في قطر وقواعد أخرى في العراق. وأكدت القوات المسلحة الإيرانية أن الهجوم كان عملية مشتركة بين الحرس الثوري والجيش.
في الدوحة، أعلنت وزارة الدفاع القطرية أن دفاعاتها الجوية تصدت بنجاح لهجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد، مؤكدة عدم وقوع أي إصابات بفضل الإجراءات الاحترازية التي شملت إخلاء القاعدة مسبقًا. وأدانت دولة قطر الهجوم بشدة، معتبرةً إياه “انتهاكًا فاضحًا لسيادتها” ومخالفة صريحة للقانون الدولي، ومحتفظة بحق الرد.

تضامن إقليمي وإغلاق الأجواء
أثار الهجوم الإيراني على الأراضي القطرية موجة إدانات واسعة. وأعربت المملكة العربية السعودية عن تضامنها الكامل مع قطر، معتبرةً العدوان “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”، وأعلنت استعدادها لتقديم الدعم اللازم. كما أدانت جمهورية مصر العربية الهجوم، مؤكدةً وقوفها إلى جانب قطر، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار واحتواء التصعيد.
وفي غضون ذلك، سادت حالة من التوتر الشديد في المنطقة، حيث أعلنت كل من الإمارات والبحرين والكويت والعراق إغلاق مجالاتها الجوية مؤقتًا أمام حركة الطيران، في خطوة عكست حجم المخاوف من اتساع رقعة الحرب.
ساعة الترقب.. البيت الأبيض في حالة تأهب
في واشنطن، كانت الأجواء مشحونة بالترقب. حيث أفادت شبكة “ABC NEWS” بأن الرئيس دونالد ترامب وكبار القادة العسكريين اجتمعوا في غرفة العمليات بالبيت الأبيض لمتابعة التطورات لحظة بلحظة. وأكد مسؤولون أمريكيون أن الهجوم الإيراني لم يكن مفاجئًا، وأن الجيش كان على أهبة الاستعداد.
وصرح مسؤول دفاعي أمريكي بأن قاعدة العديد تعرضت لهجوم بصواريخ باليستية انطلقت من إيران، مؤكدًا عدم تسجيل إصابات. بينما في المقابل، توعد الحرس الثوري الإيراني بأن أي اعتداء على سيادة إيران لن يمر دون رد، معلنًا أن ضربة قاعدة العديد كانت ردًا مباشرًا على “العدوان الأمريكي”.
نحو التهدئة.. تصريحات تمهد لوقف النار
في خضم التصعيد، بدأت تلوح في الأفق بوادر حل دبلوماسي. وبينما أكد الرئيس ترامب أن المواقع النووية الإيرانية “دُمرت تمامًا”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن أهداف العملية العسكرية على وشك التحقق، أصر المرشد الإيراني علي خامنئي على أن بلاده “لن تخضع لاعتداء”، جاءت نقطة التحول مع تصريح مسؤول إيراني كبير لوكالة “رويترز”، ربط فيه الدخول في مفاوضات بوقف الهجمات الإسرائيلية والأمريكية.
وفي الساعة التاسعة و43 دقيقة مساءً، نقلت شبكة “إيه بي سي” عن مسؤول أمريكي أن الهجوم الإيراني على قاعدة العديد قد انتهى دون ضحايا، مما فتح الباب أمام جهود التهدئة. وقدم اللواء الركن شايق مسفر الهاجري، نائب رئيس الأركان للعمليات المشتركة القطرية، إيجازًا تفصيليًا أكد فيه أن صاروخًا واحدًا فقط سقط داخل القاعدة دون أضرار، وأن الدفاعات القطرية أسقطت الصواريخ الأخرى، مشيدًا بجهوزية القوات المسلحة.

ترامب: بارك الله إسرائيل وإيران والشرق الأوسط
عند الساعة الحادية عشرة مساءً بتوقيت القاهرة، جاء الإعلان الحاسم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كشف عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل. وشكر ترامب أمير دولة قطر على جهوده في سبيل السلام، وأكد عدم مقتل أي أمريكي أو قطري، واصفًا الرد الإيراني بأنه كان “ضعيفًا للغاية”.
وفي بيان تاريخي، قال ترامب: “تهانينا للجميع! تم الاتفاق بالكامل بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق نار كامل وشامل (في غضون 6 ساعات تقريبًا من الآن)، وعندها ستُعتبر الحرب منتهية! رسميًا، ستبدأ إيران وقف إطلاق النار، وفي الساعة الثانية عشرة، ستبدأ إسرائيل وقف إطلاق النار، وفي الساعة الرابعة والعشرين، سيحيي العالم نهاية رسمية لـ “حرب الـ12 يومًا”. … هذه حرب كان من الممكن أن تستمر لسنوات، وتدمر الشرق الأوسط بأكمله، لكنها لم تفعل، ولن تفعل أبدًا! بارك الله إسرائيل، بارك الله إيران، بارك الله الشرق الأوسط، بارك الله الولايات المتحدة الأمريكية، وبارك الله العالم!”.
ووسط استمرار الضربات الإسرائيلية على العاصمة الإيرانية طهران، أفادت وكالة “فارس” بأن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية تعمل بكثافة، في ظل دوي انفجارات متتالية في وسط وشمال شرق المدينة. ومن جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض أربع طائرات مسيّرة أُطلقت من إيران باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
وفي تطور لافت على المسار الدبلوماسي، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول بارز في البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أجرى اتصالًا هاتفيًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الإثنين، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين. وأكد المسؤول أن إسرائيل أبدت موافقتها على وقف العمليات العسكرية، شريطة التزام إيران بوقف أي هجمات مستقبلية.
كما نقلت الجزيرة عن مسؤول إيراني كبير أن طهران وافقت مبدئيًا على مقترح الهدنة، الذي جاء بوساطة قطرية ودعم أميركي مباشر. وأضاف مصدر مطلع أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لعب دورًا حاسمًا في إقناع القيادة الإيرانية بقبول المبادرة الأميركية.
وفي إسرائيل، ذكرت القناة 12 أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعقد اجتماعًا طارئًا مع عدد محدود من وزراء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت)، لمناقشة آخر تطورات التصعيد والجهود الجارية لوقف إطلاق النار.
وهكذا، يبدو أن صفحة واحدة من أكثر الأزمات خطورة في تاريخ المنطقة في طريقها للطي بعد 12 يومًا حبس فيها العالم أنفاسه، وكاد الشرق الأوسط أن ينزلق إلى مزيد من الدمار. بينما لا تزال غزة تنتظر حلولًا مماثلة تُنقذ من تبقى بعد الإبادة والمجاعة والغدوان.
