"التضحية بالغلابة".. الظروف الإقتصادية تعصف بالفقراء في عيد الأضحى

تأتي تكبيرات عيد الأضحى لتحمل معها طقوس كثيرة للكبار والصغار ولكن في ظل هذا الغلاء الذي يعيشه المصريون لم يعد هناك فرصة أمام الفقراء لتحقيق هذه الآمال وممارسة الطقوس التي اعتادوا عليها منذ سنوات.

اعتادت آمال منذ أن كانت طفلة صغيرة أن تأكل في يوم العيد الفتة باللحمة مع عائلتها، ولكن الآن وبعد أن أصبحت أم لأربعة أطفال لم يعد هناك فرصة لشراء اللحوم حتى في الأعياد، وتكتفي بشراء فرخة قبل العيد لذبحها لأسرتها.

تقول آمال (44 سنة) لـ فكر تاني: "نحن أسرة من 6 أفراد وحتى لو استطعنا شراء كيلو لحمة فهو لا يكفينا ولذلك لا أفكر في اللحمة التي أصبح سعرها يزيد عن 450 جنيه، ونكتفي بشراء فرخة أو نقضي العيد بأي أكل وخلاص".

تستنكر آمال والتي تعيش في محافظة البحيرة الزيادة الكبيرة في أسعار اللحوم والمنتجات الغذائية وتقول: "في العيد من كام سنة كان الخير يعم وكان كيلو اللحمة بأقل من 100 جنيه وكانت الأضاحي في كل مكان وتأتينا اللحمة من القريب والغريب ولكن الآن حتى من كان يذبح الاضحية في السنوات السابقة لم يعد قادرًا على ذبحها".

عيد بلا لحمة

لا يحتمل معاش عم سيد والذي يبلغ 4 آلاف جنيه فقط كل شهر أن يقوم بشراء اللحوم له ولأسرته قبل العيد وخاصة أن لديه التزامات أخرى أهم مثل أن يقوم بشراء أدويته ويسد فواتير الماء والكهرباء.

ويقول عم سيد (65 سنة) لـ فكر تاني : "المعاش كله آلاف جنيه، لو اشتريت كيلو لحمة لي ولزوجتي على أن أشتري كيلو لابنتي المتزوجة ولا أقدر على ذلك، فاثنين كيلو لحمة معناه أن ربع المرتب طار".

ويستكمل عم سيد الذي يعيش في محافظة كفر الشيخ حديثه قائلًا: "مالها الفرخة. جميلة صحيح اللحمة طعمها مختلف وشوربة اللحم لا تعوض ولكن ما باليد حيلة هذا ما أصبحنا نقدر عليه. الآن كيلو اللحم المحترم لا يقل على 400 جنيه ويزيد. والكيلو لا يكفي إلا فردين أو ثلاثة فلو اسرة كبيرة تحتاج على 2 كيلو. وكان شقيقي يذبح ويرسل لي اللحمة ولكن لم يعد قادرًا على شراء الأضحية أو المشاركة".

ورغم كل مساعي الحكومة لأن تفتح منافذ لبيع اللحوم بأسعار أقل، وانطلاق عدد من المبادرات في بعض المحافظات تظل اللحمة البلدي غالية ولم يعد يقدر على شرائها المواطن الفقير.

الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر أوضح في حديثه لـ فكر تاني أن ارتفاع أسعار اللحوم أصبحت التحدي الرئيسي في عيد الأضحى وذلك بسبب ارتفاع معدل التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث يجد الفقراء صعوبة في شراء اللحوم وأصبح شراء الأضحية بعيد المنال عن الكثير من الأسر، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة أسعار الأعلاف والوقود والتي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما ينعكس على أسعار اللحوم في السوق، العرض والطلب في فترات الأعياد، يزداد الطلب على اللحوم، مما يزيد من الأسعار بشكل ملحوظ.

خضر أشار إلى وجود بدائل اقتصادية فبعض الأسر قد تلجأ إلى شراء كميات أقل من اللحوم أو شراء لحوم مجمدة بأسعار أقل وأيضا تسعى الدولة المصرية إلى طرح العديد من المبادرات لتوفير اللحوم وبأسعار مخفضة لدعم المواطن ومواجهة ارتفاع مستوى الأسعار.

وأعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية تكثيف ضخ اللحوم السودانية الطازجة واللحوم البلدية والخراف الحية والدواجن واللحوم المجمدة في مختلف الشوادر ومنافذ المجمعات الاستهلاكية، إلى جانب افتتاح معارض أهلا عيد الأضحى.

  الأضحية ولحمة "الغلبان"

منذ عامين لم تعد عنايات (55 سنة) قادرة على شراء الأضحية وتوزيع اللحوم على الناس الغلابة كما كانت تفعل من قبل، وهذا يؤثر على نفسيتها كثيرًا.

تقول عنايات والتي تعيش في محافظة كفر الشيخ: "في الأول كنت أقوم بشراء أحسن عجل بـ 30 ألف وأربعين ألف، ولكن الآن أصبحت الأسعار أضعاف وأغلى بكثير، ولذلك لا أستطيع شراء عجل كامل وأشترك بربع فقط مع أقارب لي، ولم أعد قادرة على توزيع ما كنت أوزعه من قبل على الجيران والأحبة".

محمود (50 سنة) من محافظة الجيزة يقول إن أولاده لا يتخلون عن تناول اللحمة في عيد الأضحى، ولذلك أصبح يذهب إلى الجزار وهو يقدم ساق ويؤخر الأخرى على حد قوله ويطلب منه لحم مخلوط بالدهون على أن يكون بسعر أقل من كيلو اللحمة الحمراء المقطوعة من الفخذ، وهذا يوفر له القليل فيشتري الكيلو بـ 350 جنيه بدلًا من 420 مثلا، وفي النهاية المهم أن نشرب شوربة لحمة".

مصطفى وهبة رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة قال إن أسعار اللحوم في عيد الأضحى هذا العام مماثلة لما كانت عليه في عيد الأضحى العام الماضي، ولكن ما حدث ان الأسعار انخفضت قليلا خلال العام، مما جعل المواطن يأمل أن تعود للانخفاض.

"400 إلى 450 جنيه، منافذ التوزيع أقل اللحمة السوداني 320 جنيه، والمجمعات الاستهلاكية السوداني 285، والمجمدات في السوبر ماركت ب 250 و 270، واللحوم العجول المستوردة 380، ولكن البلدي، الجزار لا يوجد عنده أقل من 400 جنيه، الملبسة 380، كما أن اللحم طريقة بيع، في الأرياف يضع الجزار الدهن على اللحم ويبيعها ب 380، وهذه طرق بيع".

رئيس شعبة القصابين أشار إلى أن سبب ارتفاع الأسعار سببه أنه لا يوجد انتاج حيواني، وطالما نحن نستورد لن يقل سعر اللحوم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، فيجب على المواطن أن يشتري وفقًا لإمكانياته، فممكن يشتري المجمد أو السوداني، كما أشار إلى أن الشهور الماضية شهدت تراجع في شراء اللحوم بنسبة لا تقل عن 50%، وذلك بسبب ارتفاع أسعارها وإقبال الناس على شراء الدواجن، ولكن العيد أعاد اللحوم للمشهد مرة ثانية.

في الوقت الذي قال فيه المهندس أسامة الشاهد رئيس الغرفة التجارية بالجيزة: "اذا ارتفعت المصروفات ترتفع المبيعات وارتفاع أسعار اللحوم نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار اللحوم، في رمضان كانت الأسعار في أهلا رمضان 290 جنيه للكيلو، واللحوم يختلف سعرها من مكان لآخر فهناك أماكن تبيع الكيلو بـ 600".

"ارتفاع السولار يتسبب كذلك في ارتفاع أسعار اللحوم وكل السلع الغذائية، فلو انخفض سعر العلف نقله من مكان لآخر بسعر اعلى سيتسبب في ارتفاع سعره ومن ثم ارتفاع سعر اللحوم وكل السلع".

لبس العيد "نار"

تذهب مع ابنتها لشراء ملابس العيد فتشير الابنة الصغيرة ذات السبع سنوات إلى فستان وتتلهف لشرائه ولكن تتراجع الأم عندما تعرف أن سعره يزيد عن الألف جنيه، وتحول أن تبحث عن بديل وسط غضب الصغيرة.

تقول منال من محافظة الجيزة: "أكبر فرحة للأطفال في العيد هي اللبس، كنا ونحن صغار نحتضن ملابسنا في المساء حتى نرتديها ليلًا، وهذا العيد لم أستطع أن أشتري لابنتي ملابس جديدة واكتفيت بشراء حذاء لها، وقررنا أن نلبس ملابس عيد الفطر".

تقول منال: "عندي ولدين وبنت وليس لدي قدرة مادية على مواكبة الأسعار التي تضاعفت في الأعوام الأخيرة وتزيد في العيد. ما معنى أن يكون الفستان بألف جنيه، وكيف سأشتري ملابس جديدة للثلاثة!".

وقررت نهى التي تعيش في محافظة كفر الشيخ أن تطلب من شقيقتها ملابس ابنتها التي صغر قياسها لترتديها ابنتها، وهذا كان الحل الأفضل بالنسبة لها، بعدما رفضت ابنتها أن تشتري لها ملابس مستعملة.

الخبير الاقتصادي دكتور خالد الشافعي أوضح لـ فكر تاني  أن موجة الغلاء تؤثر على كل أسعار السلع وتؤثر على محدودي الدخل، ويجب على الحكومة أن تقوم بمراقبة الأسعار حتى لا يتم استغلال المواطن المصري في الأسواق حتى لا يحدث انفلات في أسعار السلع.

في الوقت الذي أشار فيه الدكتور سيد خضر إلى أن ملابس العيد أصبحت أيضاً باهظة الثمن، مما يضطر الأسر الفقيرة إلى تقليل ميزانيتها المخصصة، لذلك خيارات بديلة يمكن أن يتجه البعض لشراء الملابس المستعملة أو تبادل الملابس بين الأصدقاء والعائلة.

هامش الربح

أحمد عبدالعال صاحب متجر لبيع ملابس الأطفال أشار إلى أن الارتفاع في أسعار الملابس لا يرتبط بالعيد فقط ولكنه طوال العام، ولكن لأن الناس تشتري وقت العيد فتلاحظ هذه الزيادة بصورة أكبر.

ويقول أحمد: "الزيادة سببها أن البضاعة نأخذها من المصانع بسعر غالي وبسبب ارتفاع أسعار النقل يجب أن يكون هناك ربح ولكن قيمة الربح يحددها البائع هناك من يرضى أن يكسب في القطعة 50 جنيه و70، وهناك من يطمح لكسب الضعف فمثلا عرف تجار تصلهم القطعة الواحدة بـ 300 ويعرضوها للبيع بـ 700 و 800 وأكثر".

وعن إقبال الناس على الشراء يقول لـ فكر تاني : "هناك إقبال طبعا ولكن في عيد الفطر كان أقوى لأنه كان هناك أوكازيون على الملابس الخريفية والشتوي. الناس الآن تشتري المستعمل أكثر. وبشكل عام سوق الملابس لم يعد كما كان في السابق فيمكن أن يمر نهار كامل ولا نبيع إلا قطعة أو اثنتين عكس ما كان يحدث منذ سنوات".

سماح هيكل عضو مجلس إدارة شعبة الملابس الجاهزة بغرفة القاهرة التجارية أشارت إلى أن الخامات متنوعة ومتعددة ولذلك فهي مناسبة لكل الفئات، وملابس الأطفال يتم فيها استخدام خامات متعددة مثل ملابس الرجال والنساء وبالتالي فالأسعار متنوعة ومناسبة للجميع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة