سميحة أيوب.. ساحرة المسرح العربي

في عام 1999، اعتبرت نفسي سعيد الحظ لأنني شاهدت (سميحة أيوب) وهي على خشبة مسرحها المفضل (المسرح القومي المصري)، الذي كان يعرض وقتها رائعة الراحلَين الكاتب يسري الجندي، والمخرج محسن حلمي - رحمهم الله جميعًا -، مسرحية (الساحرة).. وكانت سيدة المسرح العربي هي نفسها الساحرة التي لا تشعر معها أنها تمثل الشخصية، بل هي الشخصية نفسها.

جلست في مقاعد خلفية أتابع باهتمام ساحرة المسرح التي تبهرك بطلتها الاستثنائية، وما لها من هيبة وبهاء استثنائيَّين لا تجدهما في ممثلات أُخريات. تتفرد (الأستاذة) بصوتها العريض الذي يسري في أركان المسرح مخترقًا آذان السامعين، وسرعان ما تخطف أنظار جمهورها الذي يراها كل مرة وكأنها المرة الأولى بعد أن تحوّلت إلى هيئة أخرى. إنها حقًا (الساحرة)، التي تملأ جنبات خشبة المسرح بحضورها الطاغي / اللافت / المؤثر....

تمر الأيام ونراها كثيرًا هنا وهناك، هي المسرح، والمسرح هي!

كانت سميحة أيوب الأكثر انتماءً لمسرحنا المصري وقضاياه وهمومه ومشكلاته، هي السند في الأزمة، والبهجة في أفراحه. رغم إغراءات الوسائط الأخرى من سينما وتلفاز، لا تفارق مسارحنا، لم تذهب بعيدًا حتى تعود!

تقول سميحة أيوب، إن وقوفها على خشبة المسرح هو كل المتعة، وتؤكد أنها - رغم إتقانها وصدق موهبتها الاستثنائية - لا تجد نفسها أمام كاميرا التلفاز والسينما، أو حتى خلف ميكروفون الإذاعة. تعمل بإخلاص بما يتسق وحبها للمهنة، لكنها تتفرد أكثر وهي "طائرة" على خشبات مسارحنا. قالت: "المسرح هو الحياة نفسها.. سعادة جمهوري عقب كل عمل أقدمه لحظات أنتظرها بشغف وكأنها المرة الأولى كل مرة".

عاشت سميحة أيوب للمسرح، وكانت السند للمسرحيين. تعرف الجميع وتعرفها المسارح قبل الناس.

سميحة الصغيرة، طالبة قسم التمثيل بمعهد الفنون المسرحية، الذي قادتها الصدفة للالتحاق به، فاحترفت التمثيل مبكرًا، ومرت بكل عناصر اللعبة بمهارة لافتة. لم تقف عند محطة سميحة أيوب الممثلة، بل أخرجت عروضًا مسرحية لفرق مسرح التلفزيون والدولة، وكانت من أبرز من تولَّى مهام فرقة المسرح الحديث، وأكدت قدرتها في الإدارة بمهنية شهد لها الجميع خلال فترة إدارتها للمسرح القومي. وترأست مجلس إدارة جمعية نادي المسرح المصري، التي لعبت دورًا بارزًا في دعم حركتي مسرح المحترفين والهواة بالقاهرة والمحافظات...

كانت (الساحرة) هي الأكثر حرصًا على مشاهدة كل عروض المسرح المصري هنا وهناك، حتى قبل أيام من الرحيل. تشاهد وتناقش وتبدي الرأي بجرأة وحب.

كانت الأكثر حضورًا في التظاهرات المسرحية العربية، نالت التكريم والتقدير بكل حب، وسفيرة مُلهِمة للمسرح المصري. يستقبلها الحكّام قبل الجمهور، تُقدِّر المهنة ولا تتنازل أبدًا، تُدرك قيمتها وقيمة المسرح الذي كان يعرفها كما عرفناها من حديثها في جلساتها الشيقة.. كانت لنا (الساحرة) هي مدرسة المسرح وسيدته، التي أبدًا لن تفارقنا بصوتها وأمومتها واحتوائها للجميع طالما شاركوها الحب.. حب المسرح!

وداعًا سيدتي.. وداعًا (ساحرة) المسرح.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة