تتزايد التساؤلات خلال الفترة الأخيرة حول مدى اعتماد الدولة على المواطنين كممولين رئيسيين للموازنة العامة، وقد كشفت بيانات وزارة المالية أن الإيرادات الضريبية شكلت 86.5% من إجمالي الإيرادات العامة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي الجاري، مقارنة بـ74.6% في الفترة ذاتها من العام المالي الماضي، مسجلةً أعلى مستوى نمو تاريخي.
فهل نحن أمام تجسيد حي للجملة العبقرية التي ساقها المؤلف صلاح فؤاد على لسان النجم نجاح الموجي في فيلم "131 أشغال" (إنتاج 1993): "والله نفسى اهاجر برا مصر بس الواحد فى رقبته حكومه بيصرف عليها"؟
سجلت الإيرادات الضريبية 1.7 تريليون جنيه في العشرة أشهر الأولى من العام المالي بنمو قدره 468.8 مليار جنيه عن الفترة المقارنة ذاتها من العام المالي السابق بنسبة زيادة 37.8%، بينما وصلت جملة الإيرادات العامة لـ 1,976 تريليون جنيه مقابل 1.6 تريليون جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، بنسبة نمو 18.7%.
وفي المقابل، تراجعت حصة الإيرادات غير الضريبية لتبلغ بنهاية مايو 2025 نحو 13.5%، مقابل 24.5% بنهاية مايو 2024، ووتتضمن الإيرادات غير الضريبية كلاً من: الشركات المملوكة للدولة وهيئاتها، وإيرادات وعقود استخراج الموارد الطبيعية مثل الذهب والمعادن، والغرامات والرسوم الخاصة بالخدمات كرسوم المباني، ورسوم استخدام الخدمات وغيرها.
كيف تطورت الضرائب في 10 أشهر؟
سجّلت حصيلة ضريبة الدخل (ضريبة مباشرة تفرض على الأشخاص سواء أكانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين كالشركات) ارتفاعًا قدره 88.5 مليار جنيه خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي، بنسبة نمو بلغت 18.1% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مدفوعةً بزيادات واسعة في معظم بنود الضريبة المباشرة المفروضة على الأفراد والكيانات القانونية كالشركات.
وجاءت أبرز مساهمات النمو من الضريبة على المرتبات المحلية التي قفزت حصيلتها بمقدار 37.3 مليار جنيه، بنسبة زيادة 32.8%، لتصل إلى 151.2 مليار جنيه. كما ارتفعت الحصيلة من الضريبة على المهن غير التجارية - والتي تشمل العاملين لحسابهم الخاص كالأطباء والمحامين - بمعدل 41% لتبلغ 13 مليار جنيه، بزيادة 3.7 مليار جنيه.
وشهدت الضريبة على النشاط التجاري والصناعي نموًا بنسبة 28.6%، لترتفع حصيلتها بنحو 20.4 مليار جنيه وتصل إلى 91.7 مليار جنيه. كذلك ارتفعت حصيلة الضريبة على الشركات بمقدار 24.1 مليار جنيه، بنسبة زيادة بلغت 8.4%، مما ساهم في تعزيز إجمالي الإيرادات الضريبية.
ارتفاع كبير بحصيلة ضريبة القيمة المضافة
شهدت حصيلة الضرائب غير المباشرة، وعلى رأسها ضريبة القيمة المضافة (ضريبة غير مباشرة تفرضها الدولة على المستهلك النهائي لمعظم السلع والخدمات)، نموًا كبيرًا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي، حيث ارتفعت المتحصلات من هذه الضريبة بنحو 206.6 مليار جنيه، مسجّلةً نسبة زيادة بلغت 38.8%، لتصل إلى 739.4 مليار جنيه.
توزعت هذه الحصيلة بين ضريبة القيمة المضافة على السلع، والتي ارتفعت بمقدار 145.2 مليار جنيه بنسبة 53.3% لتصل إلى 418 مليار جنيه، وضريبة القيمة المضافة على الخدمات التي سجلت زيادة قدرها 25.4 مليار جنيه بنسبة 35.8% لتبلغ 96.2 مليار جنيه.
ويُعزى ارتفاع ضريبة القيمة المضافة على السلع إلى النمو الملحوظ في الضرائب المفروضة على السلع المستوردة، التي زادت حصيلتها بنحو 128.9 مليار جنيه لتسجل 288.7 مليار جنيه، بالإضافة إلى زيادة قدرها 16.3 مليار جنيه في الضرائب على السلع المحلية لتبلغ 129.2 مليار جنيه.
أما على صعيد الخدمات، فقد توزعت الزيادة على عدة بنود، أبرزها:
- الضرائب على خدمات الفنادق والمطاعم التي ارتفعت بقيمة 1.7 مليار جنيه بنسبة 14.9% لتسجل 13.3 مليار جنيه.
- خدمات الاتصالات المحلية والدولية التي نمت حصيلتها بنحو 7.1 مليار جنيه بنسبة 47.1% إلى 22.3 مليار جنيه.
- خدمات التشغيل للغير التي زادت بمقدار 6 مليارات جنيه لتصل إلى 41.7 مليار جنيه.
- الضرائب على باقي الخدمات والتي ارتفعت بـ10.6 مليار جنيه لتصل إلى 18.9 مليار جنيه.
اقرأ أيضًا: 53.8% من مصروفات الموازنة فوائد ديون وللأغنياء نصيب من الدعم
وفي السياق نفسه، ارتفعت حصيلة ضرائب "جدول رقم 1" - وهي ضرائب تُفرض على سلع وخدمات معينة وفق نسب أو قيم محددة - بمقدار 18.9 مليار جنيه بنسبة نمو 16.9% لتبلغ 130.8 مليار جنيه. كما صعدت حصيلة رسوم التنمية بـ1.8 مليار جنيه بنسبة 14.3% لتسجل 14.3 مليار جنيه، وضرائب الدمغة بـ10 مليارات جنيه بنسبة زيادة 28.9% لتصل إلى 44.4 مليار جنيه.
كذلك، حققت الضرائب على السلع زيادة بنحو 4.4 مليار جنيه بنسبة 16.9% لتصل إلى 30.5 مليار جنيه، في حين ارتفعت الضرائب على الخدمات الخاصة بمقدار 0.9 مليار جنيه بنسبة 19.4% لتبلغ 5.5 مليار جنيه.
زيادة كبيرة بضرائب الممتلكات
سجلت الحصيلة الضريبية على الممتلكات نموًا لافتًا خلال فترة الدراسة، حيث ارتفعت بنحو 129.7 مليار جنيه، بنسبة زيادة بلغت 83.8%، لتصل إلى 284.5 مليار جنيه، مقارنة بـ154.8 مليار جنيه في الفترة نفسها من العام الماضي.
يعود هذا الارتفاع إلى زيادة الضرائب على السيارات، التي سجلت نموًا قدره 3.1 مليار جنيه بنسبة 30.9% لتبلغ 13.1 مليار جنيه، إلى جانب ارتفاع طفيف في حصيلة الضرائب على الأراضي والمباني بقيمة 200 مليون جنيه، بنسبة زيادة بلغت 3.7% لتسجل نحو 5.1 مليار جنيه.
وفي السياق ذاته، قفزت الضرائب على التجارة الدولية بنحو 38.3 مليار جنيه، محققة نسبة زيادة بلغت 62.5%، لتصل إلى 99.5 مليار جنيه خلال الأشهر العشرة محل الدراسة.
كما ارتفعت المتحصلات من "الضرائب الأخرى" بنحو 5.7 مليار جنيه لتصل إلى 10.4 مليار جنيه، مدفوعة بزيادة إيرادات رؤوس الأموال المنقولة من البنك المركزي، والتي سجّلت هي الأخرى 5.7 مليار جنيه، خلال الفترة ذاتها.
الإيرادات غير الضريبية.. ماذا تمثل؟
بلغت الإيرادات غير الضريبية نحو 266 مليار جنيه خلال فترة الدراسة، غير أن هذا الرقم لا يعكس بدقة حجم النشاط الاقتصادي، إذ تضمن منحًا مالية بقيمة 6.7 مليار جنيه، إلى جانب حصيلة القروض المعاد إقراضها لجهات الموازنة والتي ارتفعت بقيمة 6.2 مليار جنيه بنسبة 42.8% لتصل إلى 20.6 مليار جنيه.
وشملت الإيرادات غير الضريبية كذلك حصيلة عوائد الملكية التي بلغت 87 مليار جنيه، مدعومة بعوائد من الهيئات الاقتصادية ارتفعت بقيمة 2.4 مليار جنيه بنسبة 20.3% لتسجل 14.2 مليار جنيه، وعوائد من شركات القطاع العام التي نمت بـ1.4 مليار جنيه بنسبة 37.9% لتبلغ 5.1 مليار جنيه.
كما ساهمت حصيلة منح رخصة الجيل الثالث للاتصالات في تعزيز الإيرادات بـ17.9 مليار جنيه، إلى جانب إيرادات قطاع التعدين التي قفزت بـ1.1 مليار جنيه بنسبة 68.3% لتبلغ 2.7 مليار جنيه.
وسجّلت حصيلة بيع السلع والخدمات ارتفاعًا بنحو 3.5 مليار جنيه لتصل إلى 75.6 مليار جنيه، فيما بلغت الإيرادات المتنوعة نحو 93.7 مليار جنيه.
هل زيادة الإيرادات الضريبية مكسب؟
عدّت وزارة المالية ارتفاع الإيرادات الضريبية بنسبة 37.8% دون فرض ضرائب جديدة مؤشرًا إيجابيًا على تعافي النشاط الاقتصادي وتحسن أزمة النقد الأجنبي، مؤكدةً أن التوسع في ميكنة النظم الضريبية ساهم في تحسين كفاءة الإدارة الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية.
وقال مسؤول بالوزارة، في تصريحات خاصة لـ فكر تاني، إن ارتفاع الإيرادات غير الضريبية في العام المالي السابق جاء مدفوعًا بحصيلة استثنائية من صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات، ما يجعل المقارنة مع موازنة العام الحالي غير دقيقة.
وأضاف أن الإيرادات الضريبية رغم نموها تُمثّل 13% فقط من الناتج المحلي، وهي نسبة أقل من المتوسط العالمي في الدول النامية ذات الدخل المتوسط الأدنى، والذي يتراوح بين 15% و35%.
وأشار المسؤول إلى أن هذه النسبة تعكس جهود الوزارة في تيسير الإجراءات وتحقيق مزيد من الشمول الضريبي، إلا أن المقارنة الحقيقية يجب أن تُجرى مع موازنة الحكومة العامة التي تشمل 59 جهة بين هيئات اقتصادية وموازنة الدولة، وفي هذه الحالة لا تتجاوز نسبة الضرائب 35% من إجمالي الإيرادات.
وفي المقابل، يرى أشرف ناجح، رئيس قطاع المشروعات بهيئة دولية معنية بتنمية الدول الفقيرة، أن الزيادة الحقيقية في الإيرادات يجب أن تنبع من توسع الإنتاج المحلي والتصنيع وزيادة التصدير وتشغيل المصانع واستصلاح الأراضي الزراعية، معتبرًا أن ذلك هو المؤشر الأهم على النجاح الاقتصادي.
وأضاف ناجح أن الزيادة في الحصيلة الضريبية تعود جزئيًا أيضًا إلى تغير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، حيث ارتفع من 31 جنيهًا إلى نحو 50 جنيهًا خلال معظم الشهور الخمسة الأولى من العام المالي الجاري، ما انعكس على حصيلة الضرائب المفروضة على إيرادات الشركات الأجنبية، لا سيما شركات البترول وإيرادات قناة السويس المقومة بالدولار.