دراسة لـ"تدوين": سودان مُصغر يؤمن بتشويه الأعضاء التناسلية يتسلل لمصر

"رصدنا كيف تتطور تصورات وممارسات السوادانيين/ات من الناحية الطبية والمجتمعية في مجتمعهم/ن الجديد داخل مصر، فلم ترصد الدراسة حالات تشويه الأعضاء التناسلية، ولم نسأل أحدهم ‘هل ختنت ابنتك أم لا‘ فهي دراسة كيفية وليست كمية. خاصةً بعد تزايد أعداد اللائجين/ات في مصر بعد حرب 2023".. رئيس وحدة البحوث بمركز تدوين.

تحت شعار "ختان الإناث جريمة مش عادة!"، أطلق مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي ومؤسسة " Equality Now"، أمس الثلاثاء، في مؤتمر صحفي بوسط العاصمة، دراسة استكشافية بعنوان " تشوية الأعضاء التناسلية للإناث لدي المهاجرين السودانيين في القاهرة الكبرى: التصورات والاتجاهات".
والتي تبحث تصورات وممارسات تشويه الأعضاء التناسلية بين المهاجرات السوادنيات في ثلاث مناطق: مدينة نصر، 6 أكتوبر، وفيصل.

يوضح الدكتور أحمد بدر رئيس وحدة البحوث بمركز تدوين لداراسات النوع الاجتماعي، على هامش المؤتمر في حديثه مع فكّر تاني: "حاولنا رصد ‘كيف تؤثر الهجرة على استمرارية ممارسة هذه العادة أو التخلي عنها لمجتمع اللائجين/ات السودانيين/ات‘، خاصة أن معدلات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، مرتفعة في مصر وتتقارب مع معدلان السودان، حيث تجمع البلدين نفس العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية المتداولة حول هذه الظاهرة".

ويشير بدر إلى أن الدراسة، اعتمدت على النهج الكيفي. على مدار سنة كاملة، أجُريت ثلاثون مقابلة متعمقة مع أفراد من عائلات سوادنية تتكون من "آباء، وأمهات، شباب وجدات"، تقيم هذه العائلات في محافظتي القاهرة والجيزة، مؤكدًا أن الدراسة ركزت بالأخص على مناطق تجمعات سوادنية ذات كثافة عالية مثل منطقتي فيصل وأكتوبر.

"تعتبر الدراسة مصدرًا أساسيًا للمبادرات الرامية الي الحد من تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في كل من المجتمعات المضيفة ومجتمعات اللاجئين/ات، لمنع هذه الممارسة والتخفيف من حدتها في سياقات ثقافية متنوعة".

جانب من حضور المؤتمر

بين مصر والسودان

من المتعارف عليه دوليًا، أن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، هو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، وينطوي على إزالة جزئية أو كاملة للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى لأسباب غير طبية. ينتشر في 94 دولة على الأقل، ويؤثر على أكثر من 230 مليون امرأة وفتاة، منهن 144 مليونًا في أفريقيا. وتعود جذوره إلى عدم المساواة بين الجنسين ومحاولات التحكم في أجساد النساء والفتيات. 

أظهرت بيانات المسح العنقودي المتعدد المؤشرات في السودان لعام 2014، وهو أحدث مسح متاح على المستوى الوطني، أن 86.6% من النساء في الفئة العمرية بين 15 و 49 عامًا خضعن للتشويه، وتنخفض النسبة إلى 66.3% للفتيات من الولادة إلى سن 14 عامًا. ويُنظر إلى هذه الظاهرة بدعوى أنها وسيلة للحفاظ على "شرف الأسرة" وتعزيز المُثل العُليا حول النقاء، والحشمة، والسيطرة على جنسانية الأنثى.

في مصر، خضعت حوالي 86% من النساء في الفئة العمرية بين 15 و49 عامًا لهذه العملية، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2022.

اقرأ أيضًا:أمل فهمي المديرة التنفيذية لمركز “تدوين”: تغييرات الدولة في ملف حقوق المرأة “تجميلية”.. الهجمة المضادة على الفيمنست ليست عربية فقط.. نعاني نزعة أبوية داخل المجتمع النسوي

سودان مُصغر

كشفت الدراسة التي أعدها مركز تدوين عن عدة نتائج أبرزها؛ أن العائلات السودانية التي تمارس تشويه الأعضاء التناسلية في السودان من المرجح أن تستمر في ممارسته في مصر، بينما العائلات التي توقفت عن تلك الممارسة لن تعود لها. وبسؤال المشاركين/ات في الدراسة عن الوضع القانوني لهذه الظاهرة في مصر، لم تكن عندهم/ن معلومات كافية، وافترض البعض وجود قانون يحظر ممارستها كما هو الحال في السودان.

وأوضحت الدراسة من بين نتائجها؛ إشارة المشاركون/ات الي وجود "سودان مصغر" في الأحياء ذات الكثافة السكانية السودانية العالية في مصر، عاملًا رئيسيًا يمكنه المساهمة في استمرار ممارسة الظاهرة في مصر، حيث تُشكل هذه الأحياء شبكات اجتماعية تدعم هذا الفعل، من خلالها يسهل وصول العائلات للقابلات السودانيات للمساعدة في إجراء العملية لبناتها في مصر، وأيضًا جمع الدعم المالي المطلوب للعملية بشكل جماعي.

كما أظهرت نتائج الدراسة أن المشاركون/ات الأصغر سنًا والحاصلون/ات على تعليم عالي، والإناث اللاتي عانين من تجارب شخصية سلبية، كانت لهم معارضة أقوى لممارسة هذه الظاهرة، بينما أشار معظم المشاركين الذكور للآثار السلبية لتشويه الأعضاء التناسلية على العلاقة الحميمية، واعتبروا ذلك سببًا رئيسيًا فى رفضهم إجراءها لبناتهم.

جانب من المؤتمر

واعتقد غالبية المشاركين في الدراسة، أن العائلات السودانية تدعم التخلي عن الختان الفرعوني، وهو النوع الثالث كما صنفته منظمة الصحة العالمية، بينما أظهرت نتائج الدراسة أنه ما زال عدد قليل من المشاركين ينظرون إلى ما يُعرف بـ "ختان السُنة" أي النوع الأول وفق WHO  باعتباره أقل ضررًا مع مضاعفات محدودة أو معدومة، كما اعتقد كثير من المشاركين أن المصريين يمارسون النوع الثالث من الختان الفرعوني لإنه سمي باسمهم.

وجاء في نتائج الدراسة أيضًا، أن النساء الأكبر سنًا "الجدات" في السودان، غالبًا ما يكن صاحبات القرار الرئيسي بشأن إجراء هذه الممارسة، وأنهن يملن إلى دعم استمراريتها. ومع ذلك، فإن بقاء بعض أفراد الأسرة الأكبر سنًا في السودان قد ساهم في تخفيف الضغط الأسري على الفتيات السودانيات في مصر.

وأكد المشاركون/ات في الدراسة أن العديد من العائلات السودانية أقل ميلًا لطلب أية معلومات حول عملية تشويه الأعضاء التناسلية للإناث عند المصريين وأشار المشاركون/ات أن المصريين/ات لديهم/ن نظرة سائدة سلبية تجاه اللائجين/ات السودانيين، ما يُضعف العلاقات فيما بينهم. وأنهم/ن أيضًا لا يلجأون للأطباء والطبيبات في مصر، وهو تجنب أشار المشاركون في الدراسة إلى أنه قد يُسهم في التخلي عن هذه الممارسة.

بغرض الحماية

من جانبها، أكدت أستاذة الصحة الإنجابية بجامعة الأحفاد بالسودان الدكتورة نفيسة البدري على أهمية الدراسة: "تفتح توصيات الدراسة الباب لمساعدة المؤسسات الفاعلة في مجال مناهضة هذه الظاهرة في مصر سواء الحكومية أو الأهلية، في تصميم التدخلات الملائمة لتوعية مجتمع اللاجئين/ات السودانيين/ات".

وأوضحت الدكتورة نفيسة في تصريحاتها لـ فكّر تاني، أن هناك ضعف التأثير القانوني لتجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في السودان، وعدم التبليغ خوفًا من سجن أفراد الأسرة، وهو ما يتشابه مع الواقع المصري".

"بعد استقرار الأسرة في مصر، وبعد وصول الأم بمفردها مع بناتها وأفراد أسرتها، تصبح مسؤولة عن حمايتهن، ورغم أن المجتمع المصري يتشابه مع المجتمع السوادني، إلا إنه يظل لهذه السيدة اللاجئة غريبًا وتريد حماية بناتها منه، لذا تُخضعهن لإجراء هذه الممارسة".

وأكدت أستاذة الصحة الإنجابية، أن المرأة السودانية تريد تجنيب ابنتها النبذ بين زميلاتها المصريات في المدرسة، لذا يجب أن تصبح "مختونة" مثل المصريات، وذلك بسبب ارتفاع ممارسة هذه الظاهرة في مصر. وأعربت الدكتورة عن تفاؤلها من نتائج الدراسة: "لدي شعور بالأمل تجاه جيل الشباب، ورفضه لاستمرار هذه الممارسة الضارة، خاصةً استعدادهم/ن للمشاركة في الأنشطة التوعوية وعرض تجاربهم/ن الشخصية لتوعية الأخريات والأهالي من خطورة هذه الجريمة التي تحدث في حق أجساد الفتيات".

اقرأ أيضًا:تشويه الأعضاء التناسلية.. طفولة مُختطفة باسم العفة

احتياجات مجتمعية

أكدت نجلاء سرحان مستشارة النوع الاجتماعي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة Equality Now، على أهمية الاستفادة من نتائج الدراسة في تنفيذ مشروعات يتم العمل عليها، بتدخلات مستجيبة لاحيتاجات مجتمعات اللاجئين/ات، وأن تكون السودان عينة الدراسة.

وأضافت نجلاء لـ فكّر تاني، أن أية تدخلات في الفترة القادمة سواء على المستوى الوطني أو المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين/ات أو بمناهضة الظاهرة، عليها أن تدمج المهاجرين/ات كفئات مستهدفة في جميع التدخلات، والاستفادة من خبراتهم/ن، خاصةً الأمهات اللاتي قررن رفض ممارسة هذه الجريمة مع بناتهن، نطلق عليهن رائدات التغيير. 

"إنهن بمثابة الأدوات التي تساعدنا للوصول للفئات المستمرة في ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية لبناتها داخل المجتمعات المنغلقة مثلما يحدث في "السودان المُصغر" الذي أشار له المبحوثين/ات فى الدراسة، بالإضافة إلى إطلاع هؤلاء الرائدات على آخر المستجدات على المستوى الوطني والدولي لتعريفهن بسبل الحماية التي يمكن الحصول عليها". 

واختتمت مستشارة النوع الاجتماعي حديثها قائلةً: "كمنظمات دولية أو مؤسسات على مستوى الحكومات والدول، تساعدنا هذه الدراسة في التركيز على وضع سياسات واستراتيجيات وصياغة قوانين جديدة أوتعديل القائمة، ونحن نضع نُصب أعيننا هذه الفئة من اللاجئين/ات، وندرس تأثير هذه السياسات والقوانين على مدى استمرارية هذه الممارسة أو القضاء عليها لدى السودانيين/ات في مصر".

فصل الدين عن الختان

علينا فك الاشتباك وتصحيح المفاهيم باستمرار، وتعميم مفاهيم تُجرم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ولا تُكسبه طابعًا دينيًا، وأن نتوقف عن قول هذا "ختان سُني"، وذاك "فرعوني"، بل يجب تعريفه كما يجب، إنه تشويه، وهو جريمة بكل أشكاله وصبغاته ويُمارس من خلال عدة أنماط كما حددتها منظمة الصحة العالمية في أربع فئات".. المديرة التنفيذية لمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي الدكتورة أمل فهمي في كلمتها في المؤتمر.

وشددت على أنه مثلما استطعنا تغيير مفهوم المجتمع عبر السنوات كي يعترف بالتحرش الجنسي، بدًلا من استخدام مصطلح معكاسة في الماضي، يمكننا تغيير نظرة المجتمع لهذه الجريمة أيضًا، وترى الدكتورة أمل فهمي أن مناهضة هذه الظاهرة يتطلب الابتعاد عن الحلول والطرق التقليدية.

"بعد سنوات من الاستعانة برجال الدين في حملات التوعية لرفض تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ونقاشات طويلة لإقناعهم أنه ليس من الدين حتى يتحول الأمر لجدال ديني، وهذه التجربة أثبتت عدم فائدتها، لذا، فإن الحل هو فصل الدين عن هذه الجريمة".

كما شددت الدكتورة أمل على ضرورة العمل على أفكار تربط بين هذه الممارسة وحماية النساء، مشيرةً إلى أن الوضع السوداني لم يحمِ النساء خلال رحلتهن الطويلة بعد اندلاع الحرب من خطر الاغتصاب بل عرضهن لأشكال عنف شديدة، وأكدت على ضرورة البناء على التجارب المصرية والسودانية فى مجال مناهضة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

"السوادن عرفت حملة "سَليمِة" لسنوات طويلة، لماذا لانبني عليها من جهود وبرامج، بالإضافة إلى استخدام الميديا الرقمية في نشر رسائلها التوعوية، فنحن لا نحتاج للبدء من الصفر، والتغيير الحقيقي يأتي من الفتيات الصغيرة، اللاتي يتحدثن عن تجاربهن بثقة، من الأمهات اللاتي رفضن تعريض بناتهن لنفس التجربة المؤلمة ومن "الحبوبات "أو الجدات التي رصدتهن الدراسة وأعلنوا توقفهن عن هذه الممارسة في حق حفيداتهن". 

اقرأ أيضًا: تزويجهن جريمة.. قاصرات ينجبن أطفالًا وجميعهم بلا حقوق

استراتيجيات ولجان وطنية.. غير فعالة

انتقدت مديرة مركز تدوين، عدم فاعلية الأجهزة المسؤولة عن مناهضة هذه الظاهرة في مصر وأكدت على أن الحكومة قد اتخذت خطوات كبيرة في هذا الملف، ومصر لديها استراتيجيتها القومية، وأيضًا ‘اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث‘، وقانون لتجريم الممارسة وتم تغليظه مرتين: "موجودة لكن مش بتشتغل".. بحسب تعبيرها

"هذه اللجان لاتجتمع الإ مرة واحدة سنويًا، وبالتالي تأثيرها غير ملموس، كما قدمنا كمنظمات نسوية مقترح للبرلمان لعقوبات بديلة لتجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في مشروع القانون الموحد لمكافحة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، لأن القانون الحالي يحتوي على مشكلات جوهرية في العقوبة، فلن تبلغ فتاة عن الأب والأم، وتعرضهم للسجن لـ 7 سنوات، لكن لا جديد يُذكر!".

توصيات

أكد الدكتور أحمد بدر رئيس وحدة البحوث بمركز تدوين، في حديثه مع فكّر تاني: "خرجت الدراسة بمجموعة توصيات وأدلة هامة يمكن أن توجه السياسات والتدخلات المصممة خصيصًا لكل من مجتمعات اللاجين/ات والمجتمعات المضيفة". 

جانب من المؤتمر

مضيفًا: "تقدم الدراسة معلومات قيمة حول التقاليد الثقافية والتكيف والتخلي عن الممارسة في ظروف الهجرة، وهى معلومات هامة لصناع/ات السياسات ومقدمي/ات الرعاية الصحية والاخصائين/ات الاجتماعيين/ات، في تصميم حملات التوعية وبرامج الدعم المجتمعية التي تعالج التحديات والتصورات للعلائات السودانية المهاجرة لمصر ". 

اقرأ أيضًا:في ظل الأزمة الاقتصادية.. إجهاض “غير المرغوب فيهم” وأمهات ينزفن حتى الموت

زيادة الوعي بالقانون المصري

خرجت الدراسة بعدة توصيات منها؛ تعزيز الوعي بين مجتمعات اللاجئين/ات السودانيين/ات بقوانين مصر المناهضة لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والعواقب القانونية والصحية السلبية، وضرورة تمكين الآباء، وخاصةً الأمهات، من خلال معلومات دقيقة وأدوات عملية لمقاومة الضغوط المجتمعية والأسرية لإتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحة بناتهم/ن.

كما أكدت توصيات الدراسة على ضرورة  إشراك الشخصيات الموثوق فيها في مجتمع "السودان الصغير" -مثل كبار السن والجدات والقابلات ورجال الدين– بوصفه أمرًا بالغ الأهمية لتغيير المواقف والآراء، بالإضافة إلي مناهضة جهود التوعية بالمفاهيم الخاطئة وربط هذه الممارسة بالصبغة الدينية.

وأخيرًا ينبغي أن تعزز حملات المناصرة الترويج لفهم منظور حقوق الإنسان الذي يتناول كيف تؤدي عدم المساواة بين الجنسين إلى إستدامة ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة