فرصة أخيرة| القوى المدنية تناشد الرئيس رفض “الإجراءات الجنائية”.. وتطالب بحوار مجتمعي شامل

في محاولة وصفتها بـ”فرصة أخيرة للتراجع عن إقرار مشروع قانون الإجراءات الجنائية”، نظمت القوى المدنية، أمس الأربعاء، مؤتمرًا صحفيًا بمقر الحركة المدنية الديمقراطية في حزب “المحافظين”، مناشدة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، لاستخدام صلاحياته الدستورية وعدم التصديق على مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب مؤخرًا، والذي أثار عاصفة من الانتقادات والمخاوف الحقوقية والقانونية والسياسية على مدار الشهور الماضية، مطالبين بإعادته إلى طاولة الحوار المجتمعي لضمان توافقه مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

مؤتمر القوى المدنية حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية
مؤتمر القوى المدنية حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية

“سلق” القانون برلمانيًا

أعلن مجلس النواب، في جلسته العامة بتاريخ 29 أبريل 2025، موافقته النهائية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد. وجاءت هذه الموافقة بعد إعادة المداولة على عدد محدود من مواده بناءً على طلب من الحكومة، التي تقدمت بتعديلات وصفت بأن أغلبها يهدف إلى “إحكام الصياغة” دون المساس الجوهري بالمضمون الذي أثار الجدل، وهي التعديلات التي وافق عليها البرلمان دون أن تحظى بمناقشة تفصيلية كافية، وفقًا لمراقبين ونقاد.

هذا التمرير السريع أثار حفيظة الأوساط الحقوقية والنقابية والسياسية التي عبرت عن قلقها البالغ تجاه القانون. فقد واجه مشروع القانون، منذ الكشف عن مسوداته الأولية، سيلًا من الانتقادات من قبل حقوقيين بارزين، وسياسيين معارضين، ونقابيين، وجموع من المحامين، الذين أجمعوا على ما شاب العديد من مواده من “عوار دستوري وقانوني جسيم”، وما قد يترتب على تطبيقه من تداعيات سلبية على منظومة العدالة والحريات الأساسية للمواطنين.

مجلس النواب
مجلس النواب

البرعي: القانون يهدد الحريات والنقاش حوله شابَهُ التكتم

وفي كلمته الافتتاحية خلال المؤتمر، دق المحامي الحقوقي البارز نجاد البرعي ناقوس الخطر، مسلطًا الضوء على ما اعتبره أمرين جوهريين يستوجبان الوقوف عندهما مليًا.

“الأمر الأول”، كما أوضح البرعي، “هو الخطورة التي يشكلها قانون الإجراءات الجنائية على مستقبل الحريات في مصر”. وعزا هذه الخطورة إلى “صياغته في ظروف شديدة السوء، بسبب التكتم على المناقشات التي كانت تدور حوله”.

وكشف البرعي أن “أول مرة يتم فيها الحديث عن القانون كانت في أولى جلسات الحبس الاحتياطي داخل الحوار الوطني”، لافتًا إلى أن “أولى المسودات الجادة للقانون هي التي صاغها المستشار رئيس مجلس النواب حنفي الجبالي”.

نجاد البرعي
نجاد البرعي

أما “الأمر الثاني” الذي أثاره البرعي، فتمثل في انتقاده لما وصفه بـ”الضعف البرلماني” الذي شاب عملية مناقشة وإقرار القانون، مستثنيًا من ذلك “نواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي”.
وأكد البرعي أن هذا الضعف “طال الكل بما فيهم نقابة المحامين، وهذا يظهر مدى ضعف النقابات في مصر”.

وأضاف البرعي: “أن من تصدى لهذا المشروع هو نقابة الصحفيين أولًا ثم مجموعة من المحامين المستقلين مثل خالد علي وشادي أمين ومركز حقوقي، فيما نجد نقابة المحامين التي تصدت بكل قوتها لأزمة زيادة الرسوم، وهى مسألة مهمة، لكنها لا تتصدى بشكل مناسب لقانون الإجراءات”.

واعتبر البرعي أن أداء نقابة المحامين الحالي “أدى إلى التقليل من دور المحامي، لدرجة أن لا يمكنه تصوير القضية بغير موافقة، رغم أن القانون الحالي يقر أن كل شخص يأخذ صورة رسمية من التحقيقات إذا تمت في غير وجوده، على نفقته الخاصة، وهذا أصبح غير موجود، بالإضافة إلى غياب المحامي في مرحلة التحقيق”.

كما انتقد البرعي صراحة أداء نقيب المحامين عبد الحليم علام، معربًا عن أمنيته بأن تكون النقابة “في صدارة المشهد الرافض للقانون”.

وقال البرعي إن القانون الجديد يتضمن سابقة خطيرة: “هذا القانون هو أول قانون إجراءات قانونية يهدر مادة أن البطلان يبطل كل شيء وهذا مبدأ قانوني ‘الإجراء الباطل يهدر كل شيء’، لكن هذا القانون جعل الإجراء الباطل يمكن تصحيحه”.

ورغم المناشدات، أبدى البرعي تشاؤمًا حذرًا بشأن استجابة الرئاسة، متوقعًا أن الرئيس “لن يرجيء القانون، لأن الرئيس خُوطب من الحوار الوطني مرتين، بأن القانون به مشاكل”.

وفي سياق متصل، شدد البرعي على أن “الحوار الوطني ليس له علاقة بقانون الإجراءات الجنائية”، نافيًا بذلك أي مزاعم بربط مخرجات الحوار بهذا التشريع المثير للجدل.

راغب: “دستور ثانٍ” لم ينل حقه من النقاش ويخالف الدستور القائم

وأكد المحامي أحمد راغب على النقطة التي أثارها البرعي بشأن استقلالية القانون عن مخرجات الحوار الوطني، قائلًا: “الحوار الوطني ليس له علاقة بقانون الإجراءات الجنائية، كما أن هناك بيانًا رسميًا من مجلس أمناء الحوار تحدث عن وجود شكاوى واعتراضات تُبطل ما أشيع عن أن مشروع القانون تبنى توصيات الحوار الوطني.. وهذا غير حقيقي”.

وشدد راغب على الأهمية القصوى لقانون الإجراءات الجنائية، موضحًا أنه “لن يعيق عمل المحامين فقط ولكنه تأسيسي، أو كما يقول البعض دستور ثاني، لأنه ينظم الحياة اليومية للمواطنين في علاقتهم ببعضهم وعلاقتهم بالسلطة التنفيذية”.

أحمد راغب
أحمد راغب

وللتدليل على ضرورة التروي في إصداره، أشار راغب إلى أن “المشروع الحالي صدر سنة 1952، ومع ذلك بدأت المناقشات حوله سنة 1940 أي أن المناقشات حوله استمرت 10 سنوات لما له من أهمية”.

ورفض راغب المزاعم القائلة بأن القانون الجديد يأتي تلبية لضرورة دستورية أو استحقاق للدستور الجديد، مؤكدًا أن “ما يتم ترويجه بأن قانون الإجراءات له ضرورة دستورية ومن أجل الدستور الجديد هذا أمر غير صحيح”. وكشف عن وجود “مناقشات قانونية سياسية في البرلمان، أعلن فيها بشكل واضح عدم دستورية بعض المواد في هذا القانون من بينها مبررات الحبس الاحتياطي”.

وفي هذا الصدد، أوضح راغب نقطة دستورية دقيقة قائلًا: “في دستور 2012 و2014 هناك تغيير جذري في المادة المتعلقة بالحريات الشخصية فيما يخص مبررات الحبس الاحتياطي، وأصبح مبرر الحبس الاحتياطي الوحيد، دستوريا، مصلحة التحقيق، أما فيما قبل في دستور 1971 كان مبرر الحبس الاحتياطي هو مصلحة التحقيق والحفاظ على النظام العام”. هذا التغيير الجوهري، بحسب راغب، لم ينعكس بشكل سليم في القانون الجديد.

كما أكد راغب مجددًا على فكرة أن “القانون لم يأخذ حقه في النقاش”، وأن “البرلمان الحالي ابن ظروف معينة وتم انتخابه في ظروف معينة، وكان هناك تبشير بأن الأوضاع سوف تتغير”، وهو ما لم يحدث، وهو ما “يستدعى تدخل الرئيس للاستماع للأطراف المختلفة”، مطالبًا إياه بـ”عدم التصديق على القانون، بسبب ما أثير حوله من خلاف ورفض للكثير من مواده من الأطراف المختلفة، وما شابه من عدم دستورية لبعض مواده”.

أبو حنيش يعلن عن حملة لتعديل 184 مادة

واتفق أحمد أبو حنيش، أمين عام النقابة الفرعية للمحامين بحلوان، مع المتحدثين السابقين فيما يتعلق بـ”غياب المعلومات حول مشروع القانون الذي كان يتم صياغته في صمت”، مؤكدًا أن النقابة “لم تسمع عنه قبل ستة أشهر”.

أحمد أبو حنيش
أحمد أبو حنيش

ورغم الأجواء المشحونة بالقلق، عبّر أبو حنيش عن بصيص أمل، قائلًا: “لكنني لدي أمل بأن يحدث متغير جديد في الوقت القليل المتبقي قبل أن يصدق رئيس الجمهورية على القانون”.

وكشف أبو حنيش عن جهود عملية بذلتها مجموعة من المحامين المستقلين لمواجهة ما اعتبروه قصورًا في القانون، مشيرًا إلى أنهم “بمشاركة مجموعة من المحامين المستقلين، أعدوا تصورًا مختلفًا لعدد “184” مادة، ما بين الحذف والتعديل والإضافة، من خلال حملة “نحو قانون إجراءات جنائية عادل”.

وأوضح أنه “قدم الأمين العام التعديلات لكل الجهات المعنية، من بينها النقابة العامة للمحامين والنقابات الفرعية، حتى تتبنى وتحشد على رفض القانون، ولكن المردود كان ضعيفًا، بالرغم من رفض جميع النقابات للقانون”.

وجدد أبو حنيش مناشدته لرئيس الجمهورية “بعدم التصديق على القانون الذي يمس كل مواطن وكل محامي، وما له من تأثير على الحياة اليومية للمواطنين”.

الخشاب: هذا برلمان رجال الأعمال.. ولا بديل عن فتح المجال العام

وألقى عمرو الخشاب، عضو مجلس نقابة المحامين، الضوء على الدور الذي تلعبه النقابات المهنية في ظل ما اعتبره غيابًا للمؤسسات التمثيلية الفاعلة.

وقال الخشاب إن “نقابتي المحامين والصحفيين تتوليان في هذا التوقيت دور المجتمع المدني ودور مجلس الشعب”.

عمرو الخشاب
عمرو الخشاب

وأشاد بشكل خاص بـ”دور نقابة الصحفيين ونقيبها خالد البلشي الذي فتح أبواب النقابة للمحامين حتى يعلنوا عن رفضهم لقانون الإجراءات بعد الإعلان عنه”.

ووجه الخشاب انتقادات لاذعة للبرلمان الحالي، واصفًا إياه بأنه “برلمان رجال الأعمال، وبالتالي لا يدافع عن مصالح الشعب، بدليل صمته على صدور قرار بزيادة الرسوم القضائية دون مصوغ قانون، وهو الجهة التشريعية المختصة بهذا المصوغ”.

ولم تقتصر مناشدة الخشاب على رفض القانون، بل امتدت لتشمل مطالب أوسع تتعلق بالإصلاح السياسي، حيث ناشد رئيس الجمهورية “بفتح المجال العام لوجود مجتمع مدني حقيقي، والسماح بوجود أحزاب حقيقية وانتخابات نزيهة”.

مذكرة للقوى المدنية تطالب الرئيس بإعادة القانون للحوار المجتمعي

وفي خطوة عملية لترجمة مطالبهم، أعلنت القوى المدنية خلال المؤتمر الصحفي عن إعداد مذكرة إيضاحية مفصلة، من المقرر تقديمها لرئيس الجمهورية، في محاولة أخيرة لتأكيد موقفهم وحثه على استخدام صلاحياته لتعطيل القانون أو إعادته للمناقشة.

مؤتمر القوى المدنية حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية
مؤتمر القوى المدنية حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية

وجاء في نص المذكرة الموجهة للرئيس:

“سيادة الرئيس لا يخفى على علمكم أهمية قانون الإجراءات الجنائية، فهو الذي ينظم الصلاحيات الممنوحة للسلطات التنفيذية والقضائية في مواجهة الحقوق والحريات للمواطنين، كما أنه الركيزة الأساسية لنظام العدالة الجنائية، كذلك يحمي الأبرياء من الشبهة الجنائية ومن التعسف وإساءة استعمال السلطة”.

وأضافت المذكرة: “سيادة الرئيس حرصا من الحركة المدنية على إقامة نظام عدالة جنائية فعال ومنصف وانطلاقا من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والحوار الوطني، كان ولابد أن نبادر ونطالب سيادتكم عدم التصديق على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، مع التكرم بإصدار توجيه بإعادة طرح مشروع قانون الإجراءات الجنائية للحوار المجتمعي بصورة أكثر فاعلية”.

ويبقى الأمر معلقًا على قرار الرئيس، في ظل تصاعد الأصوات المنادية بضرورة مراجعة شاملة لهذا التشريع المفصلي، بما يضمن تحقيق التوازن المنشود بين مقتضيات العدالة وحماية حقوق وحريات المواطنين في مصر.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة