"كنت هموت من الخوف.. اضطريت اسيب ابني لوحده في المستشفى علشان أرجع البيت أجيب شهادة الميلاد وأثبت إني أمه!"
بهذه الكلمات تختصر سلوى -اسم مستعار- لحظة من أصعب اللحظات التي مرت بحياتها، اللحظة التي اضطرت فيها إلى ترك ابنها وحيدًا فاقدًا لوعيه في انتظارها تُثبت أمومتها له، ابنها الذي يعاني أزمة صحية في القلب، ويحتاج إلى عملية جراحية، ووالده لم يستطع التواجد. تركت الأم ابنها وحيدًا لتذهب إلى منزلهم حتى تحضر شهادة الميلاد.
"كان رايح يقدم أوراقه في الجامعة، فجأة جالي تليفون إنه وقع في الشارع، جريت على المستشفى، ولما وصلت الممرضة قالتلي محتاجين توقيع ولي أمره علشان يدخل العمليات.. قلتلها أنا أمه، قالتلي: إثبات"
تحكي لـ فكّر تاني، كيف وقفت عاجزة أمام كلمة "إثبات" فبطاقة ابنها لا تحمل اسمها: "الآن أنا غريبة عنه أمام الجهات الطبية والقانونية، غير قادرة حتى على توقيع ورقة دخوله العمليات".
"انكسر قلبي مرتين.. مرة حين سقط في الشارع.. ومرة حين وقفت عاجزة عن إثبات صلتي به، صرخت فيهم (أنا أمه!!) لكن لم يسمعني أحد!!".
تسكت سلوى لحظة، ثم تهمس: "هي الأم أقل من إنها تتسجل في بطاقة ابنها؟".
في مصر، تتحمل آلاف الأمهات مسؤولية تربية أطفالهن بمفردهن، لكنهن يبقين في موقع الظل قانونيًا. وبينما يعشن هذا الواقع المرير، يتكشف كيف يتحول غياب اسم الأم من خانة مهملة في بطاقة الهوية، إلى عائق إنساني يربك تفاصيل حياتهن اليومية، من استخراج أوراق، إلى حجز فندق، أو حتى مرافقة طفل لمستشفى!.
"كل خطوة دون مستند يثبت نسبه لي يحول بينها وبين تيسير شؤوننا عبارة (لازم الأب ييجي). لذا فأنا طبعًا من المؤمنين بضرورة إدراج اسم الأم في هوية أبنائها".
تقول ندى -اسم مستعار- 33 عامًا لـ فكّر تاني، بعد الطلاق، توليت أنا مسؤولية ابني. لم يتحمل والده أي عبء يُذكر في رعايته. أُلقي كل الحمل على عاتقي وحدي، وارتضيتُ. ارتضيتُ أن أحمل دور الأم والأب معًا، بينما أبت الجهات الحكومية ألا تعترف سوى بإثبات أمومتي له.
تقول المحامية مها أبو بكر، إن عدم ذكر اسم الأم في البطاقة لا يعود إلى قصور قانوني، بل إلى أعراف اجتماعية متوارثة، مشيرةً أن القانون والدستور لا يمنعان إطلاقًا إدراج اسم الأم، ومقترح الحكومة بإضافة اسم الأم لا يتعارض مع أي من القوانين المعمول بها في مصر، بل يتماشى مع المبادئ الدستورية التي تنص على المساواة الكاملة بين المواطنين، ويضمنان للأم كامل الحقوق في إثبات علاقتها بأطفالها.
وتؤكد المحامية مها في حديثها مع فكّر تاني، أن هذا التعديل يعزز من شفافية البيانات ويسهم في الحد من مشاكل التشابه في الأسماء، لا سيما في القضايا الجنائية: "نقضي أحيانًا أكثر من أسبوع لإثبات أن شخصًا ما ليس هو المطلوب على ذمة جنحة أو قضية، فقط لأن الأسماء متشابهة، بينما وجود اسم الأم يساعد في الفصل السريع بين الأشخاص".
وتُرجع مها تأخر تنفيذ هذا الإجراء على مدار السنوات الماضية إلى التأثر بالموروثات الاجتماعية: "العادات والتقاليد أخَّرت هذا التعديل، رغم أنه يتوافق مع صحيح القانون ومبدأ المواطنة المتساوية، غير أن اسم الأم مدوَّن بالفعل في مستندات رسمية مثل شهادة الميلاد".. وتتسائل: "لماذا لا يُدرج أيضًا ضمن البيانات الأساسية في بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر، باعتبارها وثائق محورية في حياة كل مواطن؟".
أما عن مقترح الحكومة بإدراج اسم الأم في بطاقة الرقم القومي يُعد خطوة إيجابية طال انتظارها، كما أن التجربة المصرية شديدة الخصوصية، ولا يشترط أن تسبقنا فيها دول أخرى حتى نخطوها: "حتى وإن لم تُطبق هذه الخطوة في دول مجاورة، فهذا لا يعني أننا لا نكون سبّاقين، بل بالعكس، نحن نملك من الخصوصية الحضارية والقانونية ما يؤهلنا للريادة في مثل هذا التغيير".
وتشير المحامية إلى أن بعض النماذج الغربية تتيح تسجيل الطفل باسم الأب أو الأم، بحسب الظروف الاجتماعية، إن وجود اسم الأم في الوثائق الرسمية يُعزّز من وضوح الهوية ويقلل من التنازع على إثبات النسب أو المسؤولية، لافتةً أن: "إدراج الاسم لن يشكل عبئا على الدولة بل سيكون إضافة إيجابية لها".
تدعو مها أبو بكر البرلمان المصري إلى إدراج هذا المقترح ضمن الأجندة التشريعية القادمة، خاصة في ضوء النقاشات الجارية حول تعديل قانون الأحوال الشخصية: "سبقتنا السعودية بخطوة مماثلة تتيح تسجيل الطفل باسم الأب والأم في وثائق الأسرة، وهو ما يمهّد لإدخال تعديلات مماثلة على قوانين السجل المدني".
"لا تستطيع الأم اصطحاب طفلها لأي إجراء رسمي دون حمل شهادة ميلاده، لأن البطاقة لا تحتوي على ما يُثبت صلتها به، حتى في مواقف بسيطة، مثل النزول مع الابن في فندق أو إجراء توكيل، تُجبر الأم على إبراز شهادة الميلاد لإثبات النسب، بينما إدراج اسم الأم في البطاقة سيُجنّبها كثيرًا من التعقيدات والمواقف المُهينة".
وتؤكد، غياب اسم الأم من بطاقة الرقم القومي لا يُعد مشكلة إجرائية فقط بل أحيانًا يُمثل أزمة إنسانية، خاصةً في الحالات الحرجة مثل الوفاة المفاجئة في الخارج، إذ يصعب حينها إثبات العلاقة بين الأم وأبنائها، بسبب عدم وجود ما يدل على صلة القرابة في المستندات الرسمية.
"في مثل هذه الحالات نضطر إلى اللجوء إلى شهادة الميلاد كوثيقة ثبوتية، لكنها تظل مستندًا بلا صورة أو بصمة، بخلاف بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر، وهو ما يجعلها غير كافية لإثبات العلاقة في بعض الدول، ويُعرض حياة الأسرة لمواقف معقدة نحن في غنى عنها".
وتشدد مها أبو بكر على أن الوقت قد حان لمعالجة هذا الخلل: "تاريخيًا، عانت النساء من أشكال متراكمة من التمييز، وهذا أحدها، وبالتالي فإن إدراج اسم الأم في البطاقة الشخصية هو شكل من أشكال التمييز الإيجابي الواجب لصالح المرأة، حتى تتحقق المساواة الكاملة".
كما توصي المحامية بإدراج بصمة الطفل ضمن بيانات شهادة الميلاد إلى جانب اسم الوالدين، مؤكدةً: "هذه الخطوة تمثل تطورًا ضروريًا في مواجهة حالات الخطف وتُسرع من التعرف على هوية الطفل بدقة حتى في مراحل لاحقة من عمره".
وتختتم حديثها برسالة دعم قوية، مؤكدة أن "التحرك نحو هذا التعديل خطوة دستورية وقانونية، وإنسانية، تُنصف المرأة المصرية وتدعم استقرار الأسرة، وتُسهل التعاملات الرسمية داخل مصر وخارجها".

"قالولي: إنتي مش أمه!"
لم يكن مع نهى -اسم مستعار- سوى ابنها وحقائب قليلة، أرادت أن تستريح من عناء يوم طويل، جاءت وابنها من قنا إلى القاهرة، وحين أرادا النوم في أحد الفنادق ليستكملا رحلتهما في اليوم التالي، جاء رد موظف الاستقبال صادمًا لهما "فين ما يثبت إنك أمه؟" لم يرَ في عينيها قلق الأم ولا أن ملامح الفتى من ملامحها، بل طالبهما بشهادة الميلاد.
تصف نهى لـ فكّر تاني، كيف شعرت بالإذلال أمام ابنها المراهق صاحب الـ16 عامًا، حين وقفت عاجزة عن شرح ما لا يحتاج شرحًا: "الكلام والطريقة صدموني، ومع ذلك، أظهرت بطاقة هويتي وفيها اسم الزوج، أبو ابني!! لكن الرد أخرسني: "مافيش إثبات رسمي.. يبقى ما تقدريش تبيتي معاه"
في لحظة، شعرت نهى أن سنوات أمومتها تتلاشى، وكأن هذا الطفل الذي رافقته منذ ولادته، بات غريبًا عنها بنص قانون لم يعترف بها كأم، "هو ابني، حتة من قلبي. بس الورق بيقول غير كده"، تقولها بحسرة، ثم تنظر لابنها الذي خجل من الموقف أكثر مما خاف، وراح يطأطئ رأسه، كأنه مذنب.
يقول مصطفى -اسم مستعار- موظف بالسجل المدني، أن إضافة اسم الأم إلى البطاقة الشخصية يحل العديد من المشكلات القانونية والإدارية التي تواجه المواطنين، خاصةً في حالات تشابه أسماء بين الأشخاص.
ويوضح مصطفى في حديثه لـ فكّر تاني، أنه في حال إضافة اسم الأم يمكن التمييز بين الأفراد الذين يحملون نفس الاسم، مشيرًا إلى أن هذه الإضافة تُمكن المواطنات من إجراء معاملاتهن بشكل أسرع وأدق في حال استخراج بطاقة أو شهادة ميلاد لطفلها أو طفلتها في غياب الأب.
"أحد أهم الفوائد التي تترتب على هذا الإجراء هو تسهيل إثبات الهوية في حالات مختلفة، مثل التعامل مع المستشفيات أو الجهات الحكومية، وفي حال حدوث مشكلة أو تشابه في الأسماء، أو في حالات السفر إلى الخارج".
ويؤكد مصطفى أن مقترح الحكومة ما يزال قيد النقاش ولم يتم اتخاذ أي قرار رسمي بشأن تطبيقه بعد. فالتفاصيل غير مكتملة، لكنه أبدى تفاؤله من أن هذا التعديل سوف يكون له أثر إيجابي في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين في المستقبل.
"على سبيل المثال، في حال وفاة الأم في الخارج أو حاجتها لإثبات علاقتها بابنها، يكون إضافة اسم الأم في البطاقة الشخصية مفيد جدًا".
وبالحديث عن التحديات الثقافية، يقول مصطفى، قد يواجهها المجتمع في صعيد مصر بالرفض، حيث يُعتبر ذكر اسم الأم "عورة" في بعض الأسر، ومع ذلك، فهو يعتقد أن هناك تغيرًا تدريجيًا في التوجهات الثقافية نحو قبول هذه التعديلات: "بمجرد أن يدرك الناس فوائده سوف يبدأون في تقبله".
كما تطرق المصدر إلى بعض التحديات المتعلقة بالوصول إلى الخدمات في المناطق النائية، مشيرًا إلى أن هناك نقصًا في المكاتب المتنقلة للسجل المدني، ما يعيق تقديم الخدمة لكثير من المواطنين في المناطق الريفية وفي الصعيد، فيتكدس المواطنين في مراكز السجل المدني نتيجة لعدد الموظفين المحدود وعدم وجود مكاتب فرعية كافية في بعض المناطق.
"تعاني بعض قرى الصعيد من وجود سجلات قليلة لا تلبي احتياجات المواطنين بشكل كافٍ، ما يسبب ازدحامًا شديدًا في هذه المراكز التي تقدم خدماتها لعدد كبير من المواطنين يوميًا والذي يصل أحيانًا لـ 6.000 أو 7.000 مواطن.
ولفت مصطفى، أن الموظفين في هذه المراكز غير قادرين على التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة بشكل فعال، ما يؤدي إلى الضغط المستمر على النظام، في بعض الأحيان، قد يخدم الموظف الواحد ما يصل إلى 2.000 أو 3.000 مواطن في اليوم.
ونوه إلى أن الحلول المقترحة للتعامل مع هذه المشكلة تتضمن زيادة عدد الموظفين في هذه المراكز أو فتح مكاتب فرعية في المناطق التي تشهد تكدسًا كبيرًا للمواطنين.
ورغم أن دولًا عربية مثل الأردن والجزائر وسوريا، وأخرى أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، أدركت أهمية إدراج اسم الأم في بطاقات الهوية، واعتبرته حقًا أساسيًا لتوثيق العلاقة الأسرية وحماية الأطفال والأمهات، ما تزال مصر تغفل هذا البعد الإنساني وتفكر في الحل القانوني، وتحرم ملايين الأمهات من أبسط حقوقهن، لتبقى الأم في الظل غائبة عن الأوراق، وإن كانت حاضرة بكل تفاصيل الحياة.
تشير النائبة البرلمانية مها عبد الناصر، إلى أن إضافة اسم الأم إلى بطاقة الرقم القومي خطوة هامة لحل العديد من المشاكل الإدارية التي يواجهها المواطنون/ات، وأن هذا الإجراء يساهم بشكل كبير في حل المشاكل المتعلقة بتشابه الأسماء، وبالتالي يكون له تأثير إيجابي على تسهيل الإجراءات الحكومية.
"من حقي كأم أن يكون اسمي مذكورًا في بطاقة ابني، خاصة عندما يتطلب الأمر إجراءات حكومية، ما يسهم في تسهيل التأكد من الهوية دون الحاجة لإحضار شهادة الميلاد الأصلية".. تقول النائبة مها عبد الناصر لـ فكّر تاني.
وتؤكد أن هذا الإجراء لا يتطلب الكثير من المناقشات، وأن: "الوقت قد حان لتنفيذ هذه الخطوة دون تأجيل، خاصة أنها تعتبر خطوة إيجابية وضرورية"، كما أن الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة ضد هذا المقترح غير مبررة: "ليس من المفترض أن يكون هناك نقاش حول هذا الموضوع، فهو أمر من المفترض أن يكون قد تم حسمه".

أما عن احتمالية تعديل الوضع القانوني في المستقبل، تقول النائبة: "حتى الآن، لم نتلقَ شكاوى قوية أو مطالبات بتغيير الوضع، لكن إذا كانت الحكومة ترى أن هذا الإجراء يحل بعض المشاكل، فبالتأكيد سوف يكون مفيدًا، وتقع المسؤولية على عاتق الحكومة في هذه المسألة لأنها الأقدر على تحديد الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات".
وتؤكد النائبة مها عبد الناصر على أهمية أن تكون الحكومة هي المبادرة في هذا النوع من القضايا بشكل فعال، مشيرة إلى أن الإجراءات البرلمانية ليست ضرورية في هذه الحالة إذا كانت الإجراءات الإدارية هي الحل الأمثل.