مشروع الشرق الأوسط الجديد.. هل من إمكانية لنجاحه؟!

يسعى اليمين الأمريكي العنصري المتعالي والمتحالف مع قادة الصهيونية العالمية طول الوقت أن يروج لفكرة أن أمريكا هي الكيان الوحيد كلي القدرة وأن مشاريعها المتعلقة بشكل العالم وطريقة إدارته هي أوامر نهائية لا ترد، مستخدماً في الترويج لتلك الفكرة بجانب استعراض قوته وترسانته الحربية وأسلحته الحديثة والمتطورة، أبواق الدعاية عبر الآلة الإعلامية الجبارة التي يسيطر عليها وتمتلكها وتدير معظمها مؤسسات ضخمة صهيونية الطابع والأهداف.

والحقيقة أنهم حققوا نجاحات كبيرة في الترويج لفكرتهم تلك، حتى أنها تحولت إلى شبه يقين عند البعض، وخاصة النخب الفكرية والسياسية الهشة في بلدان العالم الثالث التي تتلقف هذه الأفكار والمشاريع وتتعاطى معها باعتبارها واقع مؤكد وأوامر واجبة النفاذ، ومن قبلهم أيضًا السلطات الاستبدادية القمعية المعزولة عن شعوبها والتي تتعامل مع مخططات اليمين الأمريكي والمشاريع الصهيونية معاملة العبد للسيد، بعد أن سمحت للمؤسسات المالية العالمية الكبرى أن تتحكم في  اقتصاداتهم عبر إغراقهم في الديون وتيسير عمليات الفساد المؤسسي المقصود بدولهم.

وبتأمل تلك الفكرة جيداً ورصد مسار ومصير معظم المخططات الاستعمارية والعنصرية في الكثير من أنحاء العالم سنجد أنها تبوء بالفشل الذريع في كثير من الأحيان وأنها لا تعدو أن تكون وهم كبير سرعان ما ينهار أمام صمود ومقاومة الشعوب ونخبها الوطنية الواعية، رغم المؤامرات وعجرفة القوة والبلطجة التي يمارسها أصحاب تلك المخططات. ولنا في فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير ومن بعده صفقة القرن المتعثرة حتى الآن خير دليل على ذلك.

ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (وكالات)
ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (وكالات)

الشرق الأوسط الكبير والفشل الأول:

الشرق الأوسط الكبير، هو مصطلح سياسي تم طرحه في مارس 2004 في بحث نشرته مؤسسة كارنيجي الأمريكية، تشير فيه إلى منطقة محددة بشكل غامض تسمى منطقة الشرق الأوسط الكبير، وتضم كامل البلدان العربية إضافة إلى تركيا، إيران، افغانستان، وباكستان مع توقع ضم دول أخرى ذات أغلبية مسلمة مثل إندونيسيا وبنجلاديش ودول آسيا الوسطى وتضم الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي المنحل. وقد قدمت الورقة مقترحا لتغيير جذري في طريقة تعامل أمريكا والغرب مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مشروع الشرق الأوسط الجديد أو صفقة القرن كما يطلق عليه، هو التطور الطبيعي لنظرية الفوضى الخلاقة وأطروحات الشرق الأوسط الكبير، مع اجراء التعديلات التي تتوافق مع أغراض الصهيونية العالمية الصريحة واليمين الأمريكي اللاإنساني المعادي والمتعالي على سكان الكوكب، وكذلك مع طموح وأطماع قادة دولة الكيان العنصري الصهيوني.

جاء الطرح الرسمي لمشروع الشرق الأوسط الكبير لأول مرة على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس التي عرضت رؤية إدارة بوش لمستقبل المنطقة في الفترة الثانية في يونيو 2006 في دبي. وقالت رايس حرفياً، إن ذلك سيتم من خلال ” الفوضى الخلاقة ” وهي العبارة التي كررتها بعد بضعة أسابيع خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، عندما اندلعت حرب لبنان عام ٢٠٠٦.

وبُنيت فكرتهم الأساسية على أساس تسليم المنطقة لقيادة من أُطلق عليهم في ذلك الوقت بالإسلام السياسي المعتدل بقيادة تنظيم جماعة الإخوان العالمي، المتحالف معهم والمُسيطر عليه بالكامل. هذا وقد جاءت الأحداث التالية مخيبة لآمالهم ولجهودهم ولمخططاتهم للمنطقة، ونخص بالذكر هنا الدور الحاسم الذي لعبته مصر بتلاقي ارادة شعبها مع رغبة قواتها المسلحة الذين حسموا عملية افشال نقل السلطة في مصر للإسلام السياسي الذي أراد العودة بالبلاد 500عام على الأقل لما قبل الحضارة الحديثة، كما جاء الفشل كذلك بحكم طبيعة التناقضات وتعارض المصالح بين الأطراف المتباينة لمكونات ذلك المشروع الوهمي.

مشروع الشرق الأوسط الجديد:

أعيد طرح مشروع شرق أوسط جديد أو ما يطلق عليه أيضاً صفقة القرن لأول مرة مع توقيع “اتفاقيات التطبيع” بين الإمارات والبحرين من جهة و”إسرائيل” من جهة أخرى في 15 سبتمبر 2020، عندما ردّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل نهاية ولايته الأولي، وصهره جاريد كوشنر الذي كان يشغل منصب كبير مستشاريه في ذلك الوقت، عبارة “الشرق الأوسط الجديد” في وصفهما للمشهد الذي سيتشكّل إثر توقيع هذه الاتفاقيات.

هذا وقد اتسم الطرح بالصلف والصراحة حد الوقاحة هذه المرة.

فمشروع “الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل عليه إدارة ترامب منذ ولايته الأولى والذي يجري العمل عليه حالياً على قدم وساق ” هو خطة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط بما يخدم مصالح إسرائيل والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهو لا يقوم فقط على الصراعات العسكرية أو السياسية، بل يتغلغل في الاقتصاد، والتحالفات الإقليمية، والأنظمة الاجتماعية للدول العربية.

وتأتي الأهداف الاستراتيجية المعلنة لذلك المشروع متضمنة ما يلي:

١تعزيز الهيمنة الإسرائيلية:

وهو ما يأتي في مقدمة الأهداف الرئيسية للمشروع، عبر تثبيت إسرائيل كقوة إقليمية عظمى في المنطقة، وتطبيع العلاقات مع دول عربية وتحويل إسرائيل من دولة تواجه “عداءً” إلى دولة حليفة للدول العربية.

وهو ما يعني ايضاً أن إسرائيل لن تظل فقط “موجودة”، بل ستصبح لاعبًا أساسيًا في صنع القرار الإقليمي، بما تتمتع به من مكانة رائدة في مجالات مثل التكنولوجيا، الأمن، والاستخبارات والقوة العسكرية عبر الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود.

ملصقات لزعيم حماس السابق أحمد ياسين، والقائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، وزعيم الحوثيين مهدي المشاط في صنعاء باليمن
ملصقات لزعيم حماس السابق أحمد ياسين، والقائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، وزعيم الحوثيين مهدي المشاط في صنعاء باليمن

وبالتوازي مع ذلك تتم شيطنة مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة للاحتلال واستخدام النفوذ السياسي والإعلامي العالمي لتشويهها وتصويرها على أنها جماعات إرهابية تهدد الأمن والسلم العالمي.

والإجهاز على فكرة حل الدولتين بتوجيه ضربات قاسية، بل ومميتة للشعب الفلسطيني بهدف تيئيسه وجعل حياته في الضفة وغزة شبه مستحيلة، تمهيدا لدفعه قسراً على ترك وطنه والقبول بالهجرة إلى دول الجوار أو الي ما وراء البحار.

  1. تقسيم الدول العربية:

وهو من أكثر الوسائل فعالية في تعزيز الهيمنة الإسرائيلية فتفتيت الدول العربية الكبرى وتقسيمها على أسس عرقية وطائفية ومذهبية إلى كيانات أصغر ضعيفة وغير قادرة على مواجهة إسرائيل عسكريًا أو سياسيًا هو أحد أهم ملامح الشرق الأوسط الجديد وهو ما سيعزز أمنها و يضمن تفوقها لعشرات السنين.

  1. التطبيع الاقتصادي:

يسعى المشروع إلى دمج إسرائيل في الاقتصادات العربية، ليس فقط عبر التجارة التقليدية، بل من خلال إقامة شراكات في التكنولوجيا، الطاقة، والبنية التحتية. الهدف هنا هو تحويل إسرائيل إلى مركز اقتصادي رئيسي في المنطقة بحيث يعتمد جيرانها العرب على اقتصادها.

  1. السيطرة على الموارد الطبيعية:

وهو ما يمثل جزءاً كبيراً من الاستراتيجية التي تسعى إلى ضمان سيطرة القوى الغربية وإسرائيل على الموارد الطبيعية بالإقليم وعلى وجه الخصوص البترول والغاز بهدف تأمين مصادر الطاقة بشكل يخدم الاقتصاد الأمريكي والغربي ويعزز نفوذ إسرائيل على حساب دول المنطقة.

هل من امكانية لنجاح صفقة القرن أو ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد:

إن مشروع الشرق الأوسط الجديد أو صفقة القرن كما يطلق عليه، هو التطور الطبيعي لنظرية الفوضى الخلاقة وأطروحات الشرق الأوسط الكبير، مع اجراء التعديلات التي تتوافق مع أغراض الصهيونية العالمية الصريحة واليمين الأمريكي اللاإنساني المعادي والمتعالي على سكان الكوكب، وكذلك مع طموح وأطماع قادة دولة الكيان العنصري الصهيوني.

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)

هذا وقد حققت مخططات العدو الصهيوأمريكي حتى الآن قدر كبير من النجاح في تنفيذ ذلك المشروع على الأرض حيث:

  • تم إضعاف الدول العربية الكبرى بإغراقها في الديون التي أرهقتها وأدخلتها في دائرة لا نهائية يصعب الفكاك منها.
  • ربط دول المنطقة بسياسات مالية واقتصادية عالمية، ساهمت في إضعاف وتشويه الهياكل والبنى الاقتصادية الانتاجية لجميع تلك الدول وجعلتها عاجزة عن إنتاج ما يجعلها صاحبة قرار وقدرة مستقلة.
  • إدخال المنطقة شعوبا وحكومات في كمية من الصراعات الداخلية التي ساهمت في إضعاف معظم دول المنطقة، بل وأدّت إلى تفتيتها داخليا تمهيدا لتقسيمها الي دويلات صغيرة.
  • إلحاق هزائم عسكرية واضحة لعدد من الكيانات التي مثلت حتى الأمس القريب مراكز مناوئة للاحتلال الإسرائيلي وأطماعه في المنطقة.

كيف نتصدى لمشروع “الشرق الأوسط الجديد”؟:

كون الفلسطينيين في طليعة مقاومة هذا المشروع، فهم يمثلون العقبة الأساسية أمام تحقيق الأهداف الإسرائيلية الكاملة، حيث يمكن، بل ويجب التحرك على المستويات التالية:

  • التشبث بالأرض: وهو ما يعني تبني الفلسطينيون لجميع التكتيكات التي تحول دون تمكين العدو الصهيوني من تنفيذ مخططاته حتى النهاية، والرهان على التعاطف الدولي والإنساني القائم حتى الآن لمنع التهجير القسري أو الطوعي المزعوم.

    300 ألف فلسطيني يعودون إلى شمال غزة (وكالات)
    300 ألف فلسطيني يعودون إلى شمال غزة (وكالات)
  • استعادة مسار نضال الشعب الفلسطيني بجميع قواه تحت قيادة وطنية موحدة، وتصحيح مسيرة نضاله باعتبار أن قضيته بالدرجة الأولى هي قضية تحرر وطني، قضية صراع ضد احتلال واغتصاب للأرض والوطن الفلسطيني وليست مسألة صراع ديني أو صراع بين قوى متخلفة أو همجية في مواجهة دولة حديثة كما يدعي مجرمي الحرب الصهاينة واليمين الفاشي العالمي.
  • بذل الجهد لإقناع وإجبار المحيط العربي كله بأن بقاء النظام العربي الإقليمي واستمراره، مرهون ببقاء شعب وأرض ودولة فلسطين العربية، وأن النكبة الثالثة لن تكون فلسطينية فقط، وإنما ستطال نظم ودول المنطقة العربية بالكامل.
  • دعوة الدول العربية، حكاماً وشعوب لإعادة النظر في مجمل السياسات التي أوصلتنا جميعاً الى هذا المستوى من الضعف والهوان، والسعي لاستعادة زمام المبادرة العربية وفقاً للمصالح المشترك وليس بحسب الشعارات، كما فعلت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وهي في حال أضعف من حالتنا الراهنة.

فهل سنتمكن من إيقاف استكمال الصهاينة لمشروعهم التدميري، أم سندعهم يحققون أهدافهم برسم خريطة جديدة للمنطقة تكون لهم فيها السيادة المطلقة؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة