سوريا القريبة من الحرب الأهلية

لم يكن الساحل السوري بعيدًا عن التوتر العسكري، إذ تُعدّ طرطوس واللاذقية مناطق نفوذ وحاضنة شعبية لنظام الأسد وعائلته وطائفته العلوية، فضلًا عن كونها مركزًا للمجموعات الموالية، والتي انطلقت منها لتنفيذ تحركاتها.

لكن ما شهدته سوريا في الأيام الأخيرة من اشتباكات دامية هو الأخطر حتى الآن، وقد سقط نحو ألف قتيل، أغلبهم من المدنيين الذين تعرّضوا لمجازر في منازلهم وفي الشوارع، ما يُنذر باندلاع حرب أهلية قد تدفع المنطقة بأكملها نحو هاوية جديدة. خاصة وأن المستجد الأبرز الذي يتردد الآن هو إعلان ما يُسمى "المجلس العسكري لتحرير سوريا"، بقيادة أحد القادة العسكريين في نظام بشار الأسد، وفقًا لتقرير عن وكالة رويترز.

أربعة أيام دامية

4 أيام وصفتها نيويورك تايمز بالأعنف والأسوأ منذ إطاحة حكومة الأسد في أوائل ديسمبر الماضي، على يد الإسلاميين الذين أصبح الرئيس منهم الآن. وقد جاء عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يراقب الصراع السوري منذ 2011 "أن القوات الحكومية شنت هجمات بطائرات من دون طيار ودبابات ومدفعية يوم الأحد الماضي، وأنها كانت تبحث في مناطق أخرى عن جماعات مسلحة تابعة لجيش النظام المخلوع".

وتفاوتت حصيلة القتلى خلال يومين من القتال العنيف، حيث ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان SNHR، أن 148 مدنيًا قُتلوا على يد مواليي الأسد و327 مدنيًا ومقاتلًا أسيرًا قتلوا على يد قوات الأمن السورية.

ومن جانبها، أعلنت الرئاسة السورية، مساء الأحد، تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في هذه الأحداث، وذلك في إطار ما وصفته بـ"تحقيق السلم الأهلي وكشف الحقيقة".

ووفق بيان الرئاسة، ستتولى اللجنة تقصي أسباب وملابسات الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، إضافة إلى الاعتداءات على المؤسسات العامة وعناصر الأمن والجيش، مع تحديد المسؤولين عنها.

وأكدت الرئاسة أن الجهات الحكومية مطالبة بالتعاون الكامل مع اللجنة، التي يحق لها الاستعانة بمن تراه مناسبًا لإنجاز مهمتها. ومن المقرر أن تقدم تقريرها النهائي خلال 30 يومًا.

وتضم اللجنة سبعة أعضاء، بينهم القضاة جمعة الدبيس العنزي، وخالد عدوان الحلو، وعلي النعسان، وعلاء الدين يوسف، وهنادي أبو عرب، إلى جانب العميد عوض أحمد العلي، والمحامي ياسر الفرحان.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن حصيلة القتلى حتى مساء السبت بلغت 1018 شخصًا، بينهم 745 مدنيًا قُتلوا في مجازر ذات طابع طائفي. كما أشار إلى تدهور الوضع الإنساني مع انقطاع الكهرباء والمياه في ريف اللاذقية لليوم الثاني، ما أدى إلى تعطل الخدمات الأساسية، بما فيها الاتصالات.

وقد تركزت الاشتباكات في المحافظات الساحلية، حيث يعيش أغلب أفراد الأقلية الدينية العلوية في البلاد التي كانت تُهيمن على الطبقة الحاكمة والرتب العليا من الجيش في عهد حكومة الأسد، بما في ذلك عائلة الأسد نفسها وهو ما أثار مخاوف من تجدد الصراع الطائفي في البلاد.

ونقلًا عن الجريدة فقد بدأ إطلاق النار فجر الجمعة في بلدة الحفة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في سوريا.

وفي الريف القريب من محافظة اللاذقية، قال سكان إن مسلحين موالين للأسد يحتجزون عشرات من أفراد الأمن الحكوميين كرهائن بعد أن سيطروا على المنطقة في اليوم السابق. وفي مناطق أخرى، حمل السكان المحليون السلاح وتمركزوا خارج منازلهم لحماية أسرهم، بعد سماع تقارير عن قيام القوات الحكومية بقتل المدنيين.

وفي بانياس، وهي بلدة تقع على الطرف الشمالي من محافظة طرطوس، اقتحم مسلحون يبدو أنهم تابعون للحكومة الأحياء ذات الأغلبية العلوية في البلدة في وقت متأخر من ليل الخميس، وفقًا لأربعة سكان.

وقال غيث مصطفى، أحد سكان بانياس، إنه قضى معظم يومي الجمعة والسبت متجمعا مع زوجته هالة حامد وابنهما البالغ من العمر شهرين خلف باب منزلهم الأمامي – وهو المكان الوحيد في شقتهم الصغيرة الذي لم يكن بالقرب من أي نوافذ.

وقال إنه سمع في وقت مبكر من صباح الجمعة دوي إطلاق نار كثيف مع اقتراب رجال مسلحين من المبنى الذي يقطنه. ثم سمع صراخ رجال وإطلاق نار وصراخ قادم من الشقة الواقعة أسفل منزله. وعلم فيما بعد أن جيرانه في الطابق السفلي قُتلوا.

وقال مصطفى (30 عامًا) في مقابلة هاتفية: "كنت خائفا للغاية على طفلي وعلى زوجتي. كانت خائفة للغاية. ولم أكن أعرف كيف أمنعها من إظهار أنني أيضا خائف علينا".

وأضاف، في كل مترين أو ثلاثة أمتار كانت هناك جثة ملقاة على الأرض. وكانت بقع الدماء ملطخة على الرصيف. وأضاف أن واجهات المتاجر تحطمت ويبدو أن العديد من المتاجر تعرضت للنهب.

ونقلت الجارديان عن رجل من بلدة الصنوبر، اللاذقية، بشرط عدم الكشف عن هويته من أجل سلامته. كيف قتل المسلحون ما لا يقل عن 14 من جيرانه الذين كانوا جميعًا من عائلة عريس، بما في ذلك والد يبلغ من العمر 75 عامًا وثلاثة من أبنائه أمام والدتهم. وأضاف بعد أن قتلوا الأب وأولاده، طلبوا من الأم أن تخلع ذهبها، وإلا سيقتلونها.

ما يحدث في سوريا

بعد احتلال الجيش الإسرائيلي لجنوب سوريا والتوغل العسكري في ريف درعا الشمالي، هدد جيش الاحتلال بالتدخل في حالة تعرض الأقلية الدرزية للخطر. الأمر الذي يكشف المخطط الصهيوني لتقسيم سوريا وجعلها منطقة مشتعلة الأحداث حتى يتسنى له جعل الشريط الحدودي منطقة منزوعة السلاح وتحت سيادته أو فتح المجال نحو قيام دولة درزية موالية له، الأمر الذي أثير من قبل بعض الطوائف الدرزية في السويداء على غرار التجربة الأمريكية للإدارة الذاتية الكردية فى مناطق الشمال السوري من قبل قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

تزامن هذا الطرح مع رفض قوات "قسد" مطالب الحكومة السورية الجديدة بتسليم السلاح وتفكيك نفسها كتنظيم والقبول بالانضمام إلى مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. فبالرغم من رفض الأكراد الانفصال عن الدولة السورية إلا أنهم حافظوا على الإدارة الذاتية لمناطق النفوذ الكردية.

ويرى الكاتب طارق الحميد في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية إنه من غير الممكن إلقاء مسؤولية ما وصفه بالعمليات العسكرية "الإجرامية" التي وقعت في مناطق الساحل السوري على "فلول نظام الأسد" فقط.

ويرى الكاتب أن ما حدث في الساحل السوري هو "مخطط خارجي" يهدف إلى تحقيق هدفين: الأول، في حال نجاح الخطة وعزل الساحل عسكريًا، فإن ذلك سيؤدي إلى تفكيك سوريا وتحويل الساحل إلى منطقة اشتعال.

أما الهدف الثاني، في حال فشل الخطة، فهو اللجوء إلى "حملة مظلومية" للحفاظ على الأقليات، مما سيؤدي إلى تعطيل رفع العقوبات عن سوريا. وكلا الاحتمالين يعنيان تعطيل مسار سوريا الجديدة، بحسب المقال.

قلق دولي وطلب عاجل

وطلبت الولايات المتحدة وروسيا من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع مغلق، يوم الاثنين، لمناقشة تصاعد أعمال العنف في سوريا، وفق ما أفاد به دبلوماسيون، الأحد.

في السياق ذاته، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بـ"التقارير المزعجة للغاية" حول مقتل عائلات بأكملها في شمال غرب سوريا، حيث أسفرت الاشتباكات بين قوات الأمن ومسلحين موالين للنظام السابق عن أعلى حصيلة قتلى منذ اندلاع الثورة عام 2011.

ودعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى فتح تحقيق في عمليات القتل ومحاسبة المسؤولين عنها. وقال في بيان: "نتلقى تقارير مقلقة للغاية عن مقتل أسر بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال والمقاتلين المستسلمين. يجب أن يتوقف قتل المدنيين في المناطق الساحلية بشمال غرب سوريا فورًا".

وأشار تورك إلى "وجود تقارير حول عمليات إعدام موجزة على أسس طائفية من قبل جهات غير محددة، ومن قبل عناصر في قوات الأمن التابعة للسلطات المؤقتة، إضافة إلى مجموعات مرتبطة بالحكومة السابقة".

في غضون ذلك، تعهّد الرئيس السوري، أحمد الجولاني، بمحاسبة كل من "تورط في دماء المدنيين"، عقب اشتباكات بين قوات الأمن والمجموعات الرديفة لها من جهة، ومسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد من جهة أخرى، في غرب البلاد.

من جانبها، أدانت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا "الجرائم المرتكبة" بحق السكان في المناطق الغربية، مؤكدة في بيان أن "هذه الممارسات تعيدنا إلى حقبة سوداء لا يريد الشعب السوري تكرارها"، وطالبت بمحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة