بدء تطوير الموسكي.. ما مصير 40 ألف بائع جائل في العتبة؟

ظل شارع الموسكي، على مدار عقود، أحد أهم الشوارع التجارية في العتبة بمنطقة وسط القاهرة، يفد إليه الآلاف من الطبقات الفقيرة والمتوسطة لشراء احتياجاتهم من الملابس والأحذية يوميًا، خاصةً بعدما أصبحت الأسعار في المحال التجارية "لمن يجد إليها سبيلًا".

منذ يومين، اختفى ضجيج الباعة في بعض شوارع الموسكي ليحل محلها صوت معدات محافظة القاهرة التي بدأت خطة لتطوير المنطقة بتكسير عدة طريق لإعادة رصفها، إلى جانب إخلاء شوارع جانبية مثل الجوهري ويوسف نجيب والعسيلي كمرحلة أولى، ونقل الباعة بهم إلى جراج العتبة بصورة مؤقتة لحين الانتهاء من أعمال التطوير.

تتضمن خطط التطوير أيضًا تسليم الباعة 473 باكية بدلًا من الفروشات التي يستخدمونها وتنسيق أماكنها بحيث لا تعطل طريق أصحاب المحال التجارية في المنطقة، بجانب ترميم وطلاء واجهات عدد من العقارات ذات الطراز المعماري المميز بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضاري.

اتفاق على التطوير.. ولكن

أثارت خطط التطوير قلقًا لدى الباعة في منطقة العتبة التي سيأتي دورها في التطوير لاحقًا، في ظل ارتفاع عدد البائعين في المنطقة الذي يتم حصره حاليًا، ومدى قدرة المنطقة على استيعابهم مجددًا بالكامل بعد التطوير.

لا يعارض أحمد مصطفى، بائع من الفيوم يبيع ملابس بالموسكي، التطوير إذا كانت المحافظة ستسلم الباعة طاولات أو باكيات، فالفروشات تمثل عبئًا عليهم في تغطيتها وربطها ليلًا بالأحبال عشرات المرات حتى لا تتعرض للسرقة، لكن المشكلة تكمن في التوقيت الذي جاء في مطلع شهر رمضان.

يقول مصطفى: "النصف الثاني من رمضان... هذا هو الموسم بالنسبة لبياعين العتبة والموسكي... الناس بتأتي لشراء من كل المحافظات بسبب الأسعار القليلة... ولدي زبائن يأتون كل سنة إلى مكان الفرشة المعروفة أمام المحل الذي أفرش فيه... وعندما أتنقل إلى جراج العتبة لن يعرفوا كيفية الوصول إليّ".

ويعتقد قطاع كبير من الباعة أن جراج العتبة لن يستوعب الأعداد الكبيرة من البائعين حال تنفيذ جميع مراحل التطوير دفعة واحدة، مستشهدين بمثال سوق الترجمان عندما تم نقل باعة رمسيس إليه، حيث فقدوا الزبون "الطياري" الذي كان يشتري بالصدفة أثناء خروجه أو دخوله محطة السكك الحديدية.

خطط للتعامل مع الباعة على مدار 10 سنوات

كانت الدولة قد وضعت خطة في عام 2014 لنقل باعة وسط البلد، ومنهم باعة رمسيس، إلى جراج الترجمان، لكنها تراجعت عن ذلك بسبب عدم كفاية الأماكن في جراج الترجمان، التي لا تتجاوز 1750 مكانًا، وهو ما يمثل تقريبًا عدد الباعة في منطقة وسط البلد وبولاق أبو العلا.

وفي عام 2015، عادت محافظة القاهرة بخطة تضمنت نقل باعة رمسيس إلى جراج موقف "أحمد حلمي"، وأكدت التزامها بإخلاء منطقة وسط البلد من الباعة تمامًا. ومع ذلك، عاد الباعة الجائلون مجددًا إلى الميدان، وسط شكاوى من غياب الزبائن الذين يذهبون إلى الجراج للشراء.

ويقول مسؤول بمحافظة القاهرة إن الباعة سيعودون مجددًا إلى المكان، ولكن بعد تطويره وإعادة المنطقة لمظهرها الحضاري، مع توفير مكان يستطيع المواطنون السير فيه بأمان، وكذلك إنشاء مسارات للمحلات التي تعيق الفروشات الطريق.

وبحسب المسؤول في المحافظة، فإن عدد الباعة الجائلين في شوارع العتبة والأزهر والموسكي يقدر بنحو 40 ألف بائع، ما يعني أن آلاف الأسر لن تُترك بدون دخل، وبالتالي يراعي التطوير البعد الاجتماعي ولن يكون سببًا في قطع أرزاقهم.

وكانت وزارة التنمية المحلية قد وضعت مخططًا لإنشاء سوق حضاري بمنطقة العتبة للقضاء على ظاهرة الباعة الجائلين، على غرار سوق الخميس بالمطرية، ضمن مشروع تطوير القاهرة الخديوية في عام 2021. لكن تلك الخطة لم تُنفذ، ولم يتم معرفة تفاصيلها حتى الآن.

ومن ضمن مستهدفات الخطة الحكومية إنشاء 1150 سوقًا في مصر بتكلفة إجمالية تتجاوز 44 مليار جنيه (بحسابات عام 2021)، وهي تكلفة تعتبرها الدولة منخفضة مقارنة بما يتم تحمله من استغلال الباعة الجائلين للأرصفة وتعطيل المرور وسرقة التيار الكهربائي من أعمدة الشوارع.

ويقول المسؤول إن الدولة لديها تجارب سابقة يتم البناء عليها، مثل تطوير سوق التونسي، التي ضمت خمس أسواق عشوائية بمنطقة البساتين على مساحة 30 ألف متر وبتكلفة تجاوزت 300 مليون جنيه.

أصحاب المحال التجارية يشتكون المزاحمة

يقول محمود جمال، صاحب محال بالعتبة، إن أصحاب المحلات يعانون من تكدس الفروشات، رغم أن المحال تدفع ضرائب ورواتب على عكس أصحاب الفروشات. كما أن المحال تتعرض للخطر باستمرار حال حدوث حرائق، إذ تعوق إشغالات الباعة وصول عربات الإطفاء.

شهدت منطقة الموسكي والعتبة عدة حرائق في الأشهر الأخيرة، كان آخرها في يناير الماضي حينما نشب حريق في عقار بدرب البرابرة، وهي من المناطق التي يتوقع أن تشملها خطط التطوير الحكومية. واستمر الحريق 8 ساعات متواصلة، كما نشب حريق ضخم في يوليو الماضي بالعتبة أيضًا، وتسبب في وفاة شخص وإصابة 12 آخرين، بالإضافة إلى خسائر بالملايين.

ويطالب محمود جمال بأن يشمل التطوير شارعي الأزهر والجيش، اللذين يشهدان تكدسًا مروريًا طوال العام، رغم استقبال المنطقة حجمًا كبيرًا من السياح الذين لا يستطيعون المرور بسبب مزاحمة الباعة وبضائعهم.

ما البديل أمام الباعة الجائلين؟

رغم تغليظ القانون رقم 105 لسنة 2012 على تغليظ العقوبة على الباعة الجائلين، ومصادرة بضائعهم لإشغال الطريق وتعطيل حركة المرور، فإن أعدادهم تتزايد في العتبة تحديدًا، بحكم القبلية والعائلة، خاصة الوافدين من الصعيد الذين يتكتلون في فروشات مجاورة لبعضهم البعض.

يقول طارق علي، بائع جائل من أسيوط، إنه و8 من أفراد عائلته يعملون في وسط البلد بحثًا عن الرزق في متوالية، حيث جاء ابن عمه أولًا وبعدها وفر أماكن للسبعة الآخرين. ويضيف: "البيع في شوارع العتبة والموسكي يسيطر عليه أبناء 3 محافظات هي أسيوط وسوهاج والمنيا".

ويضيف علي أن أصحاب المحال التجارية هم السبب في توطن الباعة الجائلين، إذ يستعينون بالباعة لترويج بضائعهم الرخيصة أو التي تتضمن عيوبًا أو المستعملة الواردة من الخارج أو التي تقادمت موضتها.

ويتابع: "أصحاب المحال التجارية يرفضون دائمًا وجود الباعة أمامهم، لكنهم هم السبب في تحول الباعة الجائلين إلى باعة دائمين في المنطقة، وهم الذين وفروا لهم البائعين مقابل نسبة من الأرباح، كما يستعينون بـ"الدلالين" الذين يطاردون المارة لجذبهم داخل المحل مقابل مبلغ مالي على كل زبون".

ويقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن أعداد الباعة الجائلين تزايدت بسبب عدم الربط بين الخريجين وسوق العمل، وارتفاع نسبة البطالة. فيحاول البعض تحقيق مصدر دخل عبر شراء بضاعة بالجملة وبيعها بالتجزئة، لكن هذا الملف بحاجة للتقنين، وشرح مزاياه بالنسبة لهم.

ويضيف عزام أن تقنين أوضاع الباعة يحميهم من التهديد بالطرد وفقدان جزء من بائعهم في بعض الأحيان أثناء الهروب أو مصادرتها، لكنهم يحتاجون إلى أن يكون التقنين في منطقة قريبة من أماكن نشاطهم، وألا تفرض الدولة أعباء مالية كبيرة عليهم تحد من مكاسبهم.

إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تؤكد وجود 7 ملايين بائع متجول، حجم تجارتهم تجاوز 80 مليار جنيه لا تستفيد منها الدولة، وهي التجارة المنتشرة في شوارع مصر دون رقيب بين الباعة المتجولين والتي يطلق عليها الاقتصاد الأسود أو الاقتصاد السري.

يقول عزام إن الدولة تسعى حاليا لتطبيق تجربة الصين في التعامل مع الباعة الجائلين بقصر نشاطهم على الشوارع الجانبية التي لا تمر بها المواصلات ووضع أكشاك صغيرة لهم بمساحة لا تتخطى متر ونصف لكل بائع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة