أعلنت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، خلال مؤتمرها الختامي لمشروع "مناهضة التمييز ضد النساء من أجل العدالة الجندرية"، عن نتائج المبادرة التي استمرت لمدة عام. حيث شملت أبرز الإنجازات إعداد المسودة النهائية لمشروع قانون إنشاء مفوضية مكافحة التمييز، وذلك بالتعاون مع مجموعة منظمات ومبادرات وشخصيات قانونية معنية بالقضايا النسوية.
الفكرة بدأت في 2024.. وتأخر الدولة هو دافعها
مديرة برنامج الوصول إلى العدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، جواهر الطاهر، تكشف في حديثها لـ فكر تاني، أن إنشاء قوة عمل لصياغة قانون لإنشاء مفوضية لمناهضة التمييز بدأ بدعوة من مؤسسة المرأة الجديدة في أبريل 2024، حيث عُقد الاجتماع التأسيسي لقوة العمل، والذي ضم مجموعة من المؤسسات والمبادرات النسوية مثل "سوبر وامن"، "مؤنث سالم"، "دعم"، و"جمعية بناة المستقبل"، بالإضافة إلى عدد من المحامين والفاعلين في الحقل القانوني والنسوي.
وتضيف: "كنا جزءًا من قوة العمل كمؤسسة قضايا المرأة، وبفضل خبرتنا في صياغة مشروعات القوانين، أخذنا على عاتقنا خلال الأشهر الماضية إعداد مقترح قانون إنشاء المفوضية، حتى خرجنا بالمسودة النهائية لمشروع القانون، ونستعد للترويج لإنشاء المفوضية خلال الفترة المقبلة".
ووفق جواهر، فإن فلسفة مقترح قانون إنشاء المفوضية "تقوم على تحديد دورها في تنقية القوانين المصرية الحالية من أشكال التمييز، واقتراح قوانين جديدة تناهض التمييز في المجتمع".
وحول أسباب تأخر الدولة المصرية في إنشاء المفوضية حتى الآن، رغم مرور 11 عامًا على صدور دستور 2014، تقول جواهر: "ليس فقط إنشاء المفوضية هو الذي تأخر، نحن ننتظر أيضًا مشروع قانون أحوال شخصية جديد بدلًا من الحالي الذي يعود عمره إلى 104 سنوات، ومع ذلك لم يخرج إلى النور حتى الآن!".
تنص المادة (53) من الدستور المصري لعام 2014 على أن: "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
وتضيف جواهر: "نحن، كمجتمع مدني، لا نيأس، ودورنا لا يقتصر على تقديم مشروع القانون، بل اجتمعنا في قوة العمل خلال العام الماضي مع عدد من نائبات البرلمان، منهن نشوى الديب، مها عبد الناصر، وسهام مصطفى، وناقشنا معهن مقترح قانون إنشاء المفوضية، وقد أبدين استعدادهن لتبني المشروع".
وتؤكد مديرة برنامج الوصول إلى العدالة أن قوة عمل إنشاء مفوضية مكافحة التمييز مستمرة في حملتها الترويجية لمشروع القانون، مضيفة: "سوف نستغل الاحتفاء بشهر المرأة في مارس للترويج لضرورة إنشاء المفوضية، وإذا لم نتمكن من إدراج القانون في البرلمان الحالي، فسنواصل التشبيك مع المرشحين والمرشحات للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أكتوبر المقبل لكسب تأييدهم لتبني مشروع القانون".
لماذا هو مهم؟
وفق، عبد الفتاح يحيى، المحامي بالنقض والمستشار القانوني بمؤسسة قضايا المرأة، فرغم وجود نص دستوري في المادة (53) بشأن إنشاء مفوضية لمناهضة التمييز، إلا أنه حتى الآن لا يوجد تعريف محدد للتمييز في التشريع المصري. بينما التعريف الوحيد للتمييز موجود في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقّعت عليها مصر وصدقت عليها عام 1981، والتي تُعتبر جزءًا من القانون الوطني وفقًا للمادة 96 من الدستور، التي تنص على التزام مصر بالاتفاقيات الدولية باعتبارها قانونًا ملزمًا.
ويقول يحيى لـ فكر تاني: "اعتمدنا على تعريف الاتفاقية في صياغة مشروع قانون مفوضية مناهضة التمييز، ونصت المادة الأولى من الباب الثاني للأحكام العامة والتعريفات على أن التمييز هو 'كل تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تعطيل – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – يهدف إلى أو يؤدي إلى إبطال أو تقويض الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة، وذلك بسبب الجنس، العرق، اللون، النسب، الأصل القومي أو الإثني، الدين، العقيدة، الجنسية، الهوية الجنسية، اللغة، الإعاقة، الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية، أو أي وضع آخر'".
ويشير يحيى إلى أن الباب الثاني من مقترح القانون تضمَّن تعريفات أخرى، قائلًا: "صغنا تعريفًا دقيقًا لخطاب الكراهية والحد الفاصل بينه وبين عدم المساس بحرية الرأي والتعبير، كما عرفنا في المقترح مفاهيم مثل الشاهد، والمُبلّغ، والمتطوع، ومُقترف التمييز، وضحية التمييز".

هيكل المفوضية وصلاحياتها
وعن هيكل عمل المفوضية وما إذا كانت هيئة تنفيذية أم استشارية، يوضح يحيى أن "مقترح القانون لم يغفل ذلك، فقد خصص الباب الثاني لأهداف وصلاحيات المفوضية، ونصَّ على أنها هيئة مستقلة يُعيّن مجلس النواب أعضاءها، ويصدر رئيس الجمهورية قرار تعيينهم، وينشر في الجريدة الرسمية. ويكون مقر المفوضية في محافظة القاهرة، مع إمكانية إنشاء فروع أو مكاتب أو مراكز نوعية في جميع أنحاء الجمهورية لتحقيق أهدافها. كما تتمتع المفوضية بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري في ممارسة مهامها وأنشطتها واختصاصاتها".
ويضيف أن مشروع القانون اقترح أن تتشكل المفوضية من 29 عضوًا، يُنتخب من بينهم الرئيس/ة، النائب/ة، وأمين/ة الصندوق، ويصدر قرار تعيينهم من رئيس الجمهورية. كما نصَّ المقترح على أن يكون ثلث الأعضاء من العاملين بمؤسسات المجتمع المدني، وألا تقل نسبة كل من النساء والرجال عن ثلث الأعضاء. وتكون مدة العضوية أربع سنوات غير قابلة للتجديد. كما أشار إلى أن المقترح يحظر على المتقدمين للعمل بالمفوضية الجمع بين عضويتها والعمل بالجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية، منعًا لتضارب المصالح.
ويؤكد يحيى أن إنشاء المفوضية بمفردها ليس حلًا كافيًا دون وجود قانون يجرّم التمييز، موضحًا: "رغم ذلك، فقد صاغ مشروع القانون صلاحيات واختصاصات محددة للمفوضية، منها مراجعة القوانين وتنقيتها من المواد التمييزية، وتقديم مقترح بذلك لمجلس النواب لإجراء التعديلات المطلوبة خلال الفصل التشريعي ذاته. كما تملك المفوضية صلاحية إبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها، والتوصية باقتراح مشروعات قوانين وقرارات تعزز دعم المساواة، ومكافحة التمييز، وخطاب الكراهية".
ويتابع: "تتولى المفوضية اقتراح السياسة العامة للدولة لمناهضة التمييز بكافة صوره وأشكاله، كما تقترح مشروعات الخطط القومية والاستراتيجيات الوطنية لمكافحة التمييز على جميع المستويات".
اقرأ أيضًا:تأسيس مفوضية مكافحة التمييز بعد عشر سنوات من إقرار الدستور بأحقيتها
نحن بحاجة لقانون واضح يجرّم التمييز
ويؤكد يحيى أن إنشاء المفوضية وحده ليس حلًا كافيًا، قائلًا: "المفوضية دون سنّ قانون يجرّم التمييز لن يكون لها مردود فعّال. نحن بحاجة إلى جناحين لمناهضة التمييز في مصر؛ الأول يتمثل في المفوضية باعتبارها جهة مسؤولة عن رسم السياسات، تلقي الشكاوى، والطعن في القرارات أو اللوائح التمييزية، والثاني في وجود قانون يجرّم التمييز ويحدد العقوبات أمام نيابات ومحاكم مختصة. هذا التكامل من شأنه خلق ثقافة وبنية تشريعية جديدة تعزز مناهضة التمييز في المجتمع".
وحول إمكانية ظهور المفوضية وقانون يجرّم التمييز في ظل المناخ السياسي الحالي، يعلق يحيى قائلًا: "هناك إنكار لدى بعض صناع القرار لوجود قوانين تمييزية في مصر، ونلاحظ ذلك في تأكيد الدولة خلال مراجعاتها لملف حقوق الإنسان أمام المنظمات الدولية. فالدولة تنكر وجود تمييز، لأنه يُعتبر وصمة في سجل أي دولة، لكن لا مجال لهذا الإنكار، خاصة أن الدستور المصري نفسه يُلزم الدولة بإنشاء مفوضية لمناهضة التمييز، وهو اعتراف رسمي على أعلى مستوى تشريعي في مصر بوجود تمييز نحتاج إلى مكافحته. فلماذا إذًا نتأخر في إنشاء المفوضية وإصدار القانون؟".
ليس استبدالًا للقانون الواضح المطلوب
ويؤكد إسحاق إبراهيم، مدير برنامج المساواة ومنع التمييز بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن إنشاء مفوضية مكافحة التمييز يمثل آلية تنفيذية هامة، لكنه يعترف بأن إنشاء المفوضية لا يمكن أن يكون بديلًا عن سن قانون واضح لمكافحة التمييز.
ويوضح إبراهيم، في حديثه لـ فكر تاني، أن المفوضية يجب أن تكون مسؤولة عن مراجعة القوانين التي تتضمن جوانب تمييزية، مثل قوانين الأحوال الشخصية، والعقوبات، واللجوء، والجنسية، والعمل.

ويشير إلى أن مجرد إنشاء المفوضية دون دعمها بتشريعات فعالة قد يحولها إلى كيان شبيه بالمجالس القومية، مثل المجلس القومي للمرأة أو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو ما يتطلب وضع رؤية واضحة لضمان أن تكون المساواة في صلب تفكير صناع القرار عند صياغة القوانين والسياسات.
ويوضح إبراهيم أن التمييز يمس جميع الأسر في مصر بشكل أو بآخر، مؤكدًا أن المطالبات بإنشاء المفوضية لم تكن جديدة، حيث شهد البرلمان خلال الفترة (2015-2020) طرح مشروع قانون بهذا الشأن من قبل عدد من النواب، كما أوصى الحوار الوطني في 2023 بضرورة تأسيسها. ورغم تعهد الدولة خلال المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان في يناير 2025 بإنشاء المفوضية، إلا أنه لا توجد مؤشرات واضحة على نية إصدار قانون يجرّم التمييز قريبًا.
ويشير إبراهيم إلى أن المبادرة المصرية أعدت ورقة بحثية بعنوان "نحو قانون للمساواة ومنع التمييز في مصر.. المعايير والمبادئ التوجيهية"، موضحًا أنها استندت إلى الاتفاقيات الدولية، والدستور المصري، وأحكام القضاء، والتجارب الدولية، وخلصت إلى 11 معيارًا لسن القانون، و8 معايير لإنشاء المفوضية.
ويضيف أن التشريع المطلوب يجب أن يتضمن تعريفًا واضحًا وشاملًا للتمييز، يستند إلى المادة 53 من الدستور ويتماشى مع المواثيق الدولية. كما يجب أن يحدد الأفعال المحظورة، مثل التمييز المباشر وغير المباشر، والمضايقة، والتحرش، والحرمان من التسهيلات، والانتقام من مقدمي الشكاوى.
كما يشدد على ضرورة تحديد الجهات القضائية وغير القضائية المختصة بالفصل في النزاعات، وضمان استقلاليتها، مع توفير الدعم القانوني لضحايا التمييز، وتعزيز وصولهم إلى العدالة بشكل متكافئ.
اقرأ أيضًا:اليوم الأول للحوار الوطني..اتفاق حول مكافحة التمييز وانقسام حول النظام الانتخابي
لأن القضايا النسوية مهمشة والبرلمان يفتقر لأجندة
لمياء لطفي، استشارية النوع الاجتماعي وحقوق النساء وعضوة قوة عمل إنشاء مفوضية مكافحة التمييز، تؤكد من جانبها على أهمية دعم المنظمات النسوية للحراك المطالب بإنشاء المفوضية، مشيرةً إلى أن النساء يتعرضن لأشكال متعددة ومتقاطعة من التمييز، لا سيما الفئات الأكثر تهميشًا مثل النساء الفقيرات أو المنتميات لأقليات دينية.

وتوضح لمياء، في حديثها لـ فكر تاني، أن القضايا النسوية غالبًا ما يتم تهميشها عند الحديث عن المساواة بشكل عام، إذ يُفترض خطأً أن تحقيق المساواة للجميع سيؤدي تلقائيًا إلى تحقيقها للنساء، وهو ما ثبت عدم صحته في عدة تجارب، مثل العمل على استقلال القضاء، حيث لم يتم تمكين النساء رغم الجهود المبذولة.
وتشدد على ضرورة التركيز بشكل مقصود على قضايا النساء في مشروع قانون المفوضية وقانون المساواة ومنع التمييز، لضمان عدم إقصائها أو تأجيلها.
وحول إمكانية تبني البرلمان الحالي لمشروع قانون المفوضية، تقول إن البرلمان يفتقر إلى أجندة واضحة تتعلق بالقوانين المكملة للدستور، ومنها تنفيذ المادة 53 التي تلزم الدولة بإنشاء المفوضية. وأضافت أن هناك توجهًا لاستهداف المرشحين المحتملين في الانتخابات المقبلة لإقناعهم بتبني مشروع القانون ضمن برامجهم السياسية.