تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرحلة من التوترات المتزايدة بفعل السياسات التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تثير ردود فعل متباينة بين الحلفاء والشركاء الإقليميين.
تأتي هذه التطورات في وقت يستعد فيه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لجولة دبلوماسية في الشرق الأوسط، يبدأها من إسرائيل قبل أن ينتقل إلى السعودية والإمارات، في محاولة لبحث الملفات الشائكة التي تزداد تعقيدًا، خاصة في ظل تصريحات ترامب الأخيرة بشأن مستقبل غزة والتهجير القسري للفلسطينيين.
وقد قوبلت هذه التصريحات برفض قاطع من الأردن ومصر اللتين أعلنتا بشكل واضح عدم استعدادهما لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، ما يعكس تصاعد التوترات الإقليمية، وفي هذا السياق يناقش خبراء من "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI" ردود أفعال دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجاه خطط ترامب "التخريبية" في الشرق الأوسط، ورؤاهم التحليلية حول التداعيات المحتملة والتحديات التي تواجهها الأطراف الفاعلة.
في ظل المستجدات، يلوح خطر انهيار وقف إطلاق النار في غزة في الأفق، حيث تتهم حماس إسرائيل بانتهاك الاتفاق، مهددة بإيقاف عمليات تبادل الأسرى، بينما يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداده لاستئناف "قتال عنيف" في القطاع حال تدهور الأوضاع.
وفيما يبدو أن إدارة ترامب تعيش حالة انسجام تام مع إسرائيل، ما يسمح بمشاريع طموحة مثل خطة "ريفييرا الشرق الأوسط"، فإن علاقاتها مع الدول العربية تبدو أكثر تعقيدًا، حيث أكدت مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات، وقطر رفضها للضغوط الأمريكية، مشددة على دعمها للحقوق الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن هذا الموقف الحازم قد يواجه تحديات في ظل اعتماد بعض هذه الدول على المساعدات والأمن الأمريكي، وخاصة في حالة الأردن ومصر وبالنسبة للأخيرة، يجعلها ذلك عرضة للضغوط من واشنطن.
كما أن زيارة روبيو، التي كان من المفترض في البداية أن تشمل قطر -التي شاركت بنشاط في الجهود المبذولة لحماية وقف إطلاق النار- ستكون اختبارًا حاسمًا، وهذا أيضًا إلى جانب قلة خبرة الوزير النسبية في الدور والمهمة الصعبة المتمثلة في التعامل مع استفزازات الرئيس الأمريكي أمام الحلفاء العرب.
وتختبر هذه الخطوة مدى تطابق تصريحات ترامب مع نواياه الحقيقية، كما أنها سوف توفر للدول العربية الفرصة لإظهار استعدادها لمقاومة تغيير الوضع الراهن في الشرق الأوسط الذي تصوره ترامب وأيدته إسرائيل، ومدى استعداد هذه الدول للدفع نحو حلول أكثر عدالة للقضية الفلسطينية.
في البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، أن بلاده لم تتخذ قرارًا بعد بشأن ضم إسرائيل للضفة الغربية، مشيرًا إلى أن الإعلان عن الموقف الرسمي سيصدر خلال الأسابيع الأربعة المقبلة.
هذا الملف، وليس الحديث عن الاستحواذ الأمريكي على غزة، هو الأكثر إلحاحًا في هذه المرحلة، إذ تمثل الضفة الغربية ما يصفه بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من القوميين المتطرفين بـ "الصوف الذهبي"، وهو الاسم الذي يطلقونه على "يهودا والسامرة"، أي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أوجو ترامبالي
ومن المنتظر أن يكون هذا الملف محور النقاشات التي سيجريها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في زيارته المرتقبة للقدس.
يتمحور الطموح الإسرائيلي حاليًا حول فرض السيطرة النهائية على المنطقة "ج"، التي تشكل 61% من مساحة الضفة الغربية، وتضم وادي الأردن بالكامل، حيث يعيش نحو 400 ألف مستوطن يهودي، وفي ظل هذا المشهد، يرى أوجو ترامبالي، كبير المستشارين في معهد الدراسات السياسية الدولية، أن الحكومة الإسرائيلية قد تستغل مقترحات ترامب كموافقة ضمنية على تصعيد العنف ضد الفلسطينيين.
شرعنة للعنف الإسرائيلي
يعتبر جيريمي بريسمان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة كونيتيكت، أن دعوة ترامب لاستيلاء الولايات المتحدة على غزة، سواء تم تنفيذها أم لا، تحمل تداعيات خطيرة، بدءًا من الأثر الإنساني المدمر إلى جرائم الحرب التي تتعارض مع اتفاقيات جنيف.
جيريمي بريسمان
"قد تؤدي هذه الفكرة إلى عرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية، فضلًا عن منح إسرائيل ذريعة لتصعيد هجماتها ضد الفلسطينيين، في ظل تماهي إدارة ترامب وحكومة نتنياهو في تجاهل كامل للحقوق الفلسطينية".
ويرى بريسمان أن الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الاعتراف المتبادل بالحقوق السياسية والإنسانية، لكن خطة ترامب هي تهجير الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والذين، في الغالب، لم يعربوا عن رغبتهم في مغادرة غزة إلا ربما إلى منازل عائلاتهم قبل عام 1948 داخل إسرائيل.
في المقابل، تؤكد آمنة موصلي، الباحثة في مركز الخليج للأبحاث، أن المملكة العربية السعودية، وبالرغم من شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، إلا أنها ترفض أي تسوية لا تضمن الحقوق الفلسطينية. وترى الرياض أن الاستقرار الإقليمي مرهون بحل القضية الفلسطينية وفقًا لحدود 4 يونيو 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وشددت الخارجية السعودية في بيانها الأخير على أن المملكة لن تخضع لأي ضغوط للتراجع عن هذا الموقف.
فيما يؤكد نيكولاي كوزانهوف، أستاذ مشارك في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، أن قطر قد واصلت دورها المحوري في الحفاظ على التهدئة الهشة في غزة، مؤكدة أهمية التوازن في معالجة الصراع، مع التركيز على البعد الإنساني والاستقرار الإقليمي.
إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، تأتي في توقيت حساس، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول نية واشنطن فرض سيطرتها على غزة وإعادة توطين الفلسطينيين، وهي تصريحات أثارت موجة من الغضب في المنطقة، ومن المتوقع أن يسعى روبيو إلى تهدئة المخاوف الإقليمية من تداعيات هذه التصريحات.
وفي هذا السياق، سيشدد المسؤولون القطريون على ضرورة الالتزام بالاتفاقات الخاصة بوقف إطلاق النار، محذرين من أي خطوات قد تزيد من التوتر أو تؤدي إلى مزيد من النزوح الفلسطيني. وستعمل الدبلوماسية القطرية على ضمان أن تساهم الجهود الدولية في تحقيق سلام مستدام، مع تسهيل الانتقال إلى المرحلة التالية من التهدئة. كما ستواجه قطر تحديًا في الحفاظ على موقفها الثابت تجاه قضية غزة، مع استمرار علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، التي ما تزال خطواتها تثير حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل التهدئة.
واشنطن وأبوظبي والتعاون الثنائي
تتصدر القضايا الإقليمية المحادثات المرتقبة بين وزير الخارجية الأمريكي ومسؤولي الإمارات، وعلى رأسها التهدئة بين إسرائيل وحماس ومستقبل القضية الفلسطينية، في ضوء التصريحات المثيرة للجدل للرئيس ترامب بشأن غزة ومسؤولية الدول المجاورة عن الفلسطينيين النازحين، كما قال روبرت موجيلنيكي، باحث مقيم أول بمعهد الدراسات العربية المعاصرة في واشنطن، والأستاذ المساعد في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون.
روبرت موجيلنيكي
"وسيؤكد المسؤولون الإماراتيون على التزام بلادهم بالمشاركة الإنسانية في غزة، فيما قد تشمل المناقشات ملفات أخرى مثل التطورات السياسية في لبنان وسوريا، كما قد تتطرق المحادثات إلى العقوبات الأمريكية على سوريا، وتأثيرها على الدول الإقليمية، إضافة إلى الضغوط الأمريكية على حلفاء الخليج لتشديد السياسة تجاه إيران، رغم الاتجاه العام نحو التهدئة مع طهران".
ويرى موجيلنيكي أنه على الصعيد الاقتصادي، ستسعى الإمارات لتعزيز التعاون التكنولوجي والاستثماري مع واشنطن، خاصة في مجال الطاقة، وهو ما سيحظى بترحيب أمريكي، لا سيما إذا ساهم في تعزيز الشراكات مع الشركات الأمريكية الكبرى. وبالنظر إلى أن روبيو ليس شخصية معروفة في المنطقة، وسوف تشكل هذه الزيارة فرصة للطرفين لتقييم آفاق التعاون المشترك في المرحلة المقبلة.
يرى جورج فهمي، زميل باحث بمدرسة سانت آنا العليا، أن مصر تواجه المخطط الأمريكي للسيطرة على غزة وإعادة توطين الفلسطينيين بثلاثة محاور رئيسية، أولا، عبر تأجيج الغضب الشعبي، كما ظهر في المظاهرة الضخمة عند معبر رفح قبل أسبوعين، وثانيًا، من خلال توحيد الموقف العربي ضد هذه الخطة، حيث تستعد القاهرة لاستضافة قمة عربية طارئة في 27 فبراير الجاري لتأكيد أن الرفض لا يقتصر على مصر أو الأردن فقط، بل يشمل المنطقة بأكملها.
جورج فهمي
أما الورقة الأهم فهي التلويح بتأثير هذه الخطوات على معاهدة السلام مع إسرائيل، وقد عكست التصريحات الرسمية المصرية الأخيرة هذا التوجه، بالإشارة إلى المخاطر التي تهدد الأسس التي قام عليها السلام، والتي تحققت بعد عقود من الجهود والتضحيات.