معرض الكتاب الـ 56.. "سماوي" وتجربة قراءة لا تُنكر التقنية

في عصر تتسارع فيه الرقمنة، أصبح الوصول إلى المعرفة أكثر سهولة ومرونة، بما يتيح للقراء خيارات متعددة تتناسب مع أسلوب حياتهم السريع. فلم يعد القارئ مضطرًا للالتزام بالمكان والزمان، وأصبح بإمكانه التنقل بين الكتب الإلكترونية والصوتية وفقًا لاحتياجاته اليومية.

مع هذا التحول، برزت تحديات جديدة تتعلق بتجربة القراءة الرقمية، بدءًا من الحفاظ على روح الكتاب التقليدي، مرورًا بـتحقيق التفاعل مع المحتوى، وصولًا إلى ضمان جودة الصوت والتقنيات المستخدمة في نقل النصوص المسموعة. ولم تعد منصات القراءة الرقمية مجرد وسيلة للاطلاع، بل أصبحت فضاءً ديناميكيًا يعيد تعريف العلاقة بين القارئ والنص، حيث تلعب الخوارزميات الذكية دورًا في تحليل أنماط القراءة، وتقديم توصيات مخصصة تعزز من تفاعل المستخدم مع المحتوى.

وساعدها في ذلك تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي يفتح آفاقًا جديدة لتحسين تجربة القراءة، سواء عبر تحليل النصوص وتحويلها إلى صوت بشري أكثر واقعية، أو من خلال إتاحة أدوات تفاعلية تساعد القارئ على استيعاب المحتوى بطرق مبتكرة.

ولكن، وبينما يتبنى البعض هذا التحول بحماس، لا يزال هناك نقاش مستمر حول تأثير الرقمنة على العلاقة الحميمة بين القارئ والكتاب، فهل يمكن للشاشة أن تحل محل ملمس الورق ورائحة الحبر؟ وهل سيؤثر الاعتماد المتزايد على الكتب الصوتية على متعة القراءة التقليدية؟

سماوي.. محاولة لتقديم تجربة قراءة لا تُنكر التقنية

ومن هذا المنطلق، ولدت "سماوي" كمشروع طموح يهدف إلى جعل القراءة أكثر تنوعًا وسهولة، دون أن تفقد الكتب جوهرها.

لم تأتِ منصة سماوي من فراغ، بل كانت استجابة لحاجة مُلحة في السوق العربي، حيث يبحث القرّاء عن طرق جديدة للاستمتاع بالكتب، دون التخلي عن متعة القراءة التقليدية. حينها، بدأت المنصة رحلتها تحت اسم "مكتبة اطبع"، وكانت تركز في البداية على الطباعة، لكنها سرعان ما تطورت لمواكبة احتياجات القرّاء، وتحولت إلى منصة شاملة تجمع بين الكتب الإلكترونية والصوتية في مكان واحد، ما يتيح تجربة قراءة رقمية متكاملة.

لكن هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الاسم، بل كان قفزة نوعية تطلبت بناء فريق عمل متخصص، وإقامة شراكات قوية مع الناشرين، وخوض تحديات سوق تنافسي يعج بمنصات رقمية عديدة، وكان التحدي الأكبر -آنذاك- في تقديم تجربة مختلفة لا تقتصر على عرض الكتب إلكترونيًا، بل تعيد تعريف مفهوم القراءة الرقمية بالكامل.

في حديثه الخاص مع فكّر تاني، تحدث المدير التنفيذي للمنصة أحمد هيكل، عن بدايات التطبيق وكيف تطور ليصل إلى القارىء العربي في شكله الحالي.

"إن أهم ما يُميز سماوي هو دمج الكتب الإلكترونية والصوتية في تجربة واحدة، وهو أمر نادر في العالم العربي، حيث تعتمد معظم المنصات المنافسة على نموذج واحد فقط، لكن تطبيق سماوي يمنح للقارئ حرية الاختيار بين القراءة والاستماع، ما يجعل التجربة أكثر مرونة وانسجامًا مع أنماط الحياة المتسارعة"؛ يقول هيكل.

توفر "سماوي" خيارين لشراء الكتب: نظام الاشتراك الشهري، الذي يتيح للمستخدمين الوصول إلى مكتبة واسعة ومتجددة، ونظام الشراء الفردي، الذي يسمح بالاحتفاظ بالكتب مدى الحياة، بما يمنح مرونة للقارئ وحرية اختيار بين استكشاف عناوين جديدة أو امتلاك كتب محددة، وفقًا لاحتياجاته الشخصية.

يقول هيكل إن "سماوي" يحلل تجارب المستخدمين لتقديم توصيات مخصصة، ويساعد القرّاء على اكتشاف كتب تناسب اهتماماتهم. ويكشف عن المراحل القادمة من تطوير هذه الخاصية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحيث لا تقتصر المنصة على تقديم الكتب فقط، بل تسعى إلى تحسين تجربة القراءة الرقمية، وجعلها أكثر تفاعلية وسهولة.

تطور يحاول مواكبة التقدم ضوئي التسارع في عالم التكنولوجيا رابطًا إياه بأهمية القراءة في إثراء تجارب البشر، لكنه أيضًا ليس بالتطورًا السهل ولا الانتقال اليسير من مكتبة تركز على الطباعة إلى منصة رقمية متكاملة، بحسب هيكل، الذي يضيف أن الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا لإضافة منتجات جديدة، وتوسيع قاعدة الناشرين، وتطوير تجربة المستخدم. فدخول هذا المجال لم يكن مجرد خيار للقائمين على هذا المشروع، بل ضرورة لمواكبة تطلعات القارئ العربي، الذي أصبح يبحث عن حلول أكثر حداثة ومرونة.

يرى هيكل أن أحد أكبر التحديات التي تواجه أي منصة رقمية هو التسعير، مشيرًا إلى أن "سماوي" تعتمد على استراتيجيات تسعير مرنة تتناسب مع طبيعة الأسواق المختلفة، مع تقديم خصومات وعروض خاصة خلال الفعاليات الثقافية مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب. والهدف هنا ليس فقط تحقيق المبيعات، بل بناء مجتمع قرائي مستدام، يعتمد على الاشتراكات المستمرة، بما يسمح بتقديم أسعار تنافسية دون الإضرار بجودة المحتوى.

ومع ذلك، فعلى صعيد الكتب الصوتية، تواجه المنصة تحديات إضافية، أبرزها الحاجة إلى مؤدين محترفين واستثمارات في جودة التسجيل والإنتاج، لضمان تقديم تجربة استماع غنية ومتميزة.

وتعمل "سماوي" على تطوير هذا الجانب من خلال تعزيز شراكاتها والاستثمار في أحدث التقنيات الصوتية، لتقديم محتوى يتماشى مع توقعات القرّاء في العصر الرقمي.

ما الذي تقدمه "سماوي" في معرض الكتاب؟

للمرة الثانية، تشارك "سماوي" في معرض القاهرة الدولي للكتاب، لكن هذه المرة تحمل اسمها الجديد، ما يجعلها محطة مختلفة عن مشاركتها السابقة. وقد أراد القائمون عليها أن لا تكون فعاليتهم مجرد فرصة لبيع الكتب، بل مساحة حيوية لتعريف الجمهور بالمنصة، والتفاعل المباشر مع القرّاء والناشرين، والاستماع إلى آرائهم حول تجربة الاستخدام.

يقول هيكل إن "سماوي" لا ترى نفسها كمنصة منافسة للآخرين، بل تعمل في مساحة مختلفة تمامًا، وهي توظيف التكنولوجيا لخدمة النشر، وليس مجرد عرض الكتب رقميًا.

ويوضح أن المشاركة في المعرض لم تقتصر على تقديم الخصومات والعروض، بل كانت فرصة لعقد شراكات جديدة مع ناشرين مصريين وعرب، سيتم الإعلان عنها قريبًا، إلى جانب تنظيم جلسات نقاشية حول مستقبل الكتب الرقمية، وهو أمر يتيح للمنصة التعرف بشكل أعمق على تطلعات الجمهور وتوقعاته.

تمكين المستقلين.. خطوة نحو تجربة نشر أكثر احترافية

أحد أبرز ميزات "سماوي"، وفق مديرها التنفيذي، أنها تتيح للمؤلفين المستقلين رفع كتبهم مباشرة عبر المنصة، مع إمكانية الحصول على ترقيم دولي رسمي، ما يمنحهم فرصة لتوزيع أعمالهم بشكل احترافي.

يشير هيكل إلى أن الفرق الجوهري بين المؤلف المستقل ودور النشر يكمن في القدرة على التسويق والترويج، إذ تمتلك دور النشر إمكانات تسويقية أوسع، بينما يعتمد نجاح المؤلف المستقل بشكل أساسي على بناء قاعدة جماهيرية والتفاعل مع القرّاء. ورغم أن "سماوي" تقدم الأدوات التقنية للنشر، فإن نجاح الكتاب يظل مرهونًا بمدى قدرة الكاتب على جذب اهتمام جمهوره.

مستقبل "سماوي".. قراءة أكثر ذكاءً وتفاعلًا

ولا يتوقف طموح "سماوي" عند تقديم الكتب الإلكترونية والصوتية، بل تمتد رؤيتها إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحليل أنماط القراءة، وتحسين التوصيات، إضافةً إلى تنظيم فعاليات تفاعلية مع أندية القراءة والمؤلفين، وذلك -كما يقول هيكل- إنما يأتي بهدف جعل القراءة تجربة أكثر متعة وسهولة، وليس مجرد وسيلة للوصول إلى الكتب.

كما تعمل المنصة على تطوير مزايا جديدة داخل التطبيق، من بينها:

  • إنشاء قوائم قراءة مخصصة، تتيح للمستخدمين تنظيم مكتباتهم وفق اهتماماتهم.
  • تقديم ملخصات صوتية للكتب، لتوفير تجربة معرفية سريعة وشاملة.
  • إمكانية القراءة الجماعية، لتعزيز النقاش والتفاعل بين القرّاء.

هل آن وقت التخلي عن الكتاب التقليدي؟

ورغم أن التحول الرقمي يفرض نفسه بقوة، إلا أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بسحره الخاص، وهو ما تدركه "سماوي"، التي لا تسعى إلى إلغائه، كما يقول مديرها التنفيذي، وإنما تنويع طرق الوصول إلى المعرفة، سواء عبر الورق، أو الشاشة، أو الصوت الذي ينقل الكتب بأسلوب روائي احترافي.

وفي النهاية، تظل القراءة تجربة شخصية للغاية، وما تقدمه "سماوي" ليس إلا خيارات أوسع تجعل هذه التجربة أكثر مرونة ومتعة. وبينما تتغير العلاقة بين القارئ والتكنولوجيا، تحاول "سماوي" إثبات أنها تتخذ خطوة جريئة نحو مستقبل القراءة في العالم العربي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة