دراسة تحدد 11 مسارًا لتطوير سياسات الحماية الاجتماعية.. وتحذيرات من غياب العدالة

دعت دراسة حديثة، أعدها الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني صادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية، إلى مراجعة أوجه الخلل في مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي وتعديله قبل موافقة رئيس الجمهورية عليه، مؤكدةً أن المشروع فرض في عدد من مواده أعباءً إضافية على الفقراء بدلًا من تقليصها.

وأوضحت الدراسة أن هناك حوالي أكثر من خمسة ملايين أسرة تحت خط الفقر، يمثلون 53% من الأسر الفقيرة من دون أي حماية اجتماعية، وفق رصدها. وقد تناولت تقييم برامج الدعم النقدي المشروط ومدى فعاليتها في الوصول إلى المستحقين، ودورها في تخفيف حدة الفقر وتمكين الفئات المهمشة والضعيفة. كما ناقشت العقبات التي تواجه الفقراء في الاستفادة من برامج الحماية، مثل الأمية وعدم وجود بطاقات رقم قومي، خاصةً بين النساء في الريف، مما يحول دون استفادتهم الكاملة من هذه البرامج.

كما حددت أحد عشر مقترحًا لتطوير سياسات الحماية الاجتماعية، في مقدمتها إعفاء المستفيدين من كل رسوم استخراج الشهادات والوثائق والأوراق الرسمية المطلوبة بموجب القانون، أو ردها إليهم حال ثبوت استحقاقهم، خصوصًا أن مشروع القانون معدٌّ لتقديم حماية اجتماعية للأسر والأشخاص الأكثر احتياجًا والأكثر فقرًا.

عدم المساس بالدعم العيني

وطالبت الدراسة الحكومة، أثناء المراجعات والمفاوضات مع مؤسسات التمويل الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، بألا تمس استمرار الدعم العيني، عبر توفير التمويل اللازم له، وتحسين آليات توزيعه، وضمان وصوله إلى مستحقيه، وخاصة دعم الخبز الذي يستفيد منه أكثر من 70 مليون مواطن، حيث إن دعم السلع التموينية ورغيف الخبز لا يمثل سوى 2% من استخدامات الموازنة في 2024/2025، مقابل 62.1% لأقساط وفوائد الديون.

 

وأكدت أيضًا ضرورة مراجعة أولويات الإنفاق الحكومي وفق الضرورات التي لا تخل بتحسين برامج الحماية الاجتماعية، وتوجيه الاستثمارات للزراعة والصناعة والحماية الاجتماعية، بما يدعم القوى البشرية، ويحقق فائضًا اقتصاديًا، ويقلل الاعتماد على الخارج، ويوقف نزيف الديون.

وتناولت كذلك عددًا من المفاهيم، من بينها مسألة الحق في الضمان الاجتماعي من حيث معاييره وسبل قياسه وتحققه، بالإضافة إلى تحليل تطور مخصصات الدعم بأنواعه المختلفة وأثرها على الناتج المحلي الإجمالي وإجمالي المصروفات. كما تتطرق إلى تطور مفهوم الضمان الاجتماعي في الدستور المصري، مع استعراض القوانين المتعلقة به، بما في ذلك القانون الجديد الخاص بالدعم النقدي، الذي ناقشه مجلس النواب في نوفمبر الماضي.

تفريط في العدالة الاجتماعية

المفكر الاقتصادي جودة عبد الخالق وزير التموين والتجارة الخارجية الأسبق
المفكر الاقتصادي جودة عبد الخالق وزير التموين والتجارة الخارجية الأسبق

لا يبدي المفكر الاقتصادي جودة عبد الخالق، وزير التموين والتجارة الخارجية الأسبق، اهتمامًا بالجدل المثار حول الأفضل: "الدعم العيني أم الدعم النقدي"، ويؤكد أن هذا النقاش ليس مهمًا، ولكن الأهم هو غياب العدالة الاجتماعية في مصر بشكل فجٍّ جدًا.

ويوضح عبد الخالق أن الحماية الاجتماعية تأتي في صورة منحة من الدولة، أما العدالة الاجتماعية فهي حق من الحقوق الأساسية للمواطنين، وتتطلب تغييرًا في الواقع، مشيرًا إلى أن هناك خلطًا بين مفهوم الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية.

ويضيف عبد الخالق أن العدالة الاجتماعية هي حالة يتم فيها ضمان الحد الأدنى من تكافؤ الفرص بين المواطنين، وهي الأصل في المسألة، وهي ما لا يحصل عليه المصريون، مضيفًا أن برامج الحماية ستظل الحاجة إليها ماسة طالما استمر النهج الحالي بإهمال العدالة الاجتماعية.

"ستظل هناك حاجة إلى برامج للحماية الاجتماعية طالما استمر النهج الحالي بإهمال العدالة الاجتماعية"

الدعم شكلي

تُقدّم الدراسة تعريفًا لمفهوم الحق في الحماية الاجتماعية، باعتباره وسيلة لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل من خلال استعمال الإنفاق الحكومي لتمويل برامج تضمن للجميع الحق في الأمن الاجتماعي. وتكفل برامج الحماية الاجتماعية للأفراد استدامة حصولهم على الخدمات التي تساعدهم على تأمين مستوى عيش لائق، وتحررهم من مخاطر الجوع والعوز، وانعدام التغطية الصحية، وعدم توافر خدمات تعليمية تمكّنهم من تطوير قدراتهم الشخصية.

هنا، يشير عبد الخالق إلى أن فكرة الدعم تستخدمها الحكومة كإطار شكلي فقط، لأن مفهومها الحقيقي غير موجود واقعيًا، في ظل الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري، والارتفاعات المستمرة في الأسعار، وما تبقى من شكل الدعم الحقيقي هو دعم رغيف الخبز.

ويشدد على أن هذا الأمر يجب أن ينطلق من الدستور الذي ينص صراحةً على حق كل مواطن في الحصول على غذاء متوافر وصحي. بينما يلفت إلى الوضع الراهن حيث يتحول النمط الغذائي للمصريين تأثرًا بارتفاعات الأسعار،  اتجاهًا إلى زيادة نسبة الكربوهيدرات وخفض نسب البروتين، ما يؤدى إلى نوع من سوء التغذية، ينعكس مرةً في شكل سمنة مفرطة ومرةً في نحافة مفرطة وتقزم وغيرها من أمراض سوء التغذية.

تشير دراسة الميرغني إلى 12.7 مليون طفل مصري يعانون من سوء التغذية"، و3.3 ملايين طفل يعانون من السمنة المفرطة، و8.2 ملايين طفل يعانون من الأنيميا، و1.2 مليون طفل يعانون من التقزم.

ويرى وزير التموين والتجارة الخارجية الأسبق أن المواطن يتعرض لحالة من استلاب حقوقه الأساسية في التعليم والصحة والغذاء الآمن، فيما يُرجع ذلك إلى السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، والتي أدت إلى تخفيض سعر الجنيه.

الحماية الاجتماعية

الدراسة أشارت إلى أن التحول من الدعم العيني إلى النقدي يواجه تحديات عدة وغيابًا لتقديم ضمان على فعالية برامج الدعم في تحقيق أهداف الحماية الاجتماعية، منتقدة سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي أولت تركيزًا متزايدًا على تقليص الدعم العيني وتحويله إلى دعم نقدي، تحت ذريعة تخفيض عجز الموازنة العامة.

وأضافت أن هذه السياسات لم تؤدِّ إلى تحسين الوضع المالي، بل ساهمت في زيادة العجز، الذي ارتفع من 134.5 مليار جنيه في 2010/ 2011 إلى 1243 مليار جنيه في 2024/ 2025.

"تشير البيانات إلى أن فوائد وأقساط الديون تستحوذ على 62.1% من إجمالي استخدامات الموازنة، بينما لا تمثل مخصصات الدعم سوى 16.4% فقط. لذلك، فإن إلغاء الدعم العيني لن يؤدي إلى تحسين العجز، بل سيزيد من معاناة الفقراء"؛ تقول الدراسة.

تطرقت الدراسة أيضًا إلى تقرير منظمة العمل الدولية حول الحماية الاجتماعية (2014/ 2015)، والذي يشير إلى أن لسياسات الحماية الاجتماعية دورًا بارزًا في دعم النمو التضميني وتسهيل تطوير الاقتصادات الوطنية، مؤكدةً أن توسيع نطاق الحماية الاجتماعية يسهم في التعافي من الأزمات الاقتصادية وتحقيق التنمية الشاملة.

وأكد تقرير المنظمة أنه يجب أن تتضمن برامج الحماية الاجتماعية، جميع الضمانات الأساسية التي تمنح لجميع الأفراد الحق، وفي كل فترات حياتهم، بالوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية، وحد أدنى من الدخل بما يتماشى مع المستويات الوطنية.

معايير واضحة لتحديد الفقراء

طالبت الدراسة كذلك بضرورة إعداد قاعدة بيانات شاملة وفق معايير واضحة لتحديد الفقراء وتوزيعهم الجغرافي، بما يضمن وصول الدعم إلى مستحقيه وتوفير الحماية الاجتماعية للمحتاجين.

وأشارت إلى أهمية الحرص على دورية نشر نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، الذي يُعدّ الأساس في تحديد الفئات المستفيدة من برامج الدعم (حتى الآن لم تُنشر نتائج بحث عام 2022).

ولفتت الدراسة أيضًا إلى أهمية مراجعة قيمة الدعم التمويني دوريًا لزيادتها وفق معدلات التضخم، خاصةً أن قيمة البطاقات التموينية ظلت ثابتة منذ عام 2018، رغم الارتفاع المتوالي في الأسعار، كما أكدت ضرورة تعزيز الاستثمار في التعليم والصحة باعتبارهما أساسًا للتنمية البشرية وأداة فعّالة للحماية الاجتماعية.

وجاء تسليع العمل والخدمات الاجتماعية، وفق الدراسة، كأحد أبرز نتائج هيمنة التوجه الليبرالي الاقتصادي على السياسات العامة، حيث عمل على فصلها تدريجيًا عن مبادئ العدالة الاجتماعية، وتحويلها إلى سلع استهلاكية لا يحصل عليها إلا من يتمكن من تحمل تكلفتها.

وأوصت الدراسة بضرورة فرض مزيد من الرقابة على الأسواق، وتحديد سقف للربح فيما يتعلق بتداول المنتجات السلعية كافة، بما يضمن عدم ترك الفقراء ومحدودي الدخل تحت سيطرة ما يُطلق عليه "مافيا الاستيراد والسوق السوداء"، بالإضافة إلى ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بالتعاونيات ودمجها في قانون يضمن التسجيل بالإشهار، ودعم نشر التعاونيات كآلية لمواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والضرورية.

الليبرالية الجديدة

"هناك توحش ضاغط على جميع الخدمات الحيوية يلتهم الجميع، وعلى الجانب الآخر هناك تراجع لدور الدولة في الحماية الاجتماعية. نجد نتائج ذلك متمثلة في العنف المجتمعي، وتراجع القيم، وغياب الأمن الجنائي، كردّ فعل على غياب العدالة الاجتماعية. وقد يؤدي ذلك إلى انفجار يُسقط البناء الذي يبدو من الخارج مستقرًا"؛ يقول مدحت الزاهد، رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، تعليقًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي أشارت إليها الدراسة.

مدحت الزاهد رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية- تصوير إسلام يحيى - فكر تاني
مدحت الزاهد رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية- تصوير إسلام يحيى - فكر تاني

يحمل الزاهد "الليبرالية الجديدة" مسؤولية ما وصل إليه المصريون، لأنها "تعتبر دعم الصحة والإسكان والتعليم هدايا بابا نويل للكسالى، وترى أن الأصل في التقدم هو فتح الباب على مصراعيه للاستثمار والسوق الحر".

ويرى الزاهد أن أزمة العدالة الاجتماعية في مصر تكمن في ترسيخ سياسة الليبرالية الجديدة، التي تقوم على مبدأ "الأرباح قبل الإنسان"، في حين يرى هو أنه من المفترض أن يكون "الإنسان قبل الأرباح"، وأن يكون الهدف من التنمية إشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأهمها الحق في السكن، والحق في الرعاية الصحية، والحق في التعليم الجيد، وتوفير فرص عمل بأجور عادلة.

ويؤكد الزاهد أن مبدأ الربحية في الاقتصاد لا يجب أن يكون على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين، بل هناك قطاعات يجب أن ترعاها الدولة، وتكون على رأس أولوياتها في ضخ الاستثمارات لتطويرها، من أجل تقديم خدمة جيدة للمواطن، لا أن تكون سلعة يحصل عليها من يستطيع فقط.

ويشدد الزاهد على ضرورة اتباع سياسة اقتصادية مختلفة لتفادي هذا الانفجار الوشيك، وتقديم رعاية اجتماعية تضمن حياة كريمة للمواطنين، عبر دعم الاقتصاد بحيث تصبح مصر دولة مصدرة وليست مستوردة، مما يساهم في خلق فرص عمل.

ويطالب الزاهد بتفعيل دور الدولة الرقابي لمواجهة الفساد، وتعزيز دور الإعلام في مراقبة أداء المؤسسات، وهو ما من شأنه الحد من الفساد، مع فتح المجال لمسار ديمقراطي حقيقي، بما يؤدي إلى تقليل الضغوط على المواطنين، وتوفير حياة أفضل للجميع.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة