يظل الأدب فضاءً مفتوحًا للبوح وإعادة صياغة التجارب الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بالسرد النسائي الذي يتيح للكاتبات إعادة تشكيل الواقع في سياقات جديدة أكثر عمقًا، ومن هذا المنطلق، استلهمت الكاتبة هناء متولي فكرة مجموعتها القصصية "ثلاث نساء في غرفة ضيقة"، التي ناقشتها بشكل موسّع خلال أحد ندوات معرض الكتاب في دورته الـ 56، بقاعة فكر وإبداع، حيث اجتمع القراء والمختصون لمناقشة المجموعة، إدارة الكاتبة سما زيادة، وبمشاركة الناقدتين الدكتورة أماني فؤاد والدكتورة رشا الفوال.
حالة تحررية
استهلت هناء متولي حديثها باسترجاع رحلتها مع المجموعة، مؤكدة أن الكتابة لم تكن بالنسبة لها مجرد نشاط إبداعي، بل شكلت تجربة تحررية عميقة، وصفت الكاتبة شخصيات المجموعة بأنها ليست مجرد أبطال في عالم متخيل، بل كيانات حيّة تتفاعل معها، تناقشها، بل وتحاكمها أحيانًا، مشيرة إلى أن المرأة في هذه القصص لم تعد مجرد ضحية، وإنما كائن يسعى للبحث عن إجابات لأسئلته الوجودية، وفي حديثها عن الأجواء السردية للنصوص، أوضحت متولي أنها أرادت التحرر من الصورة النمطية للريف التي طالما قُدمت في الأدب بوصفه مكانًا رومانسيًا بسيطًا.

"الريف ليس مجرد مشهد شاعري، بل عالم ينبض بالحكايات غير المروية، حيث تتداخل المشاعر والثقافة في نسيج معقد يختبئ وراء الهدوء الظاهري".
إعادة تعريف أدوار النساء في الأدب
من جهتها، أكدت الدكتورة أماني فؤاد أن المجموعة تتجاوز مجرد كونها نصوصًا تدور حول المرأة، إذ تمثل إعادة تعريف لدورها داخل البناء السردي، مشيدةً بقدرة الكاتبة على تقديم شخصيات فاعلة تمتلك زمام الأمور، بدلاً من أن تكون مجرد انعكاس للأحداث أو ضحية لها.
"استطاعت الكاتبة التحرر من الطرح النسوي التقليدي، متوغلة في مناطق أكثر عمقًا وتعقيدًا، حيث تعكس النصوص شخصيات تتحدى واقعها بوعي وجرأة".
وعن تقنيات السرد، أشارت الدكتورة أماني إلى أن التنوع في التقنيات السردية داخل المجموعة منحها طابعًا مسرحيًا للأفكار، حيث تتداخل الفانتازيا مع الواقع، ما يخلق تجربة قراءة تتسم بالغنى البصري، كما لفتت إلى أن بعض القصص كُتبت بأسلوب قريب من السيناريو، ما يمنح المشاهد الأدبية بعدًا سينمائيًا واضحًا.
زمن دائري وسرد يتجاوز التوقعات
أما الدكتورة رشا الفوال، فقد ركزت في مداخلتها على الجوانب الفنية للنصوص، مؤكدةً أن هناء متولي اعتمدت على تيار الوعي والمونولوج الداخلي، ما يسمح للقارئ بالغوص في أعماق الشخصيات بحرية، وأشارت إلى أن بعض القصص لا تتبع تسلسلًا زمنيًا خطيًا، بل تتخذ شكل "الزمن الدائري"، حيث تبدأ الأحداث من النهاية أو تتقاطع الأزمنة بطريقة غير متوقعة، ما يعزز من الطابع التجريبي للعمل.
كما أشارت الدكتورة رشا الفوال إلى استخدام الكاتبة لتقنية الميتا سرد، حيث تتحدث الراوية إلى القارئ مباشرةً، ما يمنح النصوص طابعًا تأمليًا يجمع بين السرد والحوار الذاتيـ وأضافت: "اعتمدت الكاتبة أيضًا على الكولاج السردي، حيث تتداخل الأصوات المختلفة داخل القصة الواحدة، فأصبحت غنية سرديًا وفيها تشابكًا يُثري تجربة القارئ.
اقرأ أيضًا:معرض الكتاب الـ 56.. مراسلات الغربة وحب السينما في حياة "شيمي" و"خان"

"ثلاث نساء في غرفة ضيقة".. إعادة تشكيل التجربة النسائية
الكاتبة هناء متولي.. حديث خاص لـ فكّر تاني
في حديثها مع فكّر تاني، أوضحت الكاتبة هناء متولي، مؤلفة المجموعة: "مفهوم السعة والضيق كان حاضرًا منذ اختيار العنوان، حيث ترمز "الغرفة الضيقة" إلى العالم بأسره، وكأن الوجود بأكمله قد يتحول إلى مساحة خانقة بالنسبة للنساء، طالما ظل هناك وعي مشوه تجاه المرأة ومكانتها في المجتمع".
وأكدت الكاتبة أن العمل يمكن اعتباره طرحًا نسويًا إنسانيًا، حيث تعكس اللغة المستخدمة في القصص جوهر الشخصيات والأحداث، فكل مفردة لم تأتِ عبثًا، بل جاءت لخدمة القصة ومحورها الأساسي، مما يجعل البناء السردي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالرسالة التي يحملها النص.

كما عبّرت هناء متولي عن تعلقها العاطفي العميق بواحدة من قصص المجموعة "رسائل الموتى"، مشيرةً إلى أنها الأقرب إلى قلبها، ليس فقط لأنها تعبر عنها شخصيًا، ولكن لأنها كانت من أكثر النصوص التي أرهقتها أثناء الكتابة نظرًا لارتباطها العاطفي بها.
"المجموعة بأكملها تدور حول فكرة الوعي النسوي الإنساني، وتتلخص رسالتها في تحفيز القراء على التفكير وإعادة النظر في المفاهيم الراسخة".
وأشارت أن "ثلاث نساء في غرفة ضيقة" ليست مجرد مجموعة قصصية، بل تمردٌ سردي على القوالب الجاهزة، حيث يتجسد التمرد ليس فقط في أفكار الشخصيات، بل في البنية السردية ذاتها، التي تتحدى التوقعات وتكسر النمط التقليدي للحكي.