رسالة جنيف.. الحكومة في مواجهة تساؤلات حقوقية "منطقية"

داخل أروقة مقر الأمم المتحدة في جنيف، وعلى هامش مناقشة تقرير مصر ضمن أعمال المراجعة الدورية الشاملة، اليوم الثلاثاء 28 يناير، اندلعت مواجهات حقوقية، اتسمت بانتقادات حادة للحكومة المصرية على أدائها في ملفات سجناء الرأى وحقوق المرأة واللاجئين والأقليات، بينما لم تخلو من دفاع مستميت عن الممارسات الرسمية المتبعة في التعاطي مع هذه الأزمات.

وبينما رفع الوفد الحكومي في جنيف شعار "كله تمام"، قدمت المنظمات الحقوقية المستقلة تقارير موثقة بما قالت إنه "انتهاكات ممنهجة تشهدها مصر في السنوات الأخيرة". وقد سبق في يوليو الماضي، أن تقدمت 7 منظمات حقوقية مستقلة، منها: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تقريرًا مفصلًا حول تلك الانتهاكات إلى الأمم المتحدة؛ استعدادًا لهذه المراجعة، كما أرسل 7 مقررين خواص بالأمم المتحدة، خطابًا إلى السلطات المصرية يذكّرها بالتزاماتها الدولية.

يُعنى الاستعراض الدوري الشامل باستعراض سجلات حقوق الإنسان الخاصة بجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، مرة كل أربع سنوات. وهو أجراء مهم من قبل مجلس حقوق الإنسان يستند إلى المساواة في المعاملة بين جميع البلدان، يوفر فرصة لجميع الدول الأعضاء للإعلان عن الإجراءات التي اتخذتها تحسينًا لأحوال حقوق الإنسان في بلدانها، والتغلب على التحديات التي تواجه التمتع بها.

وفي عام 2014 تلقت مصر 300 توصية، تصاعدت في ملاحظات العام 2019 ووصلت إلى 372 توصية بزيادة 72 توصية، قبلت مصر 294 توصية منها عند اعتماد نتائج الاستعراض.

مشيرة خطاب تعترف بأزمة حقوق الإنسان

عقد المجلس القومي لحقوق الإنسان، بالتنسيق مع المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، جلسة مساء الإثنين، تناولت أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة من 2019 إلى 2024، بمشاركة السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي للمرأة، والسياسي محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان.

جانب من جلسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مع المعهد الدنماراكي - خاص فكر تاني
جانب من جلسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مع المعهد الدنماراكي - خاص فكر تاني
مشيرة خطاب
مشيرة خطاب

تحدث ممثل المعهد الدنماركي عن دور المعهد في دعم حقوق الإنسان بمصر وتونس والمغرب وفلسطين، مشيرًا إلى جهود المركز البحثي التابع للمعهد في مراقبة الأوضاع الحقوقية وتقديم الدعم المناسب للمجتمع المدني.

ومن جانبها، تطرقت مشيرة خطاب إلى الأوضاع الحقوقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، مؤكدةً تأثير الانتهاكات المستمرة على استقرار المنطقة، في ظل ما وصفته بازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط.

وأشارت خطاب إلى أن مصر تحقق تقدمًا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بشكل يفوق ملفات حرية الرأي والتعبير وحرية المعلومات والتنظيم، معترفةً بوجود تحديات في هذه الملفات، التي تحتاج إلى مزيد من الجهود لمعالجتها.

لا أرقام رسمية بعدد سجناء الرأي

انتقد أحمد سميح، مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، التعامل المصري مع العدوان على غزة وارتفاع عدد سجناء الرأي في مصر إلى 60 ألفًا، على حد قوله، وهو ما تحفظت عليه مشيرة خطاب، متسائلة عن مصادر معلوماته في ظل غياب أرقام موثقة بأعداد سجناء الرأي في مصر.

وبدوره، استنكر السفير كارم محمود، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، تصريحات سميح، معتبرًا أنها تقلل من دور المجلس، حسب رأيه.

مطالب متكررة في الوسط السياسي بإطلاق سراح سجناء الرأى - تصميم سلمى الطوبجي - فكر تاني
مطالب متكررة في الوسط السياسي بإطلاق سراح سجناء الرأى - تصميم سلمى الطوبجي - فكر تاني
محمد أنور السادات
محمد أنور السادات

وبينما أقر محمد أنور السادات بغياب رقم رسمي دقيق حول عدد سجناء الرأي، أوضح أن التقديرات تتراوح بين المئات والآلاف، مع استمرار جهود الإفراج عن بعضهم، معولًا على صدور قانون جديد للإجراءات الجنائية يسهم في تحسين الأوضاع المتعلقة بالحبس الاحتياطي.

كما أكد السادات أن المجلس تلقى العديد من الشكاوى ويواصل العمل عليها، لكنه شدد على أن المجلس ليس جهة تنفيذية لضمان الاستجابة لهذه الشكاوى.

وأشار أيضًا إلى تواصله مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مطالبًا برفع الحجب عن المواقع الإخبارية ومنح التراخيص للمنصات الإلكترونية المستقلة، مثل "فكرتاني"، و"مدى مصر"، و"المنصة"، مؤكدًا أهمية دعم الإعلام المستقل لتعزيز الحريات.

ومن جانبه، أشاد هاني إبراهيم، عضو المجلس، بمنظومة الشكاوى في المجلس، موضحًا أنها تتسم بتعدد مساراتها، سواء عن بُعد أو عبر اللقاءات المباشرة، مع وجود تعاون مهم مع وزارات الداخلية والعدل والصحة والتعليم. وأشار إلى أنهم يتحققون من كل الشكاوى الواردة إليهم، خصوصًا المتعلقة بسجناء الرأي المعروفين، لكنه أكد أن المجلس لا يستطيع التنبؤ بقرارات الإفراج.

سولافة مجدي
سولافة مجدي

وأثارت الصحفية سولافة مجدي قضية الحبس الاحتياطي المطول، مشيرةً إلى إحالة بعض القضايا للمحاكم بعد فترات طويلة من الاحتجاز، وسلطت الضوء على معاناة السيدات المحتجزات، مثل مروة عرفة وحسيبة محسوب، متسائلة: كيف ننقذ السيدات من الحبس المطول خاصة وهن أمهات وأصحاب مسؤوليات؟

وردت مشيرة خطاب بدعوة سولافة لإرسال كل البيانات المتعلقة بالسيدات المحبوسات، للتعامل مع هذه القضايا بشكل مباشر.

لا تعترف الحكومة المصرية بوجود سجناء رأي، وتدعي أن المحبوسين لديها أصحاب إيديولوجيات متطرفة، وأن جميعهم يتعرضون لمحاكمة عادلة، يمكن أن تستمر لسنوات، لأن هذا هو الإجراء القانوني المتبع في هذه الحالات.

مجلس حقوق الإنسان.. توصيات بلا صلاحيات

عاد معتز الفجيري، نائب رئيس الأورومتوسطية للحقوق، إلى التحديات التي تواجه المجلس القومي لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى وجود توقعات كبيرة لدور أكبر للمجلس. لكنه شدد على ضرورة الحفاظ على استقلالية المجلس ووقف العوائق التي تؤثر على أدائه.

معتز الفجيري
معتز الفجيري

وتساءل الفجيري عن أسباب منع إصدار جوازات السفر للحقوقيين في الخارج، وموعد انتهاء ما وصفه بـ"حرب النظام" على المدافعين عن حقوق الإنسان خارج البلاد، مطالبًا المجلس بالتحرك لمواجهة هذه القضايا.

وفي ردها، أكدت السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن المجلس يبذل قصارى جهده لدعم أسر سجناء الرأي، معربةً عن حرص المجلس على استقبال الشكاوى كافة، بما في ذلك المتعلقة بأسرة سجين الرأي علاء عبد الفتاح.

وقد أشار السفير كارم محمود إلى أن المجلس يستغل جميع الأدوات والصلاحيات المتاحة للتعامل مع القضايا الحقوقية، مؤكدًا أن فكرة الحوار الوطني انطلقت من المجلس، وأن هناك جهودًا ومبادرات مستمرة لحل الأزمة بين الدولة والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وماذا عن البهائيين في مصر؟

وعن البهائيين في مصر واستهدافهم، أكدت مشيرة خطاب أن المجلس نظم لقاءات مع ممثلين عنهم بمصر، مشددةً على أن قضيتهم تحتل أولوية في أجندة عمل المجلس.

وفي المنتدى السنوي للأقليات بالأمم المتحدة، أشار شريف عازر، مدير برامج المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إلى إشادة المجلس القومي بتقارير الرصد والتوثيق الصادرة عن المنظمات الحقوقية، لكنه لفت إلى أن المجلس لم يتمكن من التعامل مع ما ورد في تلك التقارير بشكل كافٍ.

وردًا على ذلك، أوضح محمد أنور السادات أن المجلس يولي اهتمامًا كبيرًا لكل التقارير الحقوقية الصادرة من الداخل والخارج، مؤكدًا أن هذه التقارير تُرسل إلى الجهات المعنية للنظر فيها واتخاذ الإجراءات المناسبة.

المرأة بين التمييز في الممارسات والقوانين

وفي سياق متصل، نظم المركز المصري لحقوق المرأة جلسة نقاشية، مساء أمس، بعنوان "حقوق المرأة في مصر.. التحديات والعوائق"، حيث ناقش متحدثون أمميون عبر تقنية الفيديو كونفرانس ضرورة تحسين وضع حقوق المرأة في مصر، مسلطين الضوء على المعاناة التي تواجه اللاجئات في مصر، خاصة السودانيات، والتمييز ضد المرأة في القوانين والممارسات.

جانب من فعالية المركز المصري لحقوق المرأة - خاص فكر تاني
جانب من فعالية المركز المصري لحقوق المرأة - خاص فكر تاني

كما أشاروا إلى الصورة النمطية للمرأة في الأسر المصرية المرتبطة بالعادات والتقاليد، والتي تعيق وصولها إلى فرص التعليم وتقلد المناصب في الدولة.

أزمة طلاق المسيحية.. إلى متى؟

وتحدثت سميرة روقا، مديرة الحوار في الهيئة الإنجيلية القبطية للخدمات الاجتماعية، عن أوضاع المرأة المسيحية في مصر، مركزة على معاناة النساء المسيحيات في قضايا الزواج والطلاق.

وأشارت إلى أن الكنائس المصرية الثلاث لم تتمكن من توحيد جهودها لمعالجة هذه الأزمة ولم تجتمع لدراستها. وأكدت أهمية أن تستخدم الكنائس سلطتها الروحية للتوعية بالمساواة بين الرجل والمرأة.

اقترحت سميرة روقا أن تقدم الكنائس توصيات للقضايا المطروحة أمام القضاء، بما لا يخل باستقلال القضاة، مع التأكيد على حقوق المرأة في الطلاق والميراث.

غياب المحليات وحبس النساء.. هكذا نُنقص حق المرأة

بدورها، تحدثت الحقوقية والمحامية نهاد أبو قمصان عن تحسن وضع المرأة في مصر، خاصة في البرلمان والوزارات، لكنها انتقدت غياب المحليات، الذي أثر سلبًا على مشاركة المرأة في المؤسسات المحلية. كما أشادت بتمثيل المرأة في القضاء، لكنها طالبت بزيادة أعداد القاضيات.

نهاد أبو قمصان
نهاد أبو قمصان

وأشارت أبو قمصان إلى دعم المرأة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال مبادرة "حياة كريمة". لكنها أعربت عن أسفها لزيادة نسب العنف ضد المرأة، مؤكدة الحاجة إلى منظومة حماية متكاملة للمرأة المعنفة، تبدأ من الإبلاغ عن الجريمة.

وفي معرض حديثها، تناولت نهاد أبو قمصان أوضاع النساء في السجون المصرية، مشيرة إلى سجينة الرأي هدى عبد المنعم، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقًا، وظروف محبسها، إلى جانب الأكاديمية ليلى سويف، المضربة عن الطعام بسبب استمرار حبس ابنها السياسي علاء عبد الفتاح خارج إطار القانون.

أكدت أبو قمصان أن منظمتها تتابع ملفات النساء حالة بحالة بناءً على الشكاوى الواردة، مشددة على أن أي سجين تنتهي مدة حبسه يجب أن يُخلى سبيله فورًا. وأوضحت أن المركز يعمل ضمن الإمكانات المتاحة، قائلة: "لا نملك عصا سحرية، لكننا نبذل ما في وسعنا".

أين المرأة من قرارات العفو ولماذا غابت المحليات؟

أحمد سميح
أحمد سميح

ووجه أحمد سميح سؤالًا حول غياب النساء عن قرارات العفو الرئاسي، فأجابت أبو قمصان بأن 18 سيدة أُطلق سراحهن مؤخرًا بفضل التواصل مع الجهات المعنية. كما تساءل عن تأخر إقامة المحليات، التي تمثل استحقاقًا دستوريًا، فأوضحت أبو قمصان أن هذا السؤال يوجه للحكومة وليس للمنظمات الحقوقية.

وحول ما تحقق خلال السنوات الخمس الماضية في ملف المرأة، قالت أبو قمصان إن هناك تحسنًا ملحوظًا، مثل إصدار 13 تشريعًا منصفًا للمرأة المصرية، بعضها تصدى لجرائم التحرش، إضافة إلى مشاريع اقتصادية داعمة للسيدات، لكنها شددت على الحاجة إلى المزيد من الجهود لتحسين أوضاع المرأة بشكل شامل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة