رغم ارتفاع الدولار أمام العملات العالمية على مدار الأسبوع الماضي، كان أداء الجنيه المصري مغايرًا؛ إذ سجل ارتفاعًا بنحو 1.5%، متراجعًا من مستوى 51.08 جنيهًا إلى مستوى متوسط بين البيع والشراء عند 50.32 جنيهًا.
ارتفع الدولار منذ فوز دونالد ترمب بالرئاسة بنسبة 5%، لكنه صعد بوتيرة أعلى منذ حلفه اليمين الإثنين الماضي، ليسجل الدولار الكندي أدنى مستوى أمام الدولار الأمريكي في خمس سنوات عند 68 سنتًا أمريكيًا. كما تراجع اليورو إلى 1.03 دولار، والجنيه الإسترليني إلى مستوى 1.22 دولار.

وقال أحمد العطيفي، المحلل المالي، إن كل العملات تقريبًا تراجعت أمام الدولار الأسبوع الماضي، لكن الجنيه المصري كان الوحيد تقريبًا الذي صعد عالميًا، في تحرك يمكن تفسيره بعدة أسباب. أولها أن سعر الصرف لا يزال موجهًا، ويتم التحكم فيه مع وضع نطاق سعري لصعود وهبوط الجنيه بغض النظر عن حركة الأسواق العالمية للعملات.
كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أكد، خلال تفقده عددًا من المشروعات الخاصة بقطاع الصحة في نوفمبر الماضي، أن سعر صرف الجنيه قد يشهد ارتفاعًا أو انخفاضًا في حدود 5% خلال الفترة المقبلة، مؤكدًا أن الحكومة لن تكرر الأخطاء السابقة فيما يتعلق بتثبيت سعر الصرف واعتباره معيارًا لقوة الدولة ومتانة اقتصادها.
أما التفسير الثاني، بحسب العطيفي، فهو دخول استثمارات أجنبية بأدوات الدين، مما ساهم في وجود عرض من الدولار أعلى من الطلب، وعدم وجود ضغط على الجنيه.
خلال أول ثمانية أشهر من تحرير سعر الصرف بشكل كامل (فبراير الماضي)، تلقت مصر نحو 24.554 مليار دولار تدفقات من الاستثمار الأجنبي غير المباشر "الأموال الساخنة"، ليقفز إجمالي الرصيد إلى مستوى قياسي عند 38.171 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضي، مقارنة بنحو 13.617 مليار دولار في فبراير السابق عليه.
قروض أوروبية جديدة لمصر
أما التفسير الثالث فمرتبط بتوجه صندوق النقد لصرف الشريحة الرابعة من القرض، مع قرض من الاتحاد الأوروبي، مما خلق سلوكًا لتعظيم توافر العرض من الدولار، وفقًا للعطيفي.
بدأت مصر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل بقيمة 4 مليارات يورو (208 مليارات جنيه)، وسط توقعات بإتمام الاتفاق في يونيو المقبل، لدعم الموازنة، وذلك ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، وفقًا لرانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.

وقرر الاتحاد الأوروبي، في ديسمبر الماضي، صرف قرض ميسر بقيمة مليار يورو لصالح مصر، لخلق مساحة مالية أكبر للحكومة لمواصلة إنفاقها على الخدمات الأساسية للسكان، وتوليد فرص العمل، وزيادة الاعتماد على الاقتصاد الأخضر.
حذر الخبير الاقتصادي من وجود رابط بين التفسيرات الثلاثة، يتمثل في أنها جميعًا أدوات قصيرة الأجل لا تعبر عن استدامة وجود الدولار، بل ربما يرتفع حجم الطلب في المستقبل لتلبية سداد الأقساط. والحل هو استثمارات أجنبية مباشرة، وليس تخارجًا، إلى جانب تعزيز الصادرات ومنتج محلي قوي.
قال الدكتور مصطفى مدبولي إنَّ مصر سددت ديونًا بقيمة 38.7 مليار دولار خلال عام 2024 الماضي، بينما أكد أحمد كوجك، وزير المالية، أن مصر تتحرك باستراتيجية متكاملة لخفض معدلات الدين، والتضخم، والدين الخارجي، لإزاحة "السحابة السوداء التي تحجب ما تشهده البلاد من إنجازات تنموية غير مسبوقة".
لكن على مصر سداد 43.2 مليار دولار التزامات خارجية خلال أول تسعة أشهر من العام الحالي، بينها 5.9 مليار دولار فوائد، و37.3 مليار دولار أصل القروض، وفق بيانات جديدة للبنك الدولي.
اكتفى مسؤول بالبنك المركزي بالتأكيد على أن البنك لا يتدخل في سوق الصرف، والعنصر الأساسي لتراجع أو ارتفاع الجنيه هو ارتفاع الطلب. وقال لـ"فكر تاني" إن السبب هو هدوء الطلب بعد توفير السلع الرمضانية، التي كانت السبب وراء وصول الدولار لمستوى الـ51 جنيهًا.
تضارب كبير حول مستقبل الدولار
يوجد تضارب كبير بين المؤسسات الدولية حول مستقبل الجنيه أمام الدولار، إذ توقع بنك الاستثمار الأمريكي "جولدمان ساكس" ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الأجنبية خلال الفترة المقبلة.
بحسب البنك الأمريكي، فإن هناك مجالًا لتدفق المزيد من الأموال الساخنة في الديون المصرية، بعدما شهدت البلاد بالفعل تدفقات قوية منذ بداية 2025، دفعت الجنيه للارتفاع بنسبة 1.5% منذ بداية العام. إذ تبلغ المراكز الاستثمارية للأجانب في الدين المحلي 10 مليارات دولار.
ورجحت "فيتش ريتينج" أن يكون سعر الدولار عند مستوى 49 جنيهًا هذا العام، أما "فيتش سولويوشنز" فرجحت وصوله إلى 52.78 جنيه، فيما كانت "كابيتال إيكونوميكس" الأعلى في توقعاتها لسعر الدولار أمام الجنيه، بعدما حددته عند 55 جنيهًا.
العقود الآجلة.. مقياس لتغير الأسعار
وقال خبراء اقتصاد إن العقود الآجلة للدولار تعتبر مقياسًا للتحرك المستقبلي للجنيه أمام الدولار، إذ أوصى بنك أوف أمريكا ببيع الدولار الأمريكي مقابل الجنيه عبر العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 6 أشهر، ما يعني أن سعر الدولار سيتراجع.
وأوصى البنك ببيع العقود غير القابلة للتسليم للعملة المصرية عند سعر 53.8 جنيه للدولار، لأنه من المستهدف بلوغها 51.1 جنيه. في المقابل، يتداول الدولار عند 50.3 جنيه في السوق الفورية، وأرجع ذلك للفارق بين أسعار الفائدة بين مصر وأمريكا، الذي قد يبلغ نحو 7% مع افتراض عدم تغيير سعر العملة في التعاملات الفورية.