ما يزال الآلاف من عمال شركة “تي آند سي” للملابس الجاهزة بالمنطقة الصناعية بمدينة العبور مستمرين في الإضراب عن العمل لليوم الخامس، للمطالبة بزيادة الأجور بنسبة قدرها 50%، أو تطبيق الحد الأدنى للأجور وتفعيل الزيادة السنوية كما ينص عليه القانون.
وأصدرت إدارة الشركة منشورًا مساء أمس الأحد أعلنت فيه أنه في حالة استمرار العمل بدءًا من اليوم الإثنين، سيتم إعلان نسبة الزيادة السنوية الأحد 26 يناير، وذلك عقب إعلان الدولة لنسبة الزيادة السنوية. كما سيتم اجتماع إدارة الشركة ممثلة في رئيس مجلس الإدارة مجدي طلبة وممثل الطرف التركي.
ووفق مصادر “فكر تاني”، قرر العمال البالغ عددهم 7 آلاف عامل وعاملة، رفض المنشور مع استمرار إضرابهم عن العمل لحين تنفيذ جميع مطالبهم. تزامن هذا مع منع العمال بعض التريلات المحملة بالمنتجات، استعدادًا لتصديرها، من الخروج من الشركة، وأجبروها على العودة إلى داخلها.
وتعمل شركة “تي آند سي” في مجال تصنيع البناطيل الجينز، بطاقة إنتاجية تصل إلى 65 ألف قطعة في اليوم، وتضم مصنعين متكاملين، بداية من التصنيع وحتى التغليف.
ويمتلك رجل الأعمال مجدي طلبة 51% من حصة الشركة، فيما يمتلك الشريك التركي ما نسبته 49%، وتسعى الشركة إلى إنشاء مصنع ثالث.

مطالب العمال
تمثلت مطالب العمال في استقالة محمد عبد الرحمن، مدير الموارد البشرية، وزيادة المرتبات بنسبة لا تقل عن 50%، وإقرار حافز انتظام منفصل عن حافز الإنتاج، وبدل وجبة بقيمة 1200 جنيه، مع استمرار صرف بدل الوجبة خلال شهر رمضان.

ويطالب العمال أيضًا باحتساب أيام الإضراب كأيام عمل مدفوعة الأجر، واحتساب أول يوم غياب من العمل كإجازة عارضة من رصيد الإجازات دون الرجوع إلى الإدارة للحصول على الموافقة، وصرف الرصيد السنوي للعامل في شهر أبريل من كل عام، وصرف الأرباح السنوية لكل عامل طبقًا للقانون.
ويعاني العديد من عمال الشركة، وفقًا لمصادرنا، من أمراض تتعلق بالكلى نتيجة تلوث مياه الشرب التي يستخدمونها داخل المصنع، مما دفع الإدارة إلى تركيب فلاتر منذ عدة أشهر. كما يعانون من أمراض صدرية بسبب الوبرة الناتجة عن النسيج.
ضعف المرتبات والتعسف في الجزاءات
“إحنا مرتباتنا ضعيفة جداً، يرضي من أن يكون مرتبنا بالوجبة والحوافز وبدل الانتقال وكل شيء لا يصل إلى 4000 جنيه؟” تقول إحدى العاملات المضربات لـ”فكر تاني”، منتقدة ضعف المرتبات التي لا تصل إلى أربعة آلاف جنيه في أفضل الأحوال.

وتوضح العاملة، التي فضلت عدم ذكر اسمها بسبب تهديدات الإدارة، أنها أم لأربعة أبناء وتعمل بالشركة منذ سنوات في قسم التفصيل. ومع ذلك، فإن عقدها سنوي وترفض الإدارة تثبيتها، فيما يعمل زوجها في مصنع آخر بعقد مؤقت أيضاً. وفي نهاية الشهر، لا يتجاوز دخلهما المشترك 8 آلاف جنيه.
وتضيف العاملة، التي تعمل من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الرابعة مساءً، أنها تعود إلى أبنائها في الخامسة مساءً لتقوم بمهام المنزل ومتابعة دروس أبنائها، ولا تجد وقتاً للراحة قبل ساعة متأخرة من الليل، بمقابل راتب ضعيف لا يحقق لها ولأسرتها الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
وتطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة في شهر مايو من العام الماضي، بالإضافة إلى تطبيق علاوات الغلاء والزيادة السنوية كما ينص عليها القانون. وأكدت أنها وزملاءها يتعرضون لظلم وضغط شديد من قبل الإدارة في تطبيق قواعد الجزاءات بالمخالفة للوائح. وأشارت إلى أنها تغيبت لمدة ثلاثة أيام بسبب مرضها، لكن الإدارة عاقبتها بخصم 500 جنيه من راتبها، على الرغم من أن رصيد إجازاتها يسمح بذلك.
“الشريك التركي أحن علينا من المدير المصري”
يضيف أحد العمال أن “الشريك التركي، الذي تصل حصته إلى 49%، حاول إقناع رئيس مجلس الإدارة مجدي طلبة بزيادة المرتبات والتفاوض على باقي المطالب، لكن طلبة رفض وأكد عدم تدخل الشريك التركي في المشكلة”.
ويوضح العامل، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ”فكر تاني” أن عدد عمال الشركة يبلغ 7000 عامل، جميعهم مؤقتون، على الرغم من مرور سنوات على وجودهم في الشركة بشكل متواصل، إلا أن الإدارة ترفض تثبيتهم.

ويشير إلى وجود تصريحات من رئيس مجلس الإدارة تفيد بأن مرتبات العمال تصل إلى 8000 جنيه، مؤكدًا أن هذا غير حقيقي. وأوضح أن بدل الانتقال، الذي تبلغ قيمته 1000 جنيه، يتم احتسابه ضمن الراتب، كما أن الشركة تحمل العمال تكلفة التأمينات بالكامل.
وينتقد العامل خصم بدل الوجبة خلال شهر رمضان، واصفًا ذلك بأنه “تعسف شديد”، مشيرًا إلى ضعف مشاركة العمال في الأرباح على مدار السنوات الماضية.
كما يشير العامل إلى أن الإدارة المصرية تتجاهل اللائحة الداخلية وتفرض نظامًا عقابيًا صارمًا على جميع العمال، حيث تشترط موافقة المدير المباشر على الإجازة المرضية قبل إقرار طبيب العيادة بحاجته إلى الإجازة، بالإضافة إلى منع الحصول على إجازة من رصيد الإجازات إلا بموافقة الإدارة. أما من يتغيب دون موافقة، فيتم احتساب يوم الغياب بيومين خصمًا من المرتب.
ويضيف أن الإدارة تفرض على عمال السنفرة والمغسلة العمل لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميًا، بالمخالفة للقانون، لضمان تجهيز جميع المنتجات في الوقت المحدد. ويصل إنتاج الشركة إلى 65 ألف قطعة يوميًا.
الإدارة تنتقد الإضراب
من جانبه، يُبدي مجدي طلبة، رئيس مجلس الإدارة، في حديثه لـ”فكر تاني”، غضبه الشديد من الإضراب، واصفًا إياه بأنه “تعطيل للإنتاج”، ومستنكرًا منع خروج الشاحنات المحملة بمنتجات كان من المفترض تصديرها للخارج.

ويتهم طلبة العمال بما وصفه بـ”ليّ ذراع الإدارة بمطالب تعجيزية”، مشيرًا إلى التزامه بالحد الأدنى للأجور المقرر من قبل الحكومة، لكنه اعتبر أن البعض يسعى للضغط على الإدارة تزامنًا مع ذكرى 25 يناير 2011، وفق قوله.
ويلفت رئيس مجلس الإدارة الانتباه إلى أن شركته أقرت زيادتين في المرتبات العام الماضي: الأولى في يناير، والثانية في يونيو بعد إقرار الحد الأدنى للأجور، وكان من المفترض أن تأتي الزيادة الجديدة بعد إعلان الحكومة عن النسبة المرتقبة للزيادة خلال الفترة القادمة.
“هذا مناخ يُنفّر المستثمرين ولا يجذبهم، وأنا سأوقف الصناعة والإنتاج. لا أحد يستطيع ليّ ذراعي. إذا لم تعجبهم مرتباتنا وكان هناك مصنع يصرف أكثر من ذلك، فليذهبوا إليه. الوجبة مجرد مبادرة من الشركة للعمال، وليست إلزامية وفق القانون”، يقول طلبة، مضيفًا أن “الإضراب بدون ضوابط، كما يحدث من عمال الشركة، يضر بالصناعة، ويجب على الحكومة ضبط الأمور لضمان تهيئة المناخ للاستثمار”.
تضامن نقابي وسياسي
ما حدث في الشركة يلقى صدى واسعًا في الشارع السياسي والحقوقي. وأعلن كمال عباس، مدير دار الخدمات النقابية والعمالية، في حديثه لـ”فكر تاني”، تضامنه مع عمال الشركة، مؤكدًا أهمية تنفيذ مطالبهم.
كما أعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في بيان رسمي، تضامنه الكامل مع مطالب العمال.
وطالبت أمانة العمال بحزب الكرامة، في بيان، جميع المهتمين بالشأن العمالي بالتضامن مع عمال شركة “تي آند سي” ودعمهم حتى حصولهم على حقوقهم المشروعة.
وأعلن حزب العيش والحرية “تحت التأسيس”، في بيان، تضامنه الكامل مع عمال الشركة في حركتهم التصعيدية وإضرابهم المفتوح الذي بدأ صباح السبت، إيمانًا بحقهم المشروع في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

كما أعلن اتحاد تضامن النقابات العمالية (STUF)، وهو جهة غير حكومية، تضامنه الكامل مع العمال، مؤكدًا دعمهم في المطالبة بالزيادة السنوية وكافة الحقوق المشروعة.
ودعا المحامي الحقوقي خالد علي، في حديثه لمنصة “فكر تاني”، إلى تطبيق الحد الأدنى للأجور على عمال القطاع الخاص.
وكان خالد علي قد أعلن، في منشور له على صفحته على موقع “فيسبوك”، دعوته لتطبيق الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 6000 جنيه، كما ينص القانون، مشيرًا إلى أن متوسط الأجور الحالية يبلغ 4500 جنيه فقط. كما طالب بمراعاة التدرج الوظيفي وسنوات الخبرة، وإيقاف الاستقطاعات التي تتجاوز 20% من قيمة الراتب، ورفع قيمة الوجبة الغذائية، وتحسين ظروف العمل في المغسلة.
غياب الدور النقابي
من جانبه، يقول كرم عبد الحليم نائب رئيس اتحاد تضامن النقابات العمالية، ورئيس نقابة أندية قناة السويس، لـ” فكر تاني”، لـ”فكر تاني” أن السبب الحقيقي للأزمات التي يعاني منها العمال أن وزارة العمل والمجلس الأعلى للأجور يصدرون قرارات مثل الحد الأدنى للأجور 6000 جنيه، لكن لا يوجد آلية للتطبيق على أرض الواقع، وأصحاب العمل يتنصلون من حصتهم في التأمينات ويتم تحميلها على العامل.

ويضيف أن ما يحدث كان صدمة كبيرة للعمال، حيث اكتشفوا إن الحد الأدنى الذي رحبوا به وكانوا في انتظاره طويلاً لا وجود حقيقي له، هذا بخلاف غياب الحماية القانونية في حال وجود مشاكل من هذا النوع.
ويشير عبد الحليم، إلى أن غياب الدور النقابي، هو أحد الأسباب الرئيسية في أزمة عمال “تي آند سي”، قائلًا : ” “لو العمال عندهم حق في تشكيل نقاباتهم المستقلة، كانوا يقدروا يدافعوا عن حقوقهم ويتفاوضوا مع صاحب العمل بدلًا ما يوقفوا بمفردهم أمام ذلك التعنت “.
