ما نعرفه عن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة

كشفت مصادر حكومية إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يمارس ضغوطًا على الوزراء اليمينيين في حكومته، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لدعم صفقة الهدنة في غزة، التي تهدف إلى إعادة الرهائن المختطفين. وبينما سارع سموتريتش إلى رفض المحادثات ووصف اتفاق وقف إطلاق النار الوشيك بـ"الكارثة"، أوضحت قناة "كان 11" أن نتنياهو برر موقفه بضرورة الحفاظ على العلاقات مع الإدارة الأمريكية المقبلة بقيادة دونالد ترمب، الذي تعهد بدعم المخططات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

في المقابل، أجرى نتنياهو اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس، ناقشا خلاله تطورات مفاوضات الهدنة. واطلع بايدن على تفويض الوفد الإسرائيلي المفاوض في الدوحة. وأعرب نتنياهو عن شكره للرئيسين بايدن وترامب على تعاونهما لتحقيق تقدم في هذا الملف. وبحسب المصادر المطلعة على المحادثات الجارية في الدوحة، والتي نقلت عنها وسائل إعلام دولية، وصف التقدم في المفاوضات بأنه "إيجابي ومنتج"، مع توقعات بإعلان اختراق كبير في الأيام المقبلة.

ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة مع اقتراب موعد تنصيب ترمب في 20 يناير، حيث هدد الأخير بأن فشل التوصل إلى اتفاق قبل هذا التاريخ سيؤدي إلى تصعيد خطير.

أشخاص ينتشلون جثث ضحايا من تحت أنقاض مبنى دمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة في 8 يناير 2025 مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية. (وكالة الصحافة الفرنسية عبر صور جيتي)
أشخاص ينتشلون جثث ضحايا من تحت أنقاض مبنى دمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة في 8 يناير 2025 مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية. (وكالة الصحافة الفرنسية عبر صور جيتي)

ماذا جاء بمسودة الاتفاق؟

مسودة الاتفاق التي ترعاها قطر ومصر والولايات المتحدة تشمل خطة شاملة تتكون من ثلاث مراحل رئيسية، تهدف إلى تحقيق وقف العمليات العسكرية، تبادل الأسرى، وإعادة إعمار قطاع غزة تحت إشراف دولي.

المرحلة الأولى (42 يومًا): تبدأ بوقف مؤقت للعمليات العسكرية، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من عدة مناطق داخل قطاع غزة، أبرزها وادي غزة. وتشمل هذه المرحلة وقف النشاط الجوي العسكري لمدة 10 ساعات يوميًا، و12 ساعة في أيام تبادل الأسرى والمختطفين. كما يتضمن الاتفاق عودة النازحين إلى مناطق سكناهم تدريجيًا، بالإضافة إلى إدخال مساعدات إنسانية بشكل مكثف بمعدل 600 شاحنة يوميًا، منها 50 شاحنة وقود.

تبادل الأسرى: تنص المرحلة الأولى أيضًا على إطلاق حماس سراح 33 من المختطفين الإسرائيليين، بينما تفرج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين وفق فئات تشمل النساء والأطفال وكبار السن.

المرحلة الثانية (42 يومًا): تركز على التفاوض غير المباشر بشأن الشروط النهائية لتبادل جميع المحتجزين، مع استمرار إدخال المساعدات الإنسانية وتأهيل البنية التحتية، وإنشاء مراكز إيواء للنازحين.

المرحلة الثالثة (42 يومًا): تشمل انسحابًا كاملًا للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتبادل الجثامين، وبدء إعادة إعمار القطاع على مدى خمس سنوات، مع فتح المعابر والسماح بحرية حركة الأشخاص والبضائع.

اقرأ أيضًا: هل ينجح طموح نتنياهو في إعادة تشكيل الشرق الأوسط؟

بماذا ردت حماس؟

وقد تزامنت هذه التطورات مع مظاهرات واسعة في تل أبيب تطالب بالإفراج عن الرهائن. بينما في الجانب الفلسطيني، أفاد مسؤولون بأن المفاوضات حققت تقدمًا نحو اتفاق لوقف إطلاق النار.

طاهر النونو (وكالات)
طاهر النونو (وكالات)

وصرح طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لوكالة "شينخوا"، بأن "الاتفاق قريب إذا استجاب نتنياهو للقضايا الرئيسية". وأضاف أن حماس تبقى "مرنة" في العمل مع الوسطاء لإنهاء النزاع، مؤكدًا أن الهدف الرئيسي للجماعة هو "إنهاء الحرب".

وقال مسؤول آخر في الحركة إن الإطار النهائي لاتفاق وقف إطلاق النار شبه مكتمل. وأضاف: "نحن قريبون جدًا من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار"، مشيرًا إلى أن اللجان الفنية التي تضم الجانبين والوسطاء قد أنهت التحضيرات للاتفاق.

وفي تصريح لـ "إندبندنت عربية"، أعرب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس عن تفاؤله الحذر من التوصل إلى صفقة. وقال: "تجربتنا في المفاوضات السابقة مع الإسرائيليين ونتنياهو تحديدًا، تجعلنا أمام تساؤل حول إذا ما اتخذ رئيس الحكومة الإسرائيلية خطوات من شأنها عرقلة الصفقة، ولو في الدقيقة الأخيرة، فاستمرار حكومته ومصلحته الشخصية والسياسية وحفاظه على ائتلاف حكومته ما زالت تتغلب على أي قرار آخر".

وأضاف فارس أنه لا مناص لنتنياهو وحكومته إلا الموافقة على وقف الحرب، رغم سياسة الضغوط العسكرية التي تتبعها إسرائيل من أجل الضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات والموافقة على شروط إسرائيل.

الولايات المتحدة: المفاوضات تحت الضغوط السياسية

عبر منصة "تروث سوشيال"، نشر الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقطع فيديو يظهر بروفيسورًا أمريكيًا يهاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة، مستخدمًا عبارات مسيئة. الأمر الذي أثار تساؤلات حول دلالة نشر هذا الفيديو، وما إذا كان يشكل رسالة سياسية موجهة لنتنياهو بشأن المساعي الجارية للتوصل إلى اتفاق هدنة في غزة قبل تنصيب ترامب.

وكثّف ترامب وفريقه السياسي، في الأسابيع الأخيرة، جهودهم للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة قبل توليه منصبه رسميًا في 20 يناير الجاري.

وأوفد ترامب مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، الذي أجرى محادثات مع نتنياهو بعد زيارة إلى الدوحة التقى خلالها مسؤولين قطريين لمناقشة سبل تحقيق الاتفاق.

وفي ظل هذه المساعي، أعرب مسؤولون أمريكيون عن شكوكهم بشأن إمكانية تحقيق تقدم ملموس قبل تنصيب ترامب، مشيرين إلى وجود عقبات تعرقل الاتفاق.

اقرأ أيضًا: إسرائيل تشتعل وجانتس في واشنطن.. نتنياهو في مرمى كل الأسهم

وفي تعليق له على الوضع، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في مقابلة مع "سي إن إن": "نحن قريبون جدًا، لكننا بعيدون لأننا لن نكون قريبين ما لم نجتز خط النهاية".

وأضاف أن مستشار الرئيس بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكجورك، موجود في الدوحة منذ أسبوع، يعمل مع الوسطاء على وضع التفاصيل النهائية للنص الذي سيتم تقديمه إلى الجانبين. وأكد أن إدارة بايدن عازمة على استغلال كل يوم متبقٍ لتحقيق هذا الهدف قبل مغادرتها.

كيف يتعامل الاحتلال مع غزة والأراضي المحتلة الآن؟

ورغم المفاوضات الجارية الآن، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية مكثفة على قطاع غزة، أدت إلى سقوط شهداء وجرحى في عدة مناطق. أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بأن العملية البرية شمال القطاع، التي تدخل يومها الـ100، أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف، مع تدمير شامل للبنية التحتية والمنازل والمستشفيات.

استشهد أربعة فلسطينيين وأصيب آخرون في قصف استهدف مدرسة صلاح الدين التي كانت تؤوي نازحين غربي غزة، كما استشهد خمسة فلسطينيين في غارة أخرى على حي الشجاعية شرقي المدينة، حيث لا يزال عدد من المفقودين تحت الأنقاض. إضافة إلى ذلك، استهدفت غارة تجمعًا للمواطنين في مخيم الشاطئ، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة وإصابة آخرين.

آثار غارة إسرائيلية في قطاع غزة (وكالات)
آثار غارة إسرائيلية في قطاع غزة (وكالات)

في المناطق الشمالية من غزة، يواصل الاحتلال فرض حصار شامل منذ أكتوبر 2024، وسط تقديرات محلية تشير إلى دمار كامل في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. وقد بلغ عدد الشهداء والمفقودين جراء الهجمات الإسرائيلية نحو 5000، بينما تجاوز عدد المصابين 9400.

الحرب المستمرة على غزة، التي دخلت شهرها الـ16 بدعم أميركي، خلّفت أكثر من 156 ألف شهيد وجريح، وأدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المنازل والمدارس والمستشفيات.

في الضفة الغربية، نفذت قوات الاحتلال حملة مداهمات واسعة فجر اليوم، شملت نابلس وجنين ورام الله. اقتحمت القوات مدينة نابلس ومخيم العين، وسمع إطلاق نار خلال العمليات. كما داهمت بلدة سلواد شمال شرق رام الله.

وفي جنين، اشتبك مقاتلو سرايا القدس مع قوات الاحتلال في قرية فحمة، حيث أعلنوا عبر بيان أنهم أمطروا القوات بزخات كثيفة من الرصاص في مواجهات عنيفة.

يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بالتوازي مع استمرار حربه المدمرة على غزة، وسط تدهور إنساني واسع النطاق ومعاناة مستمرة للفلسطينيين.

ما الذي يريده الإسرائيليون؟

مظاهرات إسرائيلية تطالب بإتمام صفقة مع حماس
مظاهرات إسرائيلية تطالب بإتمام صفقة مع حماس

وفي إسرائيل، عبرت الصحف عن قناعة متزايدة بأن وقف الحرب في غزة هو الحل الوحيد الممكن في ظل الظروف الحالية.

وفي مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أشير إلى أن قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وصناع القرار باتوا مقتنعين بأنه لا مفر من وقف الأعمال العدائية كوسيلة لإعادة الرهائن.

وأكد المقال أن أي اتفاق سيؤدي إلى ترتيبات جديدة بشأن الوضع في غزة ما بعد الحرب، في ظل استبعاد احتمال تكوين حماس لجيش أو إسقاط حكمها.

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدرس فرض قيود على كميات المساعدات الإنسانية المرسلة إلى قطاع غزة، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الأسرى قبل موعد تنصيب ترامب.

وأضافت الصحيفة أن إسرائيل تخطط لتكثيف الهجوم البري الحالي في غزة، مع توسيع نطاق العملية من الربع الشمالي للقطاع باتجاه المناطق الوسطى، بهدف الضغط على الأطراف لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة