محمد عادل.. ألا تكفي 11 عامًا من المعاناة؟

"لا أعرف لماذا يحدث كل هذا مع محمد؟ لماذا كل هذا الاستهداف والتعقيد؟ لماذا لا يتخذ أحد قرارًا يحترم فيه مشاعرنا وحقوقنا وآلامنا، بل ووعوده السابقة لكل من تحدث معه من السياسيين؟"

أسئلة كثيرة تلاحق الباحثة الأكاديمية روفيدة حمدي، زوجة السياسي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد عادل، المتحدث السابق باسم حركة 6 أبريل، وفق ما قالت لـ"فكر تاني".

أسئلة باتت بلا إجابات، وفق مراقبين، تتكرر مضامينها على لسان ذوي العديد من سجناء الرأي، ومنهم السياسي علاء عبد الفتاح، ومحمد أوكسجين، وعبد المنعم أبو الفتوح، وشريف الروبي، ومحمد القصاص، ومروة عرفة، وهدى عبد المنعم، وآخرون، يبحثون عن سبب تعقيد ملفات ذويهم دون سبب قانوني واضح.

بحسب مصادر "فكر تاني"، فإن شخصيات سياسية بارزة حصلت على وعود بإنهاء معاناة عادل وذويه، خاصة مع تقديم أهله طلبًا للعفو الرئاسي. من بين هؤلاء السياسيين البارزين، حمدين صباحي، القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية، وفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي. ومع ذلك، لم تُنفذ تلك الوعود بعد.

محمد عادل
محمد عادل

معاناة مزدوجة

يواجه محمد عادل أزمتين مؤخرًا زادتا المعاناة عليه، وفق رصد "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهما منعه من مواصلة تحصيله الأكاديمي، وعدم احتساب سنوات عمره في الحبس الاحتياطي ضمن مجموع الحكم الصادر بحقه، والذي ينتهي في فبراير 2025.

لم تعلق الجهات المعنية على البيانات الحقوقية الصادرة أو انتقادات ذويه، لكنها عادة ما تؤكد حرصها على حقوق السجناء وتطبيق القانون، وهو ما ينفيه حقوقيون مستقلون.

"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، في بيان لها، أعربت عن قلقها على صحة وسلامة عادل، موضحة أن تواصله مع العالم الخارجي انقطع منذ إعلانه نيته الإضراب عن الطعام بدءًا من 25 ديسمبر 2024، حيث منعت إدارة سجن جمصة زوجته من زيارته.

وأعلنت زوجته روفيدة حمدي في 2 يناير الجاري عن "تغريبه" - أي نقله عقابًا على إعلان الإضراب - من سجن جمصة شديد الحراسة بمحافظة الدقهلية إلى سجن العاشر من رمضان 4 بمحافظة الشرقية، دون تعليق من السلطات.

كان من المفترض أن يخضع عادل في 23 ديسمبر 2024 لأول امتحان له بوصفه طالبًا منتسبًا لدبلومة القانون العام بكلية الحقوق - جامعة المنصورة، إلا أن إدارة سجن جمصة شديد الحراسة منعت لجنة الكلية من دخول السجن لامتحانه.

وعلمت أسرة عادل ببدء إضرابه عن الطعام يوم 25 ديسمبر، على أن يتحول تدريجيًا إلى إضراب كامل عن الطعام والمياه، احتجاجًا على حرمانه من حقه في التعليم المكفول بموجب الدستور والقانون. كما تم منعه مجددًا من أداء امتحان آخر يوم 28 ديسمبر، بالإضافة إلى منع زوجته من زيارته في المواعيد المقررة رسميًا دون إبداء أسباب، وفق توثيق "المبادرة المصرية".

وأكدت زوجة عادل رسميًا نقله إلى سجن العاشر 4، مما يعني، وفق القوانين، أن عادل سيبقى في زنزانة "الإيراد" لمدة 11 يومًا لن يُسمح خلالها لأسرته بزيارته أو الاطمئنان عليه بأي شكل، أو تسليمه أية متعلقات شخصية من الخارج، وهو ما زاد قلق ذويه ومحاميه.

11 سنة من المعاناة

تعرض محمد عادل خلال 11 عامًا الأخيرة لأشكال متنوعة من تقييد الحرية، سواء بدعوى الحبس الاحتياطي، أو بإخضاعه للمراقبة الشرطية لمدة 12 ساعة يوميًا على مدار عام ونصف العام، أو بسبب تنفيذه أحكامًا صدرت بحقه بتهم سياسية.

تصميم متداول على موقع الفيس بوك للتضامن مع محمد عادل
تصميم متداول على موقع الفيس بوك للتضامن مع محمد عادل

واعتبر حزب العيش والحرية "تحت التأسيس"، في بيان له، أن ما يحدث مع "عادل" هو جزء من سلسلة "الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها"، محملًا وزارة الداخلية ومصلحة السجون المسؤولية الكاملة عن أمنه وسلامته.

ووفق الحزب، فإن عادل بدأ عامه الـ"12" داخل السجون في قضايا رأي مختلفة بين حبس احتياطي ومراقبة وأحكام، وزاد على ذلك منعه من أداء حقه القانوني في امتحانات دبلوم القانون العام بكلية الحقوق - جامعة المنصورة.

وطالب الحزب بضرورة الوقوف أمام مثل هذه الممارسات والتصدي لها ومحاسبة القائمين عليها، مشددًا على أن استمرار إفلات المخالفين للقانون من العقاب لن يزيد الوضع إلا ترديًا، لكنه أكد في الوقت نفسه على الأهمية البالغة لإعادة الاهتمام بملف سجناء الرأي مرة أخرى، بعد تراجع هذا الاهتمام خلال العام الأخير، على أن يكون ذلك ضمن سياق يتم فيه إنهاء هذا الملف بشكل نهائي وحاسم.

كما طالب الحزب المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقيام بدوره في تمكين المحبوسين من حقوقهم القانونية، وعلى رأسها أداء الامتحانات، على الأقل، حتى لا يقع سجين الرأي بين قهر سلب الحرية وضياع المستقبل التعليمي.

6 سنوات صعبة

"في السنوات الست الأخيرة، تعرض عادل إلى تنكيل مضاعف تراوح بين الحبس الاحتياطي المطول والتدوير على ذمة أكثر من قضية باتهامات مشابهة"؛ قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

والتدوير مصطلح حقوقي رائج يستعمله الحقوقيون المستقلون في مصر للحديث عن سياسة تكرار الحبس على الاتهامات ذاتها بعد حصول سجين رأي على إخلاء سبيل، وهو ما تنفيه السلطات المصرية بشدة، وتعتبره غير صحيح.

في سبتمبر 2023، أيدت محكمة جنح مستأنف أجا بالمنصورة الحكم الصادر بحبس عادل أربع سنوات في الجنحة رقم 2981 لسنة 2023، بتهمة نشر أخبار كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم أن عادل قضى عامين وسبعة أشهر من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية التي صدر فيها الحكم، إلا أن احتساب مدة حكمه ستبدأ من لحظة صدور الحكم دون احتساب سنوات حبسه الاحتياطي، بمخالفة القانون. وعليه، أصبح من المنتظر أن ينتهي عادل من تنفيذ حكم الحبس في سبتمبر 2027، بدلًا من فبراير 2025.

وشددت "المبادرة المصرية" على أن استمرار احتجاز عادل يعد مخالفة قانونية سافرة، وأن أمام السلطات المعنية عدد من الأسباب القانونية التي تجعل من خروجه واجبًا:

*أولها احترام نص المادة 482 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تحتم احتساب مدة العقوبة المقيدة للحرية من يوم القبض على المحكوم عليه، وليس من يوم صدور الحكم واجب التنفيذ.

*وثانيها أنه يستحق الإفراج الصحي بموجب قانون تنظيم السجون نظرًا لتردي وضعه الصحي خلال السنوات الماضية، في ظل أن أسرته تقدمت بطلب لرئيس الجمهورية بشأن إصدار عفو رئاسي بحقه لإنهاء معاناته المستمرة دون مبرر منذ أحد عشر عامًا.

الباحثة الأكاديمية روفيدة حمدي زوجة محمد عادل - حسابها على موقع فيس بوك
الباحثة الأكاديمية روفيدة حمدي زوجة محمد عادل - حسابها على موقع فيس بوك

"إنما أشكو بثي وحزني إلى الله"؛ قالت روفيدة في تدوينة لها في الساعات الأخيرة عبر حسابها، بعد أن امتلكت شعورًا بغلق جميع الأبواب في وجهها، فيما لا يزال يلاحقها بصيص من الأمل في سماع أحد لصوتها وإنهاء معاناة زوجها، وفق ما اختتمت به حديثها مع "فكر تاني".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة