"المسؤولية الطبية".. ليس بالخوف وحده يُطبق القانون

يبدو أن طرفي الصراع حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، قد اتفقا على هدنة لمدة شهر يتم خلالها إعادة صياغة المواد المختلف عليها، وهو ما أشار إليه بيان نقابة الأطباء الذي صدر عقب اجتماع لجنة الصحة مع نقيب الأطباء، وتضمن البيان تأجيل عقد الجمعية العمومية الطارئة لمدة شهر بعد الاتفاق علي إعادة صياغة المواد الخاصة بالحبس والحبس الاحتياطي.

أسامة عبد الحي نقيب أطباء مصر في جلسة نقاشية حول قانون المسئولية الطبية بحزب حماة وطن- فيس بوك الحزب
أسامة عبد الحي نقيب أطباء مصر في جلسة نقاشية حول قانون المسئولية الطبية بحزب حماة وطن- فيس بوك الحزب

ومن الواضح أن قرار نقابة الاطباء الأخير لم يلق قبولًا واسعًا لدى الأطباء، فبعد الجدل الحاد حول مشروع القانون والذي تصاعد خلال الأسابيع الماضية، كانت الجمعية العمومية للأطباء تنتظر سحب القانون وإعادة طرحه للنقاش العام بوصفه قانونًا معنيًا بتحسين القطاعي الصحي ويهم كل المصريين، لكن ربما تساعد فترة الشهر القادم على التوافق على فلسفة هذا المشروع الخطير.

"الردع والتخويف"

فالمشروع الذي وافق عليه مجلس الشيوخ مؤخرًا لا يحمي مصالح الطبيب، ولا حقوق المريض، وبعيدًا عن الجوانب الفنية التي أفاض الأطباء في شرحها، تبنى مشروع القانون فلسفة الردع والتخويف ليضيف قيودًا جديدة على عملهم الحساس والدقيق، كما تجاهل المشروع الظروف الواقعية التي يعمل بها الأطباء خاصة في المستشفيات العامة التي تفتقر للكثير من الإمكانيات.

وسيرًا على نهج المشرع المصري خلال السنوات الماضية، تبنى المشروع تعريفًا فضفاضًا للخطأ الطبي، حيث يجمع التعريف بين المفهوم القانوني والفني وحتى الأخلاقي، وهو ما يخالف أبسط معايير الصياغة القانونية بأن يكون التعريف دقيقًا وواضحًا (جامع مانع) أي لا يحتمل تفسيرات مختلفة، وقد تم طرح بديل للتعريف الوارد بالمشروع والتفرقة بين الخطأ والخطأ الجسيم، لكنه يرتكز على نفس الفلسفة رغم أن المنطق البسيط يعني التفرقة بين الخطأ والجريمة العمدية، فالخطأ يظل فعلًا يفتقد للإرادة مهما بلغت جسامته.

كما يتضمن المشروع بابًا للعقوبات على الأخطاء الطبية، تشمل العقوبات الحبس لمدد تصل إلى سبع سنوات، بالإضافة للإصرار غير المفهوم علي التوسع في الحبس الاحتياطي، فما الهدف من حبس طبيب متهم بخطأ مهني احتياطيا؟ وحتى في حالة حذف المادة الخاصة بالحبس الاحتياطي، يظل الطبيب مهددًا به طبقا لقانون العقوبات حيث يتلازم مع تطبيق قانون الإجراءات الجنائية.

المطلوب من الحكومة والنقابة

الحقيقة أن الخلاف بين الحكومة وبين نقابة الأطباء حول مشروع القانون، يدار بمنطق التفاوض حيث يقدم كل طرف تنازل ما للوصول لنقطة التوازن، وهذا المنطق بالتحديد لن يصل بنا للنتيجة المطلوبة إذا كان نفكر بالفعل في مصلحة المرضى وتحسين الخدمات الطبية، والواجب هو الاتفاق على الأهداف وبحث أفضل الطرق للوصول لها، كما يجب أن نضمن أن يعمل الأطباء ومقدمي الخدمات الصحية في أمان وعدم تخويفهم من اتخاذ القرارات الخطيرة في الظروف الاستثنائية.

إن الالتزام بالقانون يختلف عن تطبيقه، فالالتزام يقوم على الإرادة الحرة أي أنني أستطيع مخالفة القانون لكني أختار ألا أفعل ذلك، أما تطبيقه فهو فرض الالتزام به جبرا ولو باستخدام القوة، والنتيجة في الحالتين ليست واحدة، فاحترام القانون والالتزام به عن قناعة كونه يحقق المصالح الشخصية والعامة، يساهم في تطور المجتمع بالفعل أما العقاب على مخالفته فيعني أن الدولة قادرة على فرض سيطرتها على المجتمع.

الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان- فيس بوك مجلس الوزراء
الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان- فيس بوك مجلس الوزراء

لذلك يُعد احترام القانون هو الشرط الأساسي لنفاذه واستمراره، ولذلك يجب أن يتسق القانون مع ثقافة المجتمع بالمعنى الواسع بما يشمله ذلك من أعراف ومعتقدات دينية وعادات وتقاليد، كما يجب أن يُعبر عن مصالح الفئات الاجتماعية ومجموعات السكان المختلفة، فالتشريع عملية تحتاج إلى دراسة فلسفة القانون ليكون متسقَا مع قيم وأهداف المجتمع، ودراسة المصالح المهمة وكيفية تحقيق التوازن بينها.

الهدف الأسمى للقانون هو حماية المجتمع وضمان تقدمه، ولتحقيق هذا الهدف يجب أن يحمي القانون الحريات والمصالح الفردية كما يحمي كيان المجتمع والمصلحة العامة، لذلك يرى البعض أن هدف القانون هو "هندسة المصالح الاجتماعية" أي إقامة التوازن الدقيق بين مصالح الفئات والمجموعات المختلفة. هذا التوازن وحده الذي يؤدي إلى احترام المواطنين للقانون والالتزام بأحكامه دون الحاجة للإجبار.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة