النساء والتغيرات المناخية.. أعباء العمل والجوع والتهميش

شهد العصر الفيكتوري في المملكة المتحدة، الذي امتد لأكثر من 60 عامًا اضطهادًا واضحًا للمرأة، وخلال تلك الفترة، انتشرت صور نمطية عديدة، من بينها، الاعتقاد بأن تناول المرأة للحوم يخل من أنوثتها لأنها لا تحتاج لبناء عضلات كالرجل، وأدت هذه الأفكار إلى انتشار اضطرابات الطعام بين النساء، ما أثر سلبًا على صحتهن.

ورغم مرور أكثر من مائة عام على انتهاء هذا العصر، ما تزال قضايا صحة المرأة وأمنها الغذائي محاطة بالتنميط والأفكار المغلوطة، وأحد أبرز الأمثلة اليوم يظهر في المجتمعات الريفية، حيث يتم تفضيل الذكور في تناول الأطعمة المغذية كالبروتينات، بينما تُترك النساء والأطفال في نهاية القائمة الغذائية، وغالبًا ما تقتصر وجباتهم على الخضار والنشويات.

والنساء، رغم كونهن في مقدمة المنتجين للغذاء عالميًا، إذ يسهمن في إنتاج 80% من المحاصيل الغذائية، إلا أنهن لا يحصلن على حق الراحة أو الغذاء المتوازن، وزاد خطر التغير المناخي من تفاقم معاناتهن، حيث يقف في وجه أدوارهن المنزلية والزراعية، مهددًا المزروعات ووجباتهن وحتى صحتهن العامة.

التغير المناخي وتأثيره المرأة

وتشكل التغيرات المناخية الحالية تهديدًا خطيرًا لإنتاج المحاصيل الغذائية العالمية، فقد أدت موجات الجفاف إلى نفوق الماشية، وتدمير مصادر مياه الشرب، وتصحُّر الأراضي الزراعية، ما دفع العديد من المزارعين إلى النزوح، وفي مصر، على سبيل المثال، هاجر العديد من الفلاحين من دلتا النيل إلى جنوب البلاد بسبب السيول الصيفية غير المألوفة.

إلى جانب ذلك، تتسبب الفيضانات في نقل الأمراض، وتدهور التربة، وزيادة انتشار الآفات التي تهدد صحة الإنسان والتربة معًا. في خضم هذه الكوارث، تُهمَّش صحة المرأة ورعايتها، حيث يُعطى الرجل الأولوية لتوفير الغذاء والدخل، مما يعزز تنميط أدوار الجنسين.

تشير التقارير إلى أن تأثير التغير المناخي على النساء يفوق تأثيره على الرجال بـ 14 مرة، مع ارتفاع معدلات وفيات الإناث مقارنة بالذكور. كما أدى نقص الموارد الغذائية الناتج عن الأزمات المناخية إلى زيادة معاناة المجتمعات الفقيرة، حيث تشكل النساء 70% من سكانها.

في ظل الأزمات، تتحمل النساء عبئًا إضافيًا بسبب أدوارهن الاجتماعية التي تضعهن كمقدمات رعاية ومسؤولات عن توفير الطعام والمياه والتدفئة. عدم ضمان توفر الطعام دفعهن لبذل المزيد من الوقت والمجهود لإيجاد بدائل، ما عرّض حياتهن للخطر وزاد من حالات العنف المنزلي.

من المؤشرات المقلقة لهذه الأزمة أن التغيرات المناخية حرمت نحو 4 ملايين فتاة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط من استكمال تعليمهن في عام 2021، مع توقعات بارتفاع هذا العدد إلى 5 ملايين فتاة بحلول عام 2025.

اقرأ أيضًا:على سُفرة التمييز.. كيف يعمق الغذاء فجوة العنف ضد النساء؟

تأثير نقص التغذية على النساء

تواجه النساء تحديات متزايدة في الحصول على التغذية السليمة بسبب التغيرات المناخية، ما يجعلهن أكثر عرضة للأمراض المرتبطة بسوء التغذية، خاصة الحوامل والمرضعات. يؤدي نقص العناصر الأساسية كالبروتينات والحديد والكالسيوم إلى تفاقم هذه المشكلات، مما يزيد من ضعفهن الصحي والاجتماعي.

كشف تقرير للتحالف السويسري "Sufosec" من أجل أنظمة غذائية مستدامة ومجتمعات متمكنة، أن النساء يعانين من سوء التغذية بمعدل 10% أكثر من الرجال في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وأشار التقرير إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا تعاني من فقر الدم.

كما أكدت تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن النساء الحوامل والمرضعات أكثر الفئات تأثرًا بانعدام الأمن الغذائي الناتج عن تغير المناخ، فضلًا عن تعرض النساء في المجتمعات الزراعية لخطر مباشر بسبب تدهور التربة والموارد المائية.

تزايد الأعباء على النساء

تعاني النساء من تحديات اقتصادية واجتماعية مستمرة، إذ إنهن غالبًا الأكثر فقرًا وأقل دخلًا من الرجال، ومع الأزمات المناخية، زادت الأعباء الاجتماعية عليهن بشكل كبير، وأدى ذلك إلى تسرب الفتيات من التعليم، إما بسبب الزواج المبكر أو للمساهمة في إعالة أسرهن ماليًا.

في المجتمعات المهمشة، تتحمل النساء أعباءً إضافية، مثل البحث عن المياه والطعام في ظروف قاسية، ما يعرضهن لمخاطر صحية ويستنزف وقتهن وجهدهن، كما يواجهن في المناطق الزراعية زيادة في ساعات العمل دون الحصول على الرعاية الصحية الكافية أو الراحة، ما أدى إلى تدهور صحتهن العامة.

ومع ارتفاع أسعار الغذاء، تضطر النساء إلى اتخاذ قرارات مجحفة لتوفير احتياجات الأسرة، حيث يحصلن غالبًا على وجبات غذائية منخفضة القيمة مقارنة بالرجال في الأسرة.

تغيير السلوكيات

أصبح التعامل مع التغيرات المناخية ضرورة ملحة وليست خيارًا، فقد أدت التغيرات في الفصول الزراعية -نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والجفاف- إلى عدم استقرار المحاصيل وارتفاع أسعار الغذاء، لذلك، يجب البحث عن سلوكيات جديدة للاستهلاك الغذائي، مثل تقليل الهدر وتفضيل المنتجات المحلية والموسمية.

كما أظهرت تقارير حديثة أن النساء يميلن إلى إعادة تدوير الموارد الغذائية والبحث عن بدائل مستدامة، ما يسهم في تقليل استخدام الوقود وخفض تأثير الكوارث المناخية.

تعليم النساء والفتيات أصبح ضرورة، فهن في مقدمة الإنتاج الزراعي وأكثر قدرة على مواجهة تغير المناخ بطرق مستدامة. وجود نساء واعيات بتغذية سليمة ومتوازنة على مستوى الأسرة يمكن أن يقلص الفجوة الغذائية بين الجنسين، ويوفر بيئة أكثر أمانًا للنساء والأطفال غذائيًا وصحيًا.

اقرأ أيضًا:تزويجهن جريمة.. قاصرات ينجبن أطفالًا وجميعهم بلا حقوق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة