أمام أحد المراكز التجارية في القاهرة، وقفت ناباسا، مهاجرة إفريقية، ممسكة بيدي طفليها وحاملة طفلتها الثالثة، وهي تسترجع ذكرياتها، وقصة حبها مع زوجها التي بدأت على سواحل إفريقيا، واستمرت لسنوات حتى زواجهما وإنجابهما ثلاثة أطفال.
لكن الحرب الأهلية في بلدهما قلبت حياتهم رأسًا على عقب، فساعدها زوجها على النزوح الآمن إلى مصر، بينما ظل عالقًا هناك بفعل سياسات دولتهما.
مرت ثلاث سنوات منذ أن رأته آخر مرة، تُعيد على خيالها مشاهد أولى ليالى الحرب الأهلية، وكيف بدأوا التفكير في أسرتهم، وكيف تركوه وحيدًا هناك، تنتظر بفارغ الصبر مكالمة "فيديو" منه اليوم، بعد أسابيع من التواصل المتقطع.
تعيش ناباسا حياة ضبابية، فهي لا تعلم متى يلتم شمل أسرتها الصغيرة أو ما إذا كانت ستضطر للانتقال إلى وجهة أخرى، ومع ذلك، تعتبر نفسها من المحظوظات؛ فقد حصلت على أوراق رسمية تتيح لها الإقامة في مصر، وتمكنت من إلحاق أطفالها بالمدارس، لكن الصعوبات المادية ترهقها، فالإعانة الشهرية بالكاد تغطي نفقات بيتها الصغير.
قطعت أفكارها كلمات جارحة من أحد المارة في الشارع، وهي تجربة مألوفة لها كامرأة مهاجرة وأم وحيدة، ورغم تحدياتها اليومية، لا تتوانى ناباسا عن بذل الوقت والجهد حتى يستطيع زوجها العودة مرة أخرى بينها وأولادهم.
لماذا تهاجر النساء؟
احتفل العالم أمس باليوم الدولي للمهاجرين، والموافق 18 ديسمبر من كل عام، وبمناسبة هذا اليوم يجب تسليط الضوء على الهجرة النسائية، وهي ليست ظاهرة جديدة، فالأسباب كثيرة ومختلفة لكنها مستمرة، وقد تحدث نتيجة نزوح عائلي جماعي أو بسبب تشابك لظروف اجتماعية واقتصادية معقدة، وفي كل الأحوال، تستمر الأدوار الاجتماعية والبيولوجية للنساء أثناء التنقل، ما يزيد من تعقيد معاناتهن.
خلال أوقات النزاعات، تشكل النساء نصف عدد النازحين واللاجئين، وزيادة الخطر على النساء ترتفع نسبته وترتفع معدلات العنف على أساس النوع الاجتماعي في أوقات الحروب، ووفق تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن أكثر من 30% من النساء يتعرضن للعنف الجنسي في مناطق النزاع.
كما تشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى استخدام النساء كأدوات حرب، ما يؤدي إلى ارتفاع حالات الاغتصاب والاعتداء، كما حدث في السودان نتيجة ممارسات تعكس ثقافات ذكورية قمعية.
ومن الناحية الاقتصادية، فتعاني النساء من ارتفاع معدلات الفقر بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بالرجال، ويزداد هذا التحدي مع نقص الرعاية الصحية، حيث لا تحصل 50% من النساء في مناطق النزاع على الرعاية الكافية، ما يعرض حياتهن للخطر أثناء الحيض أو الحمل أو الولادة.
فعلى الصعيد الاقتصادي، تسعى العديد من النساء للهجرة لتحسين ظروفهن المعيشية ودعم أسرهن، خاصة من خلال العمل في العمالة المنزلية، ورغم ذلك، فإن نسبة النساء المهاجرات إلى الدول العربية لا تتجاوز 17%، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 41%، بسبب طبيعة القطاعات التي تستقطب المهاجرات.
بينما أضافت التغيرات المناخية عبئًا جديدًا على النساء، خاصة العاملات في القطاع الزراعي، حيث يؤدي الجفاف في أرض الصومال، على سبيل المثال- إلى نزوح عشرات الآلاف وعيشهم في مخيمات النازحين داخليًا لسنوات، ما يزيد من معاناتهن الاقتصادية والاجتماعية.
وفي آسيا، يستغل تجار البشر تشرد العائلات نتيجة الأعاصير لاستغلال الفتيات، ما يعكس الارتباط بين أزمة المناخ وزيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
والهجرة بالنسبة للنساء ليست مجرد انتقال جغرافي؛ بل هي رحلة معقدة تمزج بين التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والتي تتطلب حلولًا شاملة لمواجهة آثارها المتفاقمة.
المهاجرات بين العنف والاندماج
تعاني أغلب المهاجرات من ويلات الحرب أو الظروف الاقتصادية الصعبة أو حتى الكوارث البيئية الطبيعية، ورغم ذلك، يواجهن على مستويات أخرى خطابًا من الكراهية في المجتمعات المضيفة، ما يزيد الأمر سوءًا خصوصًا للنساء اللاتي يمثلن الفئة الأكثر تهميشًا.
ويعد العنف المرتبط بالنوع الاجتماعي أبرز التحديات التي تواجهها المهاجرات، حيث تبدأ معاناتهن من التحرش الجنسي والمضايقات في أماكن العمل، وتتصاعد لدى النساء اللاتي يهاجرن بشكل غير قانوني، فهن معرضات أيضًا للاستغلال من قبل عصابات التهريب أو أصحاب العمل، وإضافة إلى ذلك، قد يتم تهديدهن بالطرد أو الترحيل، ما يجعلهن أقل قدرة على الدفاع عن حقوقهن.
تحديات في مواجهة المهاجرات
تواجه المهاجرات صعوبة في العثور على وظائف جيدة بسبب التمييز المرتبط بالنوع الاجتماعي أو العرق أو الوضع القانوني، وغالبًا ما يُجبرن على العمل في وظائف غير رسمية أو ذات أجر منخفض، ما يجعلهن عرضة للاستغلال ويفقدهن العديد من الحقوق الاجتماعية، كما أنها إذا كانت تعيش في وضع غير قانوني، فقد تخشى التوجه إلى السلطات المحلية خوفًا من الترحيل أو الملاحقة القانونية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن النساء المهاجرات يساهمن بنسبة تصل إلى 17 % من النسبة العالمية البالغة 41 % لعمالة المهاجرين وذلك كما تشير منظمة العمل الدولية، ووفق هذه التقديرات، فيمكن القول أن هذه النسبة المنخفضة من العاملات المهاجرات سببها حقيقة أن معظم المهاجرات يعملن في قطاع العمل المنزلي، ومع ذلك، تبقى هذه الجهود غير معترف بها في العديد من وسائل الإعلام.
ففي الأغلب، لا تذكر وسائل الإعلام المختلفة أهمية العمالة من المهاجرين حيث تساهم النساء المهاجرات في القوى العاملة بنسبة 72.7 %، كما جاء في تقرير عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، وتُعد هذه النسبة أعلى من مشاركة النساء غير المهاجرات التى تقدر بـ 63.9%.
ومع كل هذه الأعباء، تواجه المهاجرات تحديات إضافية في التكيف الاجتماعي والثقافي، فغالبًا ما يشكل الانشغال برعاية الأسرة عائقًا أمام تعلم لغة البلد المضيف، ما قد يحد من فرصهن في التدريب المهني والاندماج في سوق العمل.
حيث أن عائق اللغة يعزز من العزلة الاجتماعية ويحول دون تكوين شبكات داعمة، كما يصعّب التواصل مع مقدمي الخدمات الصحية والقانونية، ويؤثر على حصول الأطفال على التعليم.
كما تُعد الصحة تحديًا كبيرًا للمهاجرات، حيث يعاني العديد منهن من أمراض نتيجة ظروف السفر الصعبة وطول إجراءات الهجرة، وكشفت جائحة كوفيد -19 هشاشة وضع المهاجرين، حيث صعّب نقص الدخل والتكدس السكاني الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
وتؤثر هشاشة النوع الاجتماعي والعرقي على فرص النساء في الحصول على الرعاية الصحية، خاصة فيما يتعلق بالخدمات المرتبطة بالإنجاب، ووفق تقرير طبي صادر عن المعاهد الوطنية للصحة التابعة للحكومة الأمريكية، تؤدي قلة الخدمات الصحية أحد أسباب الوفيات والأمراض والإعاقة بين المهاجرات.
وفي النهاية، فإن معالجة أزمة المهاجرين تعد خطوة إنسانية أساسية، فمن حق كل إنسان التنقل بحثًا عن الأمان والرزق، ومع استمرار التحديات المناخية التي تهدد الدول، قد تتحول الدول المضيفة نفسها إلى دول مصدرة للمهاجرين مستقبلًا. لذا، فمن الضروري دراسة أوضاع المهاجرين وتطوير استراتيجيات ملائمة لدمجهم في المجتمعات المضيفة.