لجنة شئون الأحزاب.. قراءات ممتدة

خلال الأيام القليلة الماضية، عادت لجنة شئون الأحزاب، إلى صدارة المشهد السياسي، على خلفية الحديث عن قرارها بالإعلان، عن إعادة رسم ملامح الهيكل القيادي لحزب (الوعي) وتنامي المعلومات حول وجود تحركات لإنشاء حزب سياسي جديد (اتحاد مصر الوطني)، وما قد يستتبعه من خلخلة (أو حلحلة) في معطيات المشهد الحزبي على المستوى الوطني العام.

ابراهيم العرجاني يتقدم حضور اجتماع اتحاد القبائل الاخير وسط انباء عن تدشين حزب جديد - الصورة من حساب الاتحاد على فيس بوك
ابراهيم العرجاني يتقدم حضور اجتماع اتحاد القبائل الاخير وسط انباء عن تدشين حزب جديد - الصورة من حساب الاتحاد على فيس بوك

لتكون المناسبة مناسبة لتجدد الحديث عن اللجنة ودورها وتأثيراتها على مشهد الحراك الوطني العام قبيل موسم انتخابي شديد السخونة والترقب على المستوى النخبوي والجماهيري على حد سواء.

فاللجنة التي نشأت بموجب المادة (8) من قانون تنظيم شئون الأحزاب رقم (40) لسنة 1977 وشهدت تشكيلتها إدخال عدد (4) تعديلات عليها للخلاص من طابعها التنفيذي والحكومي الذي جعل من أمين اللجنة المركزية رئيسا لها وعضوية وزير العدل والوزير المختص بالتنظيمات الشعبية والسياسية ووزير الداخلية وعدد (3) من غير المنتمين للأحزاب السياسية من رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم وصولا للتشكيل القضائي الشامل بالقانون رقم (12) لسنة 2011 والذي نص على أن (تتشكل اللجنة من النائب الأول لرئيس محكمة النقض رئيسا وعضوية نائبين لرئيس محكمة النقض ورئيسين بمحاكمة الاستئناف ونائبين لرئيس مجلس الدولة) تحولت بعد عدد محدود من السنوات لتكون عائقا أمام تطور ونضج التجربة الحزبية الوطنية بدلا من أن تكون معززة لها.

ملاحظات عدة

ولضمان القدرة على تقديم قراءة موضوعية ومعقولة لدور لجنة شئون الأحزاب وتأثيرات ممارساتها الفعلية على المشهد العام بكافة تفصيلاته فإننا يمكن أن نوجز ملاحظاتنا حول دور وممارسات اللجنة على النحو التالي :

أولا : أن اللجنة التي أناط لها القانون سلطة ( فحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية ) وفقا للضوابط والاشتراطات المنصوص عليها فى المواد (3/4) من القانون تجاهلت وجود شروط لم تعد تتناسب مع طبيعة النظام السياسي القائم أو يمكن على المستوى الوقائعي تخيل التزام العديد من الأحزاب القائمة بها مثل الشرط الذي تضمنته المادة (3) من القانون رقم (40) لسنة 1977 من أن تسهم الأحزاب السياسية في تحقيق (الإشتراكية الديمقراطية) وبالرغم من إدخال (7) تعديلات على هذا القانون عبر (47) سنة والتغيرات الهائلة في بنية وتوجهات النظام السياسي الا ان هذا الشرط استمر قائما بالرغم من أنه لا يتصور العقل إمكانية أن تلتزم به الأحزاب ذات الطابع الليبرالي أو الرأسمالي فما بالنا بأن تطبقه.

حزب الوعي في تأسيس ثان برئاسة باسل عادل
حزب الوعي في تأسيس ثان برئاسة باسل عادل

ثانيا : أن اللجنة المنوط بها الترخيص بنشأة وقيام الأحزاب السياسية أو الاعتراض عليها لم تصدر عبر تاريخها الطويل أي إحصاء أو تقرير يتضمن تحديد لعدد وتوجهات الأحزاب السياسية القائمة أو التي في طريقها لتوفيق أوضاعها لدرجة أن الرقم الصحيح لعدد الأحزاب السياسية أصبح أحد لوغريتمات السياسية المصرية التي يدلي الجميع بدلوه فيها دون مرجعية أو مصدر يمكن الرجوع له بل إنه في العديد من الحالات والمواقف صدرت تصريحات رسمية من مسئولين تضاربت حول هذا الرقم.

ثالثا : أن اللجنة التي تعد البوابة الرئيسية لضمان تفعيل النص الدستوري للمادة رقم (5) والتي تجعل من التعددية الحزبية والسياسية أساسا للنظام السياسي لا تمتلك حتى تاريخه موقعا إلكترونيا يمكن للباحثين والمهتمين الرجوع له في التعرف على طبيعة الحياة الحزبية أو تدقيق المعلومات حول الأحزاب القائمة والوضع التنظيمي لهياكلها القيادية وهو سلوك لا يمكن تفهم مسبباته في ظل الرقمنة والتحول الرقمي للحكومة المصرية .

رابعا : غياب دور اللجنة في التعاطي مع العديد من الوقائع والممارسات المتعلقة بما يطلق عليه ظاهرة شراء الأحزاب السياسية وما ينتج عنها من صراعات فما بين ليلة وضحاها نجد أنفسنا أمام شخص ينتقل من وضع قيادي في حزب ما ليصبح رئيسا (وصاحبا) لحزب أخر وهي وقائع تواترت وتكررت لتصبح سمة رئيسية في المشهد الحزبي خلال السنوات الأخيرة دون كلمة أو موقف من لجنة شئون الأحزاب.

رئيس البرلمان مع عدد من رؤساء الأحزاب - موقع مجلس النواب
رئيس البرلمان مع عدد من رؤساء الأحزاب - موقع مجلس النواب

خامسا : بالرغم من أن القانون ألزم الأحزاب السياسية القائمة بضرورة إخطار اللجنة بأي تعديلات تدخل على هياكلها القيادية أو لوائحها ونظامها الأساسي بل ومنحها ذات القانون سلطة الفصل في الخلافات الناتجة عن ذلك إلا أن الممارسة الفعلية تظهر سلبية هائلة في القيام بهذا الدور خصوصا في ظل تجاهل العديد من الأحزاب لعقد مؤتمراتها العامة أو إعادة انتخاب قياداتها وفقا لما تتضمنه لوائحها الداخلية رغم كون تلك الألية هي المسار المثالي لتقويم التجربة وتصحيح مساراتها بشكل يتسق وقواعد الديمقراطية التنافسية .

سادسا : افتقاد لجنة شئون الأحزاب السياسية لأية قواعد أو برامج للتعامل مع الأحزاب (تحت التأسيس) والتي لم تستكمل خطوات امتثالها للقانون سواء بالنسبة للمدة الزمنية المتاحة أمامها أو فيما يتعلق بالممارسات المصرح لها القيام بها تحت تلك الصفة حيث يكشف الواقع استمرار بعض تلك الكيانات غير المتماسكة قانونا لمدد سنوية طويلة بل وقيام بعضها بإصدار وتوقيع البيانات والمخاطبات ذات الطابع المحلي والدولي وكأنها كيانات قانونية متكاملة الأركان.

سابعا : تجاهل اللجنة للتعامل مع العديد من الأحزاب التي هرب قادتها للخارج في أعقاب الحراك الشعبي الكاسح في 30 يونيو والتي يقارب عددها (17) حزبا بل وقيامهم بإصدار البيانات والتصريحات المعادية للدولة المصرية والتحرك في الخارج في ظل استراتيجية لا تتفق مع قواعد ومحددات قانون الأحزاب ودون أي وجود أو تواجد داخل البلاد يسمح باستمرار وضعها القانوني قائما.

في ظل تلك الملاحظات وما ينتج عنها من عوارض لا تتسق والغايات الأساسية من وراء التعددية الحزبية يصبح من الضروري التفكير في حتمية الذهاب لقانون جديد للأحزاب ذو طابع ثوري في استحداثه للقواعد وصرامته في معالجة المثالب والنواقص والتي في مقدمتها طبيعة ودور اللجنة المختصة في نظر طلبات تأسيس وعمل الأحزاب السياسية.

فهل نفعلها ونحن مقبلون على موسم تنافسي ساخن على المستوى الديمقراطي بما يستلزم من إعادة لرسم القواعد وتعديل للتشريعات أم نكون كالنعام الذي يكتفي بدفن رأسه في الرمال حتى لا يرى الأخطار المحدقة به.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة