وانطلق قطار 1000 قائد في المحافظات.. فمتى تتم انتخابات المحليات؟

تعقد عدة أحزاب محسوبة على الموالاة والمعارضة مبادرات مماثلة، متقاربة في العناوين والأهداف، وبشكل متزامن فيما بينها، لتجهيز 1000 قائد محلي بحسب خطة المبادرات التي انطلقت منذ فترة. وهو ما اعتبرته مصادر تحدثت لـ"فكر تاني" خطوة استراتيجية يمكن البناء عليها سياسيًا، سواء أجرت الدولة انتخابات المحليات قريبًا أم لم تفعل.

كشف مصدر سياسي مطلع لـ فكر تاني أن تلك المساعي تأتي في سياق إجراءات مبكرة للاستعداد للانتخابات المحلية، في إطار تنفيذ ما وصفه بـ"شرط تضّمنه رد بعض الأطراف المعنية بمؤسسات الدولة على مطالب الأحزاب بإجراء الانتخابات المحلية"، بأن الدولة لن تُقدم على الدعوة للمحليات قبل امتلاك الأحزاب مرشحين مناسبين لهذه الجولة، التي تتطلب آلاف المرشحين.

ويتردد في الأوساط السياسية المعارضة حديث عن مخاوف الحكومة المصرية من دخول محسوبين على جماعة الإخوان لانتخابات المحليات في حال عقدها دون استعداد الأحزاب. وقال المهندس كمال زايد، القيادي البارز في الحركة المدنية الديمقراطية، في حواره مع "منصة فكر تاني"، مؤخرًا :" من الغريب أن أسمع أنهم لا يريدون انتخابات المحليات بسبب الخوف من الإخوان وفلول نظام مبارك، وفي الوقت نفسه يمنعون غيرهم من العمل والنشاط والاستعداد".

ووعدت الحكومة أكثر من مرة بإجراء الانتخابات المحلية، وشاركت في مناقشات حولها في الحوار الوطني، لكن حتى الآن لم يصدر مجلس البرلمان التشريع الخاص بها، رغم التوافق الحزبي بين الموالاة والمعارضة على أهمية عقد انتخابات المجالس المحلية.

وأعلنت منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، أمام مجلس النواب، منتصف الشهر الماضي، الانتهاء من مسودة أولية من مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد، بعد تشكيل لجنة داخل الوزارة لمراجعة القوانين المعدة للإدارة المحلية ومراجعة قانون رقم 43 لسنة 1979.

مبادرة 1000 قائد محلي

حزب العدل، عضو الحركة المدنية الديمقراطية المجمدة عضويته، كان أول من أعلن في سبتمبر الماضي، عن تأسيس مبادرة 1000 قائد محلي، في خمس محافظات مختلفة، هي القاهرة والجيزة والإسكندرية والغربية وأسيوط.

عبد الرحمن سليم
عبد الرحمن سليم

تستهدف المبادرة الشباب من الجنسين الراغبين في فهم طبيعة العمل السياسي، كخطوة نحو إنتاج قادة سياسيين قادرين على خوض مختلف الانتخابات، سواء لمجلسي النواب أو الشيوخ أو للمجالس المحلية، وفقًا لما أعلنه الحزب.

شهدت مصر آخر انتخابات للمجالس المحلية في عام 2008، قبل أن تقضي محكمة القضاء الإداري بحلها عقب ثورة 25 يناير 2011.

"هذه مبادرة تهدف إلى خلق جيل جيد من القادة والسياسيين، يملك وعيًا سياسيًا، يستطيع الترشح في انتخابات المحليات والشيوخ والنواب"؛ يقول عبد الرحمن سليم، المنسق الإعلامي للمبادرة وأمين مساعد الإعلام المركزي بحزب العدل، عن المبادرة التي أطلقها حزبه، مشيرًا إلى أنها قائمة على 3 مراحل، وتغطي محافظات الجمهورية كافة.

اقرأ أيضًا: استقلال الجامعات وتعديل قانون العمل الأهلي وانتخابات المحليات.. مطالبات على طاولة المحور السياسي بالحوار الوطني

ويضيف سليم، في حديثه لـ فكر تاني، أن الحزب قدم العديد من التصورات خلال جلسات الحوار الوطني بهدف الإسراع في إجراء الانتخابات المحلية، التي غابت لأكثر من 15 عامًا.

ومتحدثًا عن تأثير غياب المجالس المحلية على أداء البرلمانيين في المحافظات، فيقول إن أغلبهم ركز على تقديم الخدمات المحلية بدلًا من أداء أدوارهم التشريعية والرقابية. ولهذا، فإن إجراء الانتخابات المحلية يمثل خطوة مهمة لتخفيف العبء عن النواب ويساهم في دفع عجلة التنمية داخل الدولة، وفق سليم، الذي يشدد على أهمية هذه الانتخابات كركيزة لدعم الاستقرار والتنمية.

جزء من حضور تدريب ألف قائد محلي في حزب العدل
جزء من حضور تدريب ألف قائد محلي في حزب العدل

الكل يستعد بـ 1000 قائد محلي

وكان عدد من الأحزاب المحسوبة على الموالاة أطلق مبادرات مماثلة للتجهيز للمحليات. وأعلن حزب الشعب الجمهوري، في منتصف سبتمبر الماضي، مبادرة تحت عنوان "دورك"، لتأهيل وتدريب 1000 كادر من شباب الحزب، مؤكدًا أن التدريب لشباب الحزب، في مختلف الأمانات على مستوى محافظات الجمهورية، ويستهدف الإعداد لخوض استحقاق المحليات.

ووفق بيانات الحزب، تناول التدريب عددًا من المحاور، منها: ماهية الإدارة المحلية من حيث النشأة والتعريف، والإدارة المحلية في الدستور المصري، والمحليات ما بين النظرية والتطبي، وتشكيلات المجالس المحلية، وكيفية إدارة الحملات الانتخابية.

وفي السياق نفسه، دشن حزب الجيل الديمقراطي تدريبًا بعنوان "البرنامج الوطني لتأهيل القيادات الشبابية للمحليات"، من أجل "الاهتمام بتأهيل الكوادر الشبابية ، والاستعداد للمشاركة في انتخابات المحليات القادمة"، وفق بيان الحزب.

جانب من التدريب المحلي في حزب الشعب الجمهوري - فيس بوك الحزب
جانب من التدريب المحلي في حزب الشعب الجمهوري - فيس بوك الحزب

وأوضح الحزب أنه يستهدف "الدفع بكوادر مؤهلة ومدربة في مختلف مستويات قيادات المجالس الشعبية المحلية بدايةً من المجلس الشعبي المحلي بالحي والقرية ثم المركز والمدينة ثم المجلس الشعبي المحلي بالمحافظة".

ويتضمن برنامج حزب الجيل الديمقراطي محاور عدة، منها: الطريق إلى المحليات، والسمات الشخصية لعضو المحليات، وإدارة الحملة الانتخابية وقضايا الأمن القومي.

وفي السياق نفسه دشن حزب حزب الإصلاح والنهضة، كذلك مبادرة "محليات مصر"، التي تضمنت تدريبات حول تنظيم وإدارة الحملات الانتخابية، وطرق وضع برنامج انتخابي.

مبادرة محليات مصر في حزب الاصلاح والنهضة - فيس بوك الحزب
مبادرة محليات مصر في حزب الاصلاح والنهضة - فيس بوك الحزب

تنسيقية المحليات

ودشنت الحركة المدنية الديمقراطية "تنسيقية المحليات" في مايو الماضي، في نفس إطار الإعداد للانتخابات المحلية. يقول وليد العماري، المتحدث باسم الحركة، إن التنسيقية تجري تدريبات لأعضاء أحزاب الحركة والتنسيق فيما بينهم من أجل التجهيز لانتخابات المحليات، مشيرًا إلى أن الحركة تدرس إنشاء أكاديمية متخصصة لذلك.

وليد العماري
وليد العماري

ويؤكد العماري، في تصريحاته لـ فكر تاني، أن التنسيقية تستهدف إنشاء كادر محلي شعبي قادر على التواصل مع الشارع ودراسة القوانين ذات الصلة.

ويوضح أن عدم إجراء الانتخابات المحلية منذ عام 2008، بالإضافة إلى تأخر إصدار قانون المحليات كاستحقاق مكمل لدستور 2014، يؤثر سلبًا على المناخ المحلي ويساهم في ضعف وجود الكوادر المؤهلة، مما يستدعي سرعة تجهيزها استعدادًا للانتخابات عند أول فرصة.

اقرأ أيضًا: مبادرة زياد بهاء الدين 2.. كيف نُحيي المسار الديمقراطي في بلد مأزوم؟ (سياسيون يشتبكون)

ويحذر العماري من خطورة استمرار غياب المحليات، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطنون، والتي تعيق حصولهم على الخدمات الأساسية.

وقدم حزب المحافظين، أحد أعضاء الحركة، دعوى قضائية ضد الحكومة بسبب التأخر في إصدار قانون المحليات وإجراء الانتخابات، لكنها لم تُحسم حتى الآن.

أكاديمية المحليات

وأطلقت كتلة الحوار "برنامج أكاديمية المحليات"، في منتصف أغسطس الماضي، وقالت إنه "برنامج شامل لتدريب الشباب علي الحكم المحلي وتجهيز كوادر تخوض سباق انتخابات المجالس المحلية في الفترة القادمة".

مارجريت عازر
مارجريت عازر

وفي بيانها، قالت كتلة الحوار إن "المجالس المحلية آلية هامة للرقابة علي الأحياء والمحافظات غائبة منذ 28 يونيو عام 2011، بعد حكم القضاء الإداري بحل المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية، ومنذ هذا الوقت لم تعد لدينا مجالس محلية، وإن وجود مجالس محلية منتخبة أمر هام لصنع كوادر جديدة وإيجاد رقابة شعبية فعلية على المحليات وإتاحة صنع كوادر يتم تصعيدها للانتخابات النيابية في كل المجالات تخفيفًا للعبء على البرلمان".

ولذا، دفعت الكتلة، وفق بيانها، بالمبادرة بتدريب كوادر قادرة على خوض انتخابات المحليات لأن "مثل هذه المبادرات والبرامج مهمة في هذا الوقت"، كما تقول النائبة السابقة مارجريت عازر عضوة كتلة الحوار لـ فكر تاني.

تضيف عازر أنه إلى الآن هناك مؤشرات إيجابية تدل على وجود استعدادات لإجراء الانتخابات المحلية، منها مناقشة الحوار الوطني لمقترحات قانون الإدارة المحلية، وضغط الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لإجراء الانتخابات باعتبارها خطوة أساسية لاستكمال البنية الديمقراطية، وتعزيز الديمقراطية المحلية.

توصيات الحوار الوطني

في أغسطس 2023، أوصى الحوار الوطني، في ختام جولته الأولى، بسرعة إصدار قانون المجالس الشعبية المحلية وإجراء انتخاباتها في أقرب وقت.

وأكد مجلس أمناء الحوار الوطني التوافق على النظام الانتخابي للمجالس الشعبية المحلية، الذي يجمع بين القائمة المطلقة المغلقة بنسبة 75% والقائمة النسبية المنقوصة بنسبة 25%، على أن تتضمن كل قائمة حدًا أدنى من ثلاثة أفراد.

كما طالبت التوصيات بإعادة النظر في التشريعات المصرية المتعلقة بتوسيع صفة العامل والفلاح عند الترشح لعضوية المجالس الشعبية المحلية. وشددت التوصيات على ضرورة توفير آليات وتدابير تتيح إشراك المواطنين في التخطيط وإدارة المشروعات والمرافق، بما في ذلك تشكيل "لجان التخطيط التشاركي".

توصيات الحوار الوطني أكدت منذ عام ضرورة الاسراع باجراء انتخابات المحليات - الصورة من الحساب الرسمي للحوار على فيس بوك
توصيات الحوار الوطني أكدت منذ عام ضرورة الاسراع باجراء انتخابات المحليات - الصورة من الحساب الرسمي للحوار على فيس بوك

كما أوصى الحوار الوطني بالنظر في وضع المدن بالمجتمعات العمرانية الجديدة، مؤكدًا على أهمية حصول المواطنين المقيمين فيها على حقهم في انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية.

وشددت التوصيات على ضرورة ضمان الحوكمة والشفافية في هذه المجتمعات، بما يتماشى مع مبادئ المساواة مع باقي المواطنين الذين يتمتعون بحق انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية.

1000 قائد محلي.. خطوة استراتيجية

يصف مصطفى الحجري، عضو المكتب التنفيذي لمجموعة "دوائر للحلول والسياسات"، اهتمام الأحزاب ببناء قيادات محلية قادرة على العمل العام وقيادته في أي لحظة بأنه إجراء مهم، وأن أي مبادرة في العمل العام الآن تعتبر أفضل بكثير من السلبية والجمود الذي يعاني منه الجميع، بما في ذلك التيارات المدنية.

مصطفي الحجري
مصطفي الحجري

ومع ذلك، يعتقد الحجري أن فرصة إجراء انتخابات المحليات في المستقبل القريب ضئيلة، بسبب خوف السلطات المصرية من نتائجها، إذ أن هذه الانتخابات بعيدة عن نماذج إدارة أجهزة الدولة للانتخابات البرلمانية.

ويشير في حديثه لـ فكر تاني، إلى أنه سواء أُجريت الانتخابات المحلية أم لا، فإن هذه الخطوات تعتبر خطوة استراتيجية محمودة من أي حزب، وخاصة الأحزاب المدنية، التي من المفترض أن تقوم بها جميع الأحزاب الأخرى.

ويضيف الحجري أن هذه التدريبات تساهم في تكوين كوادر محلية فعالة، وإعداد جيل جديد من الشباب الواعي باحتياجات المجتمع وقادر على التعامل مع التحديات السياسية، فضلًا عن تنشيط العمل الحزبي في ظل حالة الانحسار السياسي الحالية.

ويوضح أن هذه الأنشطة، على المدى البعيد، قد تساهم في خلق جيل منغمس في المجتمع، قادر على التعامل مع قضايا متعددة، ليس فقط في مجال المحليات، بل أيضًا في انتخابات البرلمان، وهو ما تحتاجه مصر بشدة لبناء مستقبل أفضل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة