كيف "خض" مدبولي الأسواق بحديثه عن الدولار؟

أثارت تصريحات متتالية لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي بشأن مستقبل الجنيه أمام الدولار قلقًا داخل السوق المحلية، خاصة بعدما قال نصًا: "ما تتخضوش لو الدولار زاد"، وأعاد التأكيد أكثر من مرة على التزام حكومته التام بمرونة سعر الصرف.

في مؤتمر صحفي الأربعاء، تطرق مدبولي للتقارير الصحفية التي تتحدث عن إمكانية حدوث تعويم جديد أو كسر الدولار مستوى الخمسين جنيهًا، قائلًا إنه لن يكون هناك تقييدًا لحركة الدولار الذي ارتفع أمام العملات سواء اليورو أو الجنيه الإسترليني منذ الانتخابات الأمريكية.

أشار مدبولي إلى أن الجنيه المصري جزء من منظومة عالمية موجودة، وبالتالي "منتخضش إن يبقى في زيادات وبعدها ممكن يرجع تاني.. إحنا بنتحرك في إطار سوق حر وعرض وطلب، وأهم شيئ إن مفيش حاجة متأخرة، ودا ما أؤكد عليه، الحركة موجودة والعرض والطلب موجود، والتجارة والصناعة تأخذ مستلزماتها".

تصريحات أثارت القلق في الأسواق

فتحت عبارة "ما نتخضش" الباب أمام التأويلات في السوق المحلية، واعتبرها البعض مؤشرًا على ارتفاع كبير للدولار، خاصة أن الحكومة لا تزال تنتظر قرار البعثة بالموافقة على 1.3 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي، بعدما أنهت المراجعة الرابعة قبل 10 أيام.

أمام حالة القلق التي أثارها مدبولي، استغل فرصة إجرائه جولة على منشآت صحية مساء السبت ليحاول امتصاص قدر من قلق السوق، مؤكدًا أن تحرك سعر صرف الدولار أمام الجنيه بنسب تتراوح بين 4% و5% يُعد أمرًا منطقيًا.

وسجل سعر الدولار 47.20 جنيه للشراء، و47.30 جنيه للبيع بنهاية مارس 2024، الذي شهد تحريكًا لسعر الصرف، وبلغ حاليًا 49.55 جنيه للشراء و49.65 جنيه للبيع، بنسبة زيادة 4.9%.

وأضاف أن تلك الزيادة تتماشى مع تطبيق سياسة سعر الصرف المرن، وهو معدل ارتفاع الدولار منذ مارس الماضي، وما ستشهده الفترة المقبلة من تحرك في هذا الإطار، مشيرًا إلى أن الحكومة لن تكرر الأخطاء السابقة.

ووفقًا لمدبولي، فإن الأخطاء السابقة تمثلت في اعتبار تثبيت سعر الصرف دليلًا على قوة ومكانة الدولة، حيث أدى التمسك بالتثبيت لفترة معينة إلى اضطرار الحكومة لتعويم العملة بعد كل أزمة بأرقام كبيرة، مثل خفض سعر الجنيه بنسبة 30% و40%.

جدل حتى بين مؤيدي الحكومة

الإعلامية المصرية لميس الحديدي، عبر حسابها على منصة "إكس"، انتقدت تصريحات رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، مؤكدةً أن كل زيادة في سعر الدولار تعني ارتفاعًا في الأسعار، بينما أي انخفاض فيه لا يعني أبدًا خفضًا للأسعار.

وقال الإعلامي مصطفى بكري إن تصريح مدبولي أثار ضجة كبيرة، مضيفًا: "الناس تصورت أن سعر الدولار سيرتفع، فمنهم من يقول إنه سيصل إلى 60 جنيهًا، وآخرون يتوقعون 70 جنيهًا. وأتمنى من رئيس مجلس الوزراء أن يخرج ويوضح المسألة بشكل يطمئن الناس".

وفي محاولة لتهدئة المخاوف، أجرى المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، مداخلات عبر عدة فضائيات، أوضح خلالها أن اتباع سياسة سعر الصرف المرن يُعد أمرًا أساسيًا لضمان استقرار سوق النقد ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وأكد الحمصاني أن تحركات سعر الدولار، سواء بالزيادة أو النقصان، لن تتجاوز نسبة 4% إلى 5%، نافيًا احتمالات ارتفاعه بنسب تصل إلى 30% أو 40%. ورغم هذه التوضيحات، لا يزال القلق قائمًا بين قطاع واسع من الفئات الشعبية.

لماذا يتحدث مدبولي عن سعر الصرف؟

يقول هاني توفيق، الخبير الاقتصادي رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا، إن تصريح رئيس الوزراء التي يقول فيها إن علينا الاستعداد لتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار أسوة بباقي عملات العالم هو تصريح غير موفق.

ويضيف في حديثه لـ فكر تاني: "على المستوى الشكلي، التحدث عن سعر العملة يقتصر فقط على محافظ البنك المركزي، وعلى المستوى الموضوعي لأن تحرك سعر الصرف تحكمه متغيرات اقتصادية عديدة، ليس ضمنها بالتأكيد، محاكاة العملات الأخرى".

أعلنت مصر منذ عدة أشهر إطلاق مؤشر الجنيه، بهدف قياس قيمة الجنيه مقابل سلة من العملات وعناصر أخرى كالذهب وغيره، على اعتبار أن الولايات المتحدة ليست الشريك التجاري الأول لمصر، وبالتالي لا يوجد مبرر لربط الجنيه بالدولار، لكن الأمر لم يدخل حيز التنفيذ إلى الآن.

تصريحات تثير القلق

يرى الخبير المصرفي طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم سابقًا، أن تصريحات الحكومة حول الدولار تشكل مصدر قلق حقيقي للجميع، بما في ذلك الحكومة نفسها، بسبب التزاماتها المالية الضخمة.

الخبير المصرفي طارق متولي نائب رئيس بنك بلوم سابقًا
الخبير المصرفي طارق متولي نائب رئيس بنك بلوم سابقًا

وتشمل هذه الالتزامات سداد 1.7 مليار دولار لصندوق النقد الدولي في نوفمبر وديسمبر، وسندات دولية بقيمة 1.3 مليار دولار تُستحق في نوفمبر.

كما يتعين على مصر سداد 3 مليارات دولار لصندوق النقد في النصف الأول من العام المقبل، وسندات باليورو بقيمة 750 مليون يورو في أبريل 2025، وسندات بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو 2025، ما يزيد الضغط على الاقتصاد والدولة.

واعتبر متولي أن حديث رئيس الوزراء عن الدولار جانبه الصواب، إذ أن التصريحات المتعلقة بسعر الصرف والسياسة النقدية من اختصاص البنك المركزي، وليس الحكومة.

وأضاف أن هذه التصريحات تزيد المخاوف من ارتفاع الأسعار، خاصة مع الإشارة إلى احتمال زيادة سعر الدولار.

وشدد على ضرورة اختيار التوقيت والمفردات بدقة عند تناول مواضيع حساسة مثل سعر الصرف لتجنب إثارة القلق.

من ناحية أخرى، أفاد مسؤول بوزارة المالية لموقع "فكر تاني" أن حديث مدبولي عن سعر الصرف جاء في سياق دوره كرئيس للمجلس التنسيقي للسياسات المالية والنقدية، الذي ينسق بين المجموعة الاقتصادية والبنك المركزي، ما يبرر مشاركته في مناقشة القضايا النقدية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة