الحروب والنزاعات.. تشوه البيئة وتُثقل كاهل النساء

في الحرب.. كُلنا خاسرون، وغالبًا ما نتناول الحديث عن الخسائر المادية والبشرية دون الأخذ فى الاعتبار الخسائر دائمة الأثر على البيئة. تتسبب الحروب في تلوث بيئي لا يجب إغفاله، والذي يحدث نتيجة العمليات العسكرية التي تتطلب استهلاك مزيد من الوقود، ما يؤدي إلى تغيرات مناخية واضحة. 

هذه العمليات العسكرية قد تستهدف الغابات والأشجار وتهدد الحياة البرية للحيوانات ما قد يؤدي إلى التصحر والخلل فى التنوع البيئى الذي تفاقم -على سبيل المثال- نتيجة الحرب السورية المستمرة التي أدت إلى دمار هائل للبيئة الطبيعية هناك. 

كذلك، عطلت الحرب الجهود المبذولة لحماية التنوع البيولوجي، وخاصةً في نهر الفرات، الذي يعتبر موطنًا لأنواع مثل سلحفاة الفرات والعديد من الطيور المهاجرة، وأيضًا أدى استخدام المتفجرات والمواد الكيميائية إلى تلوث التربة والمياه، ما ألحق المزيد من الضرر بالزراعة والحياة البرية. 

بالإضافة إلى تدمير الغابات السورية وأجزاء من سلسلة جبال اللاذقية الساحلية الذى أثر على العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة. ويمكن الجزم أنه بحلول عام 2023 فإن 75% من الأراضي الزراعية السورية تعاني من انخفاض حاد في إنتاجيتها بسبب سوء الإدارة والاستغلال المفرط بسبب العوامل الكثيرة الناتجة عن الحرب.  

كل ذلك يصحبه تسرب للوقود والمواد الكيميائية إلى نظام الرى وموارد المياه ما يسبب المزيد من التلوث ويهدد حياة البشر من المزارعين كما حدث فى ليبيا خلال الحرب الأهلية الليبية في 2011، حيث استهدفت الغارات الجوية لحلف شمال الأطلسي البنية التحتية الرئيسية بما في ذلك مصافي النفط وخطوط الأنابيب. 

وإلى جانب الأضرار التي لحقت بحقول النفط، وقعت حوادث تسرب للنفط الخام، خاصة في منطقة "سرت" أدت هذه التسربات إلى تلوث مصادر المياه المحلية التي كانت تستخدم للري، ما أدى إلى تفاقم ندرة المياه في المناطق الصحراوية في ليبيا. 

وتأثرت النظم الزراعية بشدة لاعتمادها على مصادر محدودة للمياه العذبة، كما أدت الحرب إلى تعطيل شبكات توزيع المياه، ما زاد من تعقيد الوضع بالنسبة للسكان. 

ولعل الأدوار الاجتماعية المفروضة على الجنسين تضع المرأة دائمًا فى دور مقدم الرعاية ففي أوقات السلم، قد تجنى النساء دخل إضافي عن طريق الانخراط في أعمال الزراعة أو بيع المنتجات، وخاصةً فى المناطق الريفية حيث تشارك المرأة في إيجاد طرق زراعية أكثر استدامة. 

وبالإضافة إلى ما سبق، فالمرأة تأخذ دورًا أساسيًا في أوقات حصاد المحاصيل وتجهيزها، ففي الأردن على سبيل المثال، غالبًا ما تكون النساء مسؤولة عن صنع الجبن وتجفيف بعض الخضروات والفاكهة وعلى الأغلب يقمن ببيع هذه المنتجات وقد رأى اغلبنا نماذج من هؤلاء الريفيات في حياتنا اليومية.   

أما في المنزل، مسؤولية الأطفال والزوج ورعاية المرضى وكبار السن تقع بالكامل على المرأة ومع التغيرات المناخية لا تتغير هذه المسئوليات، بل قد تتضاعف فمع أزمة نقص المياه الملحوظة قد تضطر النساء إلى المشي لساعات طويلة للبحث عن ماء لتستخدمها الأسرة. هذه المسؤوليات والمعاناة دائمًا ملقاة على كتف المرأة في أوقات السلم قبل الحرب، لكن غالبًا ما يتم تجاهل المرأة في أوقات الحرب فلا يتم النظر إلى احتياجاتها كأولوية.

أعقاب السابع من أكتوبر

تؤدي الحروب إلى عرقلة هذه الأدوار لأنها تُعيق الوصول إلى الموارد الطبيعية فتدمير الأراضي الزراعية يؤدي إلى مشاكل جديدة في نقص الأمن الغذائي، وتُعد أزمة ندرة المياه واضحة أثناء الحروب، فالتفجيرات قد تستهدف السدود والخزانات والآبار وأي مصدر للمياه ما يترك النساء فى خطر مواجهة الجفاف ومحاولة العثور على طرق مضنية للحصول على الماء، وهنا فإن المياه للنساء ليست رفاهية فهن يحتجن إلى شرب المياه النظيفة واستخدامها فى النظافة الشخصية لتجنب خطر الأمراض المتفشية أثناء الحروب.

أما إذا تناولنا التدفئة، فالحرب تُحيل بين النساء والعثور على مجرد الأخشاب للتدفئة أو حتى نباتات طبية لتعويض نقص الرعاية الطبية.

في غزة، أدى ما يقرب من 39 مليون طن من الحطام إلى تلويث البيئة، وإتلاف أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي، وتلوث إمدادات المياه، وتفاقم أزمة الأمن الغذائي، حيث يستخدم جيش الاحتلال فى عمليات الرش الجوي مواد جليفوسات، "أوكسيجال"، و"ديوريكس" التي تتسبب في أضرار بيئية وصحية تم تجريمها دوليًا وقد وصفتها منظمة الصحة العالمية فى 2015  بأنها مسرطنة وقد تتسبب في تشوهات في المواليد وقد استخدمها الجيش الإسرائيلي من عام 2014 حتى عام 2021. 

عانى المزارعون في قطاع غزة من خسائر كبيرة نتيجة عمليات الرش الجوي التي دمرت المحاصيل منذ 2014، وأدت إلى ابتعاد العديد من المزارعين عن أراضيهم لخطورة هذه المناطق، كما تسببت العمليات المتكررة في فتح الحواجز المائية بشكل مفاجىء إلى إتلاف العديد من المحاصيل والأراضي الزراعية، وهو الأمر الذي مارسه الاحتلال بشكل مفاجىء دون إخطار وذلك لتهديد الأحواض الزراعية الموجودة بجانب السياج الفاصل ما تسبب فى تسرب مواد كيميائية خطيرة إلى الأرض وإتلاف العديد من الآبار.  

وعلى مدار أكثر من عام تعاني النساء فى غزة من العنف الجنسي وآثار الاحتجاز كما تعانى 64,300 امرأة حامل من مستويات كارثية من الجوع، كما هناك تقصير فى الحصول على رعاية ما قبل وبعد الولادة وهذا ما تختبره ما يزيد عن  15,500 امرأة حامل ومُرضعة.

وهذا إلى جانب وضع المستشفيات في غزة التي ما زالت تستطيع مساعدة المواطنين، لكنها تعمل بشكل جزئي فقط،ـ خاصةً بعد تدمير غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي، فقد تم تدمير مصادر الوقود والكهرباء ما يعيق وصول الخدمات الطبية بانتظام داخل المخيمات بالإضافة إلى ارتفاع سعر النقل والتوصيل، ومع اكتظاظ عدد اللاجئين في المخيمات وخطر العنف على أساس النوع أصبح تهديدًا آخر على النساء هناك.

أما في لبنان، فقد دمرت العمليات العسكرية 11 ألف فدان من الغابات و 2000 فدان من الأراضي الزراعية، حتى الكنائس ودور العبادة فقد أصبحت ساحات ايواء للنازحين من كل مكان وهناك من لم يجد مأوى سوى الأرصفة والشوارع بعد أن تم قصف بيوتهم. 

وأدت الحرب فى السودان إلى هروب العديد من السودانيين إلى لبنان وهو ما أضاف المزيد من الألم إلى الجروح الغائرة، ومجددًا، هذه الظروف تهدد حياة النساء وتعرضهن للمزيد من العنف والتجاهل الطبى. ومن الغريب حقًا أن بعد ارتكاب الجيش الإسرائيلي لهذه الجرائم ما زال يتم الترويج له على أنه جيش أخضر يشارك أفراده في انقاذ الحيوانات كما تسعى اسرائيل لدعم الخضرية ووصف تل أبيب بالعاصمة الخضرية، بل ويتم تمويل العديد من المؤسسات المعنية بحقوق الحيوان والحفاظ على البيئة من الجيش الإسرائيلي نفسه. 

كارثة بيئية قريبة

الحرب القائمة الآن في السودان والتي لا تحظى بتغطية إعلامية كافية، تأثرت فيها البنية التحتية في عدة أماكن بعد أن تلقت ضربات عنيفة، كما خلفت نفايات عضوية لا حصر لها، وانتشرت بعض الأقاويل عن تحلل العديد من الجثامين ما يؤدي إلى اختلاط المزيد من البكتريا بالهواء ومصادر المياه وخاصة أثناء السيول التي اجتاحت السودان فى غير موسمها. 

وفي هذا الصدد فقد صرحت حنان الأمين، استشارية أنظمة المياه والبيئة وتغير المناخ لسكاى نيوز باحتمال حدوث كارثة بيئية في فصل الخريف نتيجة تفاقم الوضع هناك، وهذه الكارثة البيئية إنما هي نتيجة طبيعية للإضرار بالبنية التحتية الذي يصاحبه تسرب مواد كيماوية خطيرة كما يصاحب ذلك استهلاك عالي للغطاء الشجري لسد الفجوة فى عجز الوقود ما يصاحبه خلل فى درجات الحرارة واختفاء للغطاء الشجري والغابى في عدة مناطق غرب السودان. 

ويؤدي اختفاء الغابات إلى خلل فى توزيع الحيوانات البرية ما يؤدي لنزوحها إلى مناطق جديدة حول النيل وهو ما يشكل خطرًا على حياة السكان فى هذه المناطق. 

كل هذه الظروف تؤدي إلى مخاطر جديدة كالفيضانات والجفاف حيث أن الغطاء الشجري يُمثل درعًا لحماية التوازن البيئي وتنوع الكائنات. 

إن الحرب الجارية في السودان هددت حياة الكثيرين ولكن يبقى وضع النساء مهمشًا أثناء النزاعات على الرغم من قيادة النساء الثورة السودانية وإسقاط عمر البشير في 2019، وهناك أكثر من 8 مليون نازح جراء الحرب السودانية و %88 منهم نساء وأطفال، وغير أن هناك أكثر من 4 ملايين سيدة وطفلة تواجه خطر الاعتداءات الجنسية، بحسب التقارير، فإن قوات الدعم السريع ارتكبت أغلب حوادث العنف الجنسي على النساء واعتبار ذلك أداة اذلال للنساء وأسرهن. 

الخلل الجديد الذي يظهر جليًا في السودان اليوم، هو ارتفاع نسب الانتحار بين النساء بسبب جرائم الاغتصاب وخاصةً في ظل غياب الدعم النفسي لهؤلاء الناجيات. 

تسببت قوات الدعم السريع في نزوح الملايين من المواطنين ومحاولتهم اللجوء إلى أماكن أكثر أمنًا، والوضع الآن هو محاولة التكيف مع الأضرار البيئية والبحث عن غذاء أو مجرد البحث عن مأوى بعيد عن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.

جدير بالذكر أنه فى عام 2001 تم تقرير يوم 6 نوفمبر اليوم العالمي لمنع استخدام البيئة في الحروب، وقد أنشأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المنطقة العربية، ومكتب الأمم المتحدة لدعم بناء السلام، لبحث العلاقة بين المرأة والموارد الطبيعية فى مناطق النزاع، ليصبح الأمل حاليًا في وجود قوانين عالمية تدرج اغتصاب النساء كجريمة حرب.  

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة