يبدأ صندوق النقد الدولي، غدًا الثلاثاء، المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، حيث أكدت المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجييفا على ضرورة استكمال السلطات المصرية للإجراءات النقدية والمالية المقررة ضمن البرنامج.
اجتمع فريق الصندوق مع البنك المركزي ووزارات المجموعة الاقتصادية، وفي مقدمتها وزارة المالية، التي نالت إشادة جورجييفا لدورها في دعم الإصلاحات الاقتصادية الكلية، مع بحث مصير الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار.
وخلال مؤتمر صحفي، شددت جورجييفا على أهمية التركيز على تحقيق نمو اقتصادي أكبر، إلى جانب خفض معدلات التضخم، مؤكدة أن المصريين سيجنون ثمار الإصلاح في صورة اقتصاد أكثر ازدهارًا وديناميكية.
وتوقعت جورجييفا أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.2% في العام المقبل، مع تباطؤ التضخم إلى نحو 16% بنهاية العام المالي الحالي (يونيو 2025)، مشيرةً إلى نجاح مصر في تعزيز دور القطاع الخاص لدعم فرص العمل واستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي.
سعر الصرف.. أولويات الصندوق والحكومة
أكدت الحكومة أن تخفيف الأعباء المالية على المواطنين على رأس أولويتها خلال الفترة الحالية، وذلك من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع التزامها بسعر صرف مرن، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، والذي شدد في اجتماعه مع مديرة صندوق النقد الدولي، على أن أي تراجع عن مرونة سعر الصرف سيعيد الاقتصاد إلى “المربع صفر”.

كذلك، أضاف مدبولي أن الحكومة، بالتعاون مع البنك المركزي، ستعمل على حماية المكتسبات الاقتصادية في هذا الإطار. وأشار إلى ضرورة ألا يفرض برنامج الصندوق أي أعباء إضافية على المواطنين، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية، والتنسيق المستمر مع مسؤولي الصندوق لضمان تحقيق ذلك.
وعلى خلفية هذه التصريحات، شهد سعر صرف الدولار ارتفاعًا رسميًا في البنوك متجاوزًا حاجز الـ49 جنيهًا للبيع، مما أثار تكهنات بين الخبراء حول احتمال حدوث تعويم جديد للعملة، رغم نفي الحكومة.
من جهة أخرى، أوضح مصدر في وزارة المالية أن تركيز صندوق النقد خلال المراجعة ينصب على برنامج طرح الشركات الحكومية، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة الإيرادات الضريبية عبر دمج الاقتصاد غير الرسمي. بينما يُركز في مراجعاته مع البنك المركزي على ملفي التضخم وسعر الصرف.
وكانت الحكومة تعهدت بطرح 24 شركة وبنكًا للقطاع الخاص المحلي أو للمستثمرين الأجانب لتعزيز الحصيلة الدولارية، إلا أن عددًا قليلًا منها قد تم طرحه فعليًا، وفقًا لتصريحات أحد مسؤولي الصندوق.

ملف الدعم.. نقطة تفاوض
من شأن المراجعة أيضًا أن تتطرق لبرنامج الدعم الحكومي، خاصة أن جورجييفا تطرقت لتلك النقطة حينما أشارت إلى الحماية الاجتماعية التي تبنتها الحكومة عن طريق الانتهاء التدريجي من الدعم الحكومي، وتوجيه ما تبقى منه إلى من يحتاج إليه بالفعل.
وأعلنت وزارة التموين، أخيرًا، تنفيذ المرحلة التجريبية لتحويل بطاقات التموين إلى دعم نقدي في بعض المحافظات بدءًا من الموازنة العامة لعام 2025.
يعتمد النظام الجديد على توفير قيمة نقدية محددة لكل مستفيد، مما يمكن المواطنين من شراء احتياجاتهم الأساسية وفق رغباتهم واختياراتهم، بدلًا من الاقتصار على السلع التموينية المحددة مثل الزيت والسكر، وأثارت تلك القيمة النقدية جدلًا، بعد اقتراحات بتحديدها بمبلغ 175 أو 200 جنيه لكل فرد على البطاقة.
ويدعم مجلس النواب ذلك التحول بقوة، إذ قال الدكتور فخري الفقي، المسئول السابق بصندوق النقد الدولي ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب حاليًا، إن ثلثي الدعم يذهب للمقتدرين والأجانب في مصر وثلثه فقط يذهب للمستحقين ولا يمكن مساواة المواطن مالك السيارة بالمواطن “اللي على أده ويركب الميني باص”.
وقال إنه لا بد من وقف نزيف تسرب الدعم لغير مستحقيه والذي يصل إلى عشرات المليارات من الجنيهات، لافتا إلى أنه يتم تخصيص 290 مليار دولار للدعم نصفهم لمواطنين قادرين، قائلاً :”الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرًا”.
قرض جديد.. أمر سابق لأوانه
حول إمكانية حصول مصر على تمويل جديد من الصندوق، قال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، إنه لم تتم خلال الزيارة مناقشة أي زيادة جديدة على قرض صندوق النقد الدولي، الذي يصل حاليًا إلى 8 مليارات دولار، بعد زيادته في أبريل.
ورفع صندوق النقد في مارس الماضي قيمة القرض لمصر من 3 إلى 8 مليارات دولار، في ظل تعهد البنك المركزي بتحرير سعر الصرف وسط تزايد المخاطر الإقليمية والتوترات الجيوسياسية.

وفي المقابل، قال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، في تصريحات لقناة العربية، إن برنامج القرض المصري بقيمة 8 مليارات دولار يحقق تقدمًا، موضحًا أن مناقشة زيادة حجم القرض الإجمالي لا تزال سابقة لأوانها.
تحرك الدولار.. العرض والطلب الفيصل
مع تحرك الدولار أمام الجنيه نفى المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، إمكانية حدوث تعويم للجنيه وتحريك سعر الصرف مجددًا، مضيفًا أن البنك المركزي يتبع سياسة مرنة لسعر الصرف.

الأمر ذاته يؤكده الدكتور مصطفى بدرة، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة 6 أكتوبر، الذي يقول إنه لا يوجد تعويم جديد للدولار، لكن من المتوقع تحرك جديد بسعر الصرف وفقًا لحجم الطلب عليه، وكل ما يريده الصندوق هو عدم وجود سعرين للدولار بالسوق المصرية.
وأكدت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، في خضم رفع تصنيف مصر من “بي سالب” إلى “بي”، أخيرًا، عدم وجود دلائل على تدخل البنك المركزي في النقد الأجنبي منذ خفض الجنيه أمام الدولار بنسبة 38% في مارس الماضي، كما لا يوجد تراكم نقدي مُبلغ عنه لدى البنوك.
هل يمكن الاستغناء عن الاقتراض؟

يقول محمد النجار، الخبير الاقتصادي، إن المشكلة في الاقتصاد المصري هي حجم الإنتاج مقارنة بالاستهلاك وعجز الميزان التجاري، وهي مشكلة يتم تجاهلها دون وضع حلول جذرية، وتتطلب خطوات قوية واضحة بوقف تام لجميع المواد والمنتجات والمستلزمات الترفيهية غير الضرورية.
ويؤكد أن الحل لمشكلات الاقتصاد وتوجيه الدولة كل إمكاناتها للإنتاج الصناعي والزراعي والتكنولوجي، وهو كلام مكرر منذ عقد من دون خطوات حقيقية علي أرض الواقع مع استمرار التركيز على العقارات الفارهة، مشددًا على ضرورة وجود خطوات حقيقية نحو الإنتاج ودعم القطاع الخاص الصناعي للخروج من دائرة تخفيض العملة وكأنه الحل السحري رغم أنه سبب التضخم والأزمات.
ويضيف مصطفى بدرة أن انخفاض الأسعار يتطلب زيادة المعروض الذي يتطلب بدوره زيادة المشروعات، وأن حزمة التيسيرات الضريبية التي أعلنتها الحكومة، أخيرًا، من أهم القرارات لدعم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهو أمر يفيد في هذا الصدد.
وأطلقت وزارة المالية قبل شهرين حزمة تيسيرات ضريبية تضمنت نظامًا ضريبيًا مبسطًا ومتكاملًا لمن لا يتجاوز حجم أعماله السنوي 15 مليون جنيه من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وريادة الأعمال و”الفرى لا نسرز” والمهنيين أيضًا، مع تحفيز دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
وأكد بدرة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي يتبقى منه 5 مليارات دولار فقط، لكن لا يمكن الحديث عن وقف التعامل مع الصندوق أو التخلي عن الحصة المتبقية، لأن ذلك يعني أن الصندوق يسحب شهادته عن مصر (الحكومة ترى في قرض الصندوق شهادة ثقة بالاقتصاد تجذب الاستثمارات الأجنبية من الخارج).
