تُعتبر الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة واحدة من أبرز الأحداث السياسية ذات التأثير العالمي الواسع، وهي تمثل تحديًا كبيرًا هذا العام، بما تلقيه من ضوء على ديناميكيات جديدة متناقضة.
تتميز الانتخابات الرئاسية الأمريكية بكونها لا تعتمد فقط على تصويت الناخبين، بل يتعين على المرشح الفوز بأصوات “المجمع الانتخابي” الذي يتألف من 538 ناخبًا. يتطلب الوصول إلى البيت الأبيض الحصول على 270 صوتًا على الأقل، مما يفتح الباب أمام منافسة شديدة في بعض الولايات الحاسمة.
بينما يعتمد الديمقراطيون على استمالة الناخبين الشباب والأقليات العرقية، يبقى للرئيس السابق دونالد ترامب قاعدة شعبية قوية من الناخبين البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي، والذين يمكن أن يقلبوا موازين السباق لصالحه، كما فعلوا في انتخابات عام 2016.
وفي ظل هذا السياق المعقد، يسلط تقرير جديد السياسية لـ “سكاي نيوز” البرطانية، الضوء على المسارات المحتملة للفوز، والتحديات التي قد تواجه كلا المرشحين في طريقهما إلى البيت الأبيض.
التركيز على الولايات المتأرجحة
تُوجه الحملات الانتخابية غالبية مواردها وطاقتها نحو سبع ولايات متأرجحة، هي: بنسلفانيا، ميشيجان، ويسكونسن، كارولاينا الشمالية، جورجيا، أريزونا، ونيفادا. وتُعرف هذه الولايات بأنها غير محسومة تاريخيًا لأي من الحزبين، مما يجعلها الساحة الرئيسية للتنافس بين المرشحين.
بنسلفانيا: الولاية الحاسمة
تُعد ولاية بنسلفانيا من بين أكثر الولايات تأثيرًا في النتائج النهائية؛ إذ تمتلك أكبر عدد من أصوات المجمع الانتخابي بين الولايات المتأرجحة.

علاوة على ذلك، فإن نتيجتها عادةً ما تؤثر على ولايات مجاورة مثل ميشيجان وويسكونسن، نظرًا للتشابه الكبير في التركيبة السكانية بين هذه الولايات.
في عام 2020، فاز بايدن في جميع الولايات المتأرجحة باستثناء كارولاينا الشمالية، ما يعني أن هاريس تحتاج الآن للحفاظ على هذا التقدم، خاصة في جورجيا. لكنّ المهمة صعبة في ظل تقارير تشير إلى تراجع التأييد للديمقراطيين بين الناخبين السود واللاتينيين، وهما كتلتان تصويتيتان حاسمتان في ولايات مثل جورجيا وأريزونا.
استراتيجية الديمقراطيين.. التركيز على “الجدار الأزرق”
تعتمد هاريس في حملتها بشكل كبير على أصوات الناخبين الشباب، لكنّ هذه الفئة معروفة تاريخيًا بترددها في المشاركة الانتخابية مقارنة بكبار السن.
يقول البروفيسور شون بولر من جامعة كاليفورنيا: “الناخبون الشباب لا يصوتون بانتظام، كما أن هذه الانتخابات قد تكون الأولى لكثير منهم، مما يجعل من الصعب التنبؤ بسلوكهم”.
لضمان الوصول إلى 270 صوتًا، قد تعتمد هاريس على استعادة ما يُعرف بـ”الجدار الأزرق”، وهو مجموعة من الولايات الشمالية ذات التوجه الديمقراطي التقليدي مثل بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن.
تتمتع هذه الولايات ببعض المزايا لصالح الديمقراطيين، مثل وجود حاكم ديمقراطي في بنسلفانيا، بالإضافة إلى نجاح الديمقراطيين في الانتخابات النصفية لعام 2022 بتحويل مقعد جمهوري في مجلس الشيوخ إلى الديمقراطيين.

استراتيجية ترامب.. الجنوب كمفتاح للفوز
بالنسبة لترامب، يمكن أن يكون الفوز في الولايات الجنوبية مثل جورجيا وكارولاينا الشمالية جزءًا أساسيًا من استراتيجيته للوصول إلى 270 صوتًا. إلا أن هذه الخطة قد تواجه تحديات، خاصة في جورجيا، حيث ما يزال الجمهوريون يحاولون تغيير قواعد التصديق على نتائج الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى رفض الاعتراف بنتائج غير مواتية.
في عام 2016، نجح ترامب في تحقيق مفاجأة بفوزه في بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن، لكن الحفاظ على هذه الولايات هذا العام سيكون صعبًا.
يتمتع الديمقراطيون بدعم قوي في ولاية ويسكونسن بفضل قربها من ولاية مينيسوتا، حيث يشغل الديمقراطي تيم والز منصب الحاكم، ما يسهل على الديمقراطيين الوصول إلى الناخبين في ويسكونسن.
رغم التقدم الذي أظهرته استطلاعات الرأي لصالح هاريس، إلا أن التجارب السابقة أثبتت أن هذه الاستطلاعات قد لا تكون دقيقة في تقييم دعم ترامب.
يوضح البروفيسور جون لابينسكي، من شبكة NBC، أن “هناك دائمًا ميل إلى التقليل من شأن شعبية ترامب في الاستطلاعات، على الرغم من الجهود المبذولة لتصحيح هذا الانحياز”.
كما أن الموارد المالية لحملة هاريس أكبر من حملة ترامب في العديد من الولايات، لكن قدرة ترامب على تحفيز الناخبين تبقى عاملًا لا يمكن تجاهله. وتجدر الإشارة إلى أن محاولة اغتيال ترامب في تجمع انتخابي ببنسلفانيا في يوليو لم تؤثر على حملته بالقدر المتوقع، حيث طغت أخبار انسحاب بايدن من السباق على هذا الحدث.
سيناريوهات التعادل: ماذا لو انتهت الانتخابات بلا فائز؟
قد تقود هذه الانتخابات إلى سيناريو تعادل غير متوقع عند 269 صوتًا لكل مرشح، مما يستدعي تدخل مجلس النواب لحسم النتيجة.
في هذه الحالة، يتمتع الجمهوريون بأفضلية واضحة، حيث يسيطرون على الأغلبية في المجلس.
كما أن نظام توزيع الأصوات في ولايتي نبراسكا وماين قد يزيد من تعقيد الأمور، حيث تُمنح الأصوات بناءً على نتائج المناطق الانتخابية، وليس عبر نظام “الفائز يحصل على كل شيء”.
يبقى السباق نحو البيت الأبيض هذا العام مفتوحًا على جميع الاحتمالات، حيث تعتمد النتيجة النهائية على الأداء في الولايات المتأرجحة.
وفي ظل تركيز الحملات الانتخابية على بنسلفانيا وجورجيا وأريزونا، يظل السؤال الأساسي: هل ستتمكن كامالا هاريس من الحفاظ على التقدم الديمقراطي في الولايات الرئيسية، أم أن دونالد ترامب سيحقق مفاجأة جديدة كما فعل في 2016؟
بالنظر إلى التحديات المرتبطة بالتغيرات الديمغرافية وسلوك الناخبين الشباب، إلى جانب تأثير استطلاعات الرأي المتقلبة، يبدو أن النتيجة قد لا تُحسم حتى اللحظة الأخيرة. ومع احتمالية حدوث سيناريو التعادل، تبقى كل الخيارات مطروحة في سباق رئاسي استثنائي، كما يذكر تقرير “سكاي نيوز”.