صندوق مصر السيادي في "جيب" الحكومة.. والرقابة البرلمانية "مرفوضة"

أثار التعديل الأخير لقانون صندوق مصر السيادي، الذي يقضي بنقل تبعيته إلى مجلس الوزراء، قلقًا واسعًا بين النواب وخبراء، اعتبروا هذا الإجراء بمثابة تقليص لاستقلالية الصندوق، الذي يُعد أحد أهم الأذرع الاقتصادية للدولة.

"الصندوق في طريقه للانهيار، إذا أصرت الحكومة على استمرار التعديل الجديد لقانونه"؛ يقول النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب لـ"فكر تاني"، موضحاً سبب رفضه تعديل قانون صندوق مصر السيادي، ونقل تبعيته لمجلس الوزراء.

ووافق مجلس النواب، قبل يومين، بشكل نهائي على تعديل تشريعي لبعض أحكام القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، متجاهلاً تحذيرات "إمام"، ورافضًا تعديلًا مقدمًا من النائب أيمن أبو العلا، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية، على المادة 2 بمشروع قانون صندوق مصر السيادي، بهدف تفعيل رقابة مجلس النواب على موازنة الصندوق.

وجادلت الحكومة أثناء المناقشات بأن التعديل مجرد تحصيل حاصل لغياب منصب وزير التخطيط بعد التعديلات الوزارية الأخيرة، فيما زعمت أن نقل التبعية "سياسيًا لا قانونيًا"، بما لا يمس استقلاله، وهو ما نفاه رافضو مشروع التعديل.

ويعد صندوق مصر السيادي من أحد أهم أذرع الدولة الاقتصادية، فيما استقال أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي للصندوق من منصبه في أغسطس الماضي، بعد أقل من خمس سنوات من تعيينه، مما أثار تساؤلات حول أسباب ودوافع هذه الخطوة، ومستقبل الصندوق.

أبعاد الأزمة

يوضح النائب عبد المنعم إمام، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن هناك معالجة حكومية كارثية وخطرة على الصندوق، من خلال التعديل الذي تم تمريره، والذي يقضي، برأيه، على نافذة الأمل التي تم فتحها للمستثمرين مع تدشين صندوق مصر السيادي كهيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية، رأى فيها المستثمرون نافذة تعامل إيجابية بعيدًا عن بيروقراطية الحكومة وتعقيداتها.

واستنكر إمام نقل تبعية الصندوق إلى مجلس الوزراء، معتبراً أن ذلك جزء من سياق سلبي، يهدر كفاءات كبيرة تعمل في إدارة الصندوق، ارتأت الاستقالة والمغادرة عن الاستمرار في بيئة بيروقراطية لا تساعد على نجاح فكر الصندوق الاستثماري.

ويضيف رئيس حزب العدل أنه كنائب ليبرالي كان من أشد الداعمين للصندوق، خاصة بعد احتلاله الترتيب 47 من بين الصناديق السيادية عالميًا، وفق معلوماته. مشيرًا إلى أنه كان يرى في مراقبة البرلمان على القوائم المالية للصندوق بشكل سنوي خطوة مقبولة، في ظل وجود جهات رقابية أخرى تمارس دورها بحق نشاط الصندوق، خاصة أن هذه الاستقلالية والشفافية جعلت الشركاء العرب وغيرهم مقبلين على التجربة والاستثمار.

ويلفت النائب الانتباه إلى تفهمه للتعديل الشكلي المطلوب في القانون بعد غياب وزير التخطيط عن تشكيلة الحكومة، ولكنه يرفض بشكل كامل نقل تبعيته إلى مجلس الوزراء، واصفًا هذا الإجراء بأنه "مصيبة"، حيث جعل الصندوق، بدلًا من أن يكون خارج الجهاز البيروقراطي للدولة، تابعًا لمجلس الوزراء، مثله مثل صندوق التنمية الحضارية الذي يتبع مجلس الوزراء أو صندوق دعم أسر الشهداء وغيرهما من الصناديق المماثلة.

رقابة البرلمان

"طالما أصبح الصندوق جزءًا من الجهاز الحكومي، فيجب أن يخضع لرقابة البرلمان الكاملة"، يقول النائب عبد المنعم إمام، مشيرًا إلى استغرابه من تبرير المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، لرفض الحكومة لذلك بأن الأمر "تبعية سياسية فقط".

النائب عبد المنعم إمام
النائب عبد المنعم إمام

وكان النائب فخري الفقي، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن ورئيس لجنة الموازنة بالمجلس، قد استخدم ذات المبرر عند الموافقة على نقل تبعية الصندوق إلى الحكومة، مؤكدًا أنها "تبعية سياسية" فقط.

من جانبه، يقول إمام: "لا يوجد في القانون مسمى تبعية سياسية، فالتبعية يترتب عليها مركز قانوني واضح، وبالتالي كان يجب ألا نلجأ لذلك من الأصل حفاظًا على استقلال الصندوق، أما وقد لجأت الحكومة إلى هذا الإجراء، فكان يجب أن تمنح البرلمان سلطته في الرقابة على الحكومة، لا أن تغل يديه عن هذا وتصنع وضعًا تشريعيًا مشوّهًا."

مخالفة المادة 101 من الدستور

وفي السياق نفسه، حاول النائب أيمن أبو العلا، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية ووكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، دعم هذا المسار، بتعديل يسمح برقابة البرلمان على الصندوق في شكله الجديد، لكنه فوجئ برفضه.

وتقدم النائب بتعديل على المادة 2 بمشروع قانون صندوق مصر السيادي، يهدف إلى تفعيل رقابة مجلس النواب على موازنة الصندوق، حيث اقترح إضافة فقرة نصها كالآتي: "على أن يتبع في شأن موازنة الصندوق الخاصة ذات القواعد المتبعة في إقرار الموازنة العامة للدولة داخل مجلس النواب."

وفي بيان اطلعت عليه "فكر تاني"، أكد النائب تمسكه بأهمية خضوع صندوق مصر السيادي لإجراءات الرقابة الكاملة من مجلس النواب، خاصة على مستوى إجراءات الموازنة العامة بجانب الآليات الرقابية الأخرى من الجهاز المركزي للمحاسبات، خاصة بعد نقل تبعيته إلى مجلس الوزراء، وهو ما يستلزم مثل هذه الإجراءات، حيث يعد مرتبطًا بأداء حكومي، وهو ما يستلزم رقابة البرلمان، بما يضمن تحقيق ضوابط الشفافية والحوكمة والرقابة.

تبرير حكومي

بدوره، اعترض الوزير محمود فوزي على مقترح النائب أبو العلا، مؤكدًا أن الحكومة ترى أن خضوع الصندوق لذات إجراءات إعداد الموازنة بمجلس النواب، كما هو متبع بصناديق أخرى، يؤثر على أدائها بالسلب، خاصة على مستوى إجراءات بيئة الاستثمار التي تحتاج إلى مرونة لن تكون متوفرة من إجراءات رقابة البرلمان.

في المقابل، رفض النائب أيمن أبو العلا هذا التبرير الحكومي، مؤكدًا أنه يجب أن يكون للبرلمان دوره الرقابي على الصندوق، وفق نص المادة 101 من الدستور التي تحدد ضوابط الرقابة البرلمانية على السياسات الحكومية.

بيع الأصول

ونفى الوزير فوزي خلال رده على النواب ما يتردد من أن يتحول الصندوق إلى بوابة خلفية لتسريع "بيع أصول الدولة".

النائب عبد المنعم إمام أوضح خلال حديثه لـ"فكّر تاني" أنه لا يقلقه هذا الأمر، قائلاً: "الأصول موجودة في مصر والصندوق يدخل كشريك، ولن يسرق أحد أصولنا ويهرب بها خارج البلد، ولكن الأزمة في تبديد استقلالية الصندوق."

ما يقلق النائب إمام هو عدم جذب الصندوق، بوضعه الجديد، للاستثمارات، متوقعًا انهياره خلال عام، وفق تقديره، إلا إذا بادرت الحكومة بتصحيح الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه وتعديل التعديل، موضحًا أنه تفاجأ باستقالة عدد من الكفاءات المهارية داخل الصندوق في الفترات الأخيرة، ما يجعل الصندوق السيادي بصدد أزمة مؤسفة لها ما بعدها، وفق رأيه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة