تُجري تونس انتخابات رئاسية، اليوم الأحد، في ظل حملة قمع واسعة للمعارضة، وانتهاكات لحقوق الإنسان ضد المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، رصدها تقرير جديد لصحيفة "الجارديان" البريطانية، تحت عنوان "أحلام الربيع العربي تتبدد".
وفق الخبراء، ينتظر فوز سهل الرئيس الحالي قيس سعيد، الذي يعاني أبرز منتقديه من السجن، بعد حملة انتخابية شهدت ندرة في التجمعات والنقاشات العامة، وهو ما يمثل ردةً قوية وكبيرة لدولة طالما اعتزت بأنها مهد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011.
سعيد يموّل حملته وقبضته من قمع المهاجرين
صوّت 11% فقط من الناخبين، البالغ عددهم 9 ملايين، في الانتخابات المحلية التي أجريت في ديسمبر. ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات الحالية أيضًا نسبة مشاركة منخفضة ستشير بوضوح إلى عدم الرضا الشعبي عن فترة حكم سعيد إلى الآن.
يقول المراقبون إن سعيد، الذي تولى الحكم منذ عام 2019، أدار مؤسسات البلاد وفق إرادته بشكل متزايد. ففي العام الماضي، أصدر أمرًا بقمع المهاجرين السود غير الشرعيين، ما أثار انتقادات في جميع أنحاء العالم، ولكن الاتحاد الأوروبي مضى قدمًا في إبرام صفقة بقيمة 105 ملايين يورو مع تونس للحد من الهجرة غير الشرعية.
ساعدت هذه الصفقة في تمويل وحدات أمنية، ارتكبت أعمال عنف جنسي واسعة النطاق ضد النساء في طرق الهجرة داخل أراضيها، وفقًا لتحقيق حديث نشرته صحيفة "الجارديان".
سعيد ملكًا.. هيئة الانتخابات التونسية "غير مستقلة"
وفيما يتعلق بالانتخابات، قلّصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قائمة أولية من 17 مرشحًا رئاسيًا إلى ثلاثة، بعد سلسلة من القرارات المثيرة للجدل بإقصاء بعض المرشحين. ومن بين الثلاثة المتبقيين، تم سجن النائب السابق عياشي زامل هذا الأسبوع بتهمة التزوير. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترشيحه سيبقى ساريًا رغم احتجازه.
يقول بسام خواجا، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن "رايتس ووتش": "منذ بداية فترة الانتخابات في 14 يوليو، تمت محاكمة أو إدانة أو احتجاز ما لا يقل عن تسعة مرشحين محتملين".
وفي أواخر سبتمبر، صوّت البرلمان التونسي بأغلبية ساحقة على تجريد المحاكم من صلاحية إلغاء القرارات الصادرة عن الهيئة الانتخابية.
جاء هذا التصويت بعد خلاف بين الهيئة ومحكمة ألغت قرار الهيئة بإقصاء ثلاثة مرشحين رئاسيين.
وتقول "الجارديان" إن هذه التطورات جعلت سعيد، الذي سيتولى القيادة لخمس سنوات أخرى إذا فاز يوم الأحد، قريبًا من أن يكون ملكًا في سلطته "غير قابل للتوقف".
في العاصمة.. دعوات بإسقاط قيس سعيد
رغم ذلك، شهدت العاصمة تونس، عشية الانتخابات الرئاسية، تظاهرة نظمتها مجموعة من القوى المدنية والسياسية للتعبير عن رفضها للمسار الانتخابي الحالي والتنديد بسياسات الرئيس قيس سعيد.
ومع استمرار الاقتراع في الخارج، ارتفعت الانتقادات الموجهة إلى الهيئة المشرفة على الانتخابات، التي اتُهمت بدعم المرشح قيس سعيد في سعيه نحو ولاية ثانية.
الدعوة للمظاهرة جاءت من الشبكة التونسية للحقوق المدنية والحريات، التي تضم أحزابًا ومنظمات حقوقية، وشارك المئات في هذا التحرك الاحتجاجي حاملين شعارات مناهضة للرئيس قيس سعيد وللمسار الانتخابي بشكل عام.
ورفع المتظاهرون شعارات تطالب برحيل الرئيس التونسي ومقاطعة الانتخابات الرئاسية، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة، بمشاركة عدد من الشخصيات الحقوقية والسياسية التي نددت بقمع الحريات وتوظيف القضاء ومؤسسات الدولة في هذا المسار الانتخابي.
موقف قوى المعارضة من الانتخابات
وقد حسمت معظم قوى المعارضة موقفها من الانتخابات الرئاسية، حيث دعت إلى المقاطعة، باستثناء بعض الأحزاب غير المؤثرة وبعض الشخصيات التي ترى أنه من الضروري التصويت لمرشح آخر غير قيس سعيد، مثل العياشي زمال أو زهير المغزاوي.
اقرأ أيضًا: قيس سعيد يُخلي طريقه للرئاسة.. تونس تشتعل مجددًا بالتظاهرات
وترى المعارضة البارزة، وفق ما نقلته "إذاعة مونت كارلو الدولية"، أن المشاركة في هذه الانتخابات ستضفي شرعية على النظام الحالي، وبالتالي دعت التونسيين إلى مقاطعة الانتخابات لإحراج النظام من خلال نسب مشاركة متدنية.
ومن خلال الشعارات التي رُفعت في التظاهرة، يتضح أن المعارضة قد حسمت موقفها من النظام الحالي، حيث لا تعترف بشرعيته وتدعو إلى إسقاطه عبر التظاهر السلمي في الشارع.
كما أصدرت عدد من المنظمات التونسية تنديدًا لحرمانها من مراقبة عمليات الاقتراع، رغم تقديمها لطلبات للهيئة خلال الأجل القانوني.
الردة الكبرى في الديمقراطية العربية الوحيدة
وتتوقع سارة ييركيس، زميلة رفيعة في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن تكون الانتخابات التونسية "ارتداد قوي في مسار ما كان يومًا ما الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي".
فبعد أن أزاحت احتجاجات الربيع العربي الحاكم التونسي طويل الأمد زين العابدين بن علي في عام 2011، تمت الإشادة بتونس كواحدة من أكثر الأنوار الديمقراطية سطوعًا في المنطقة، وهي سمعة تعززت من خلال الانتخابات المتتابعة.
ترشح سعيد كمرشح مستقل وخارج المؤسسة في الانتخابات السابقة عام 2019، حيث أدار حملة تعتمد على ضرورة وجود حكومة قوية بعد ما يقرب من عقد من الجمود بين الكتل الإسلامية والعلمانية منذ ثورة 2011.
فاز هذا الخارج عن السياسة بفوز ساحق، حيث حصل على 73% من الأصوات في جولة الإعادة مع نسبة مشاركة بلغت 58%.
الانتخابات التونسية.. كوميديا سخيفة
لكنه في عام 2021، علّق البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة وأقال رئيس الوزراء. وفي العام التالي، أُجري استفتاءً غيّر الدستور، ما منح سعيد سلطات واسعة في نظام حكومي جديد موحد.
كما خصص سعيد لنفسه سلطة تعيين القضاة وسبعة أعضاء من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بموجب مرسوم رئاسي - وفصلهم وفقًا لرغبته.
وفي أعقاب ذلك، تم اعتقال أكثر من عشرة من قادة حزب النهضة المعارض الرئيسي، بما في ذلك النائب السابق سعيد فرجاني، الذي تم احتجازه أيضًا في عهد بن علي. ولا يزال الكثيرون قيد الاحتجاز.
يقول خواجا وتنقل عنه "الجارديان": "إن إجراء الانتخابات وسط هذا القمع يعد سخرية من حق التونسيين في المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة".
ولقد تزامنت جهود سعيد لتحقيق أجندة استبدادية مع تراجع في الأوضاع الاقتصادية في تونس. حيث ارتفعت معدلات البطالة وتجاوزت التضخم الأرقام المكونة من خانتين.
ووفقًا للبنك الدولي، تباطأ تعافي الاقتصاد في البلاد بعد سنوات من أزمة تكاليف المعيشة والركود في عام 2023.
سعيد.. الحاكم الفاسد ونظرية المؤامرة
على مدار فترة حكمه، اتهم سعيد المجتمع المدني والجماعات المعارضة التي تنتقد حكومته بأن لديها دوافع خبيثة وأنها دمى لدول أجنبية. وقد تم ترديد هذا التفكير من قبل النواب في سبتمبر، حيث اتهم البعض حتى خارج الحزب الحاكم، القضاة بأنهم يعملون لصالح مصالح أجنبية غير مسماة.
ومع وضوح الطريق لإعادة انتخابه، هناك مخاوف من مزيد من التراجع الديمقراطي وجهود الدعاية الشعبوية في السنوات القادمة، كما تقول "الجارديان".
وتقول "ييركيس": "من خلال التلاعب بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، وضع سعيد مزيدًا من المسامير في نعش الانتقال الديمقراطي في تونس وضمان النتيجة قبل أن يبدأ العملية".