يعاني أفراد مجتمع الـ"ميم عين" من الاضطهاد داخل المجتمع المصري، ويتعرضون للإهانات والإقصاء والتنميط والتحرش وكل أشكال العنف. وحين يلجأون للهجرة، لا يكفي اغترابهم عن ذويهم وعن شكل حياتهم الذي يعرفونه، لكنهم هناك.. وحدهم، تكون فرصهم في النجاة ضعيفة للغاية.
حاورنا في منصة "فكّر تاني" أحد هؤلاء المصريين العابرين جندريًا، "حسام" الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا، وقد وُلد في جسد لا يشعر بالانتماء إليه. وحين قرر الإعلان عن هويته التي تعبر عنه، تعرض للعنف من عائلته أولًا، ثم من المحيطين به.
حُرم "حسام" من أبسط حقوقه في التعليم والرعاية الصحية والحياة المستقرة. ضاقت عليه الحياة هنا، فقرر اللجوء إلى بلد آخر يحتضنه على أساس هويته الجندرية. وما زالت معاناته مستمرة حتى بعد سفره من مصر.
اقرأ أيضًا: بين زحام الإجراءات وتأجيلها.. أزمة العبور الجنسي في مصر
-
لماذا يلجأ أفراد مجتمع الـ"ميم عين" للهجرة من وجهة نظرك؟
الحياة خارج مصر بعيدًا عن الأهل والأصدقاء صعبة للغاية. ومع ذلك، أفراد مجتمع "ميم عين" في خطر مستمر داخل.
عادةً ما يكون طلب اللجوء بسبب انعدام الأمان. الأمر لا يتوقف عند خطابات الكراهية، بل يصل أحيانًا كثيرة إلى السجن أو القتل. لذلك، اللجوء للخارج هو الحل الأسلم لنا.
-
ما هي مخاوفك من الهجرة؟
أكبر مخاوفي تجاه الهجرة صعوبة تعلم اللغة، فهي جديدة تمامًا عليّ، لأنها وسيلتي في التواصل مع الناس والتكيف مع المجتمع الذي سوف أُقبل عليه.
لكنني أُطمئن نفسي عادةً، فقد مررت بالأصعب، وأنا سريع التعلم والتأقلم، فلن تكون صعبة للغاية.
-
احكِ لنا عن تجربتك الخاصة التي تسببت في سفرك وطلبك اللجوء
تركت مصر في نوفمبر 2022 إلى كينيا، حيث قضيت هناك ثمانية أشهر، ومنها إلى تنزانيا لمدة شهرين في محاولات اللجوء إلى أي دولة أوروبية، لكن لم تنجح هذه المحاولات حتى قررت الانتقال إلى واحدة من الدول العربية التي تكون إجراءات اللجوء فيها أسهل. وبالفعل، أتممت الأوراق في مارس الماضي، والآن أصبح لي مكان في بلد يحترم هويتي.
في الأساس، كنت قررت الهجرة بسبب الضغوط المجتمعية والأمنية والعائلية التي تعرضت لها. لقد عانيتُ بسبب هويتي الجندرية، وما زالت قضيتي مُستمرة مع تخوفات لا تنتهي بالقبض علي مرة أخرى. كانت هجرتي خارج مصر -للأسف- ضرورية.
-
كيف تم القبض عليك، وما هي الصعوبات التي واجهتها في السجن كرجل عابر؟
كانت أصعب فترة في حياتي، قضيت فيها سنة وسبعة أشهر من عمري. تعرضتُ للإهانات والتنمر والتحرش، وكانت هناك مواقف كثيرة لا يمكنني نسيانها أبدًا، خاصةً أنني تعرضت لكل هذا منذ البداية وأثناء تلك المدة لسبب واحد وهو أنني عابر جندريًا.
أذكر جيدًا أنني كنت قد بدأت علاجي الهرموني، وكان وقتها "شكلي متعايش"، بمعنى أن مظهري الخارجي "ذكر" بينما أوراقي الثبوتية في البطاقة "أنثى". أوقفوني في "كمين" بمنطقة عابدين في القاهرة، وألقوا القبض عليّ لأن مظهري لا يتوافق مع أوراقي الرسمية، وتم اتهامي بتهم سياسية، ودخلت على إثرها الحبس الاحتياطي.
رغم صعوبة تلك الفترة، تعلمتُ التأقلم مع الظروف المعيشية الصعبة. وبعد سفري، أدركت أن ذلك الوقت، رغم قسوته، كان بمثابة تأهيل للصعوبات التي واجهتها في الغُربة.
-
أي صور من الاضطهاد عانيت في مصر؟
منذ أن أعلنت هويتي، طردتني عائلتي من البيت، ولا أنسى المرة الأولى التي قضيت فيها ليلتي في الشارع. لم أستطع النوم، حتى إنه في المرات التالية، كنت أحجز تذكرة قطار إلى طنطا، وأنام أثناء الرحلة. وذات يوم لم أجد كرسيًا لأنام عليه، فنمت واقفًا، حتى سمح لي الأصدقاء بالمبيت عندهم كلما طردني أهلي.
وما زاد من الأمر سوءًا هو أنني لم أكن أعمل ولا أستطيع توفير سكن خاص بي، فليس من السهل على الإطلاق إيجاد عمل بدون بطاقة، وبطاقتي لا تُعبر عني.
-
هل أجريت أي عمليات جراحية سواء في مصر أو في مكانك الآن؟ وما هي أسباب عزوف العابرين والعابرات عن إجراء تلك العمليات في مصر؟
حتى الآن، لم أجرِ أي عمليات جراحية، بل أتلقى فقط علاجي الهرموني.
وأعتقد أن أغلب العابرين والعابرات لديهم تخوفات من إجراء عمليات التأكيد الجندري داخل مصر، لصعوبة الإجراءات وتغيير الأوراق الرسمية حتى بعد الجراحة. كما أن أسعار العمليات مرتفعة للغاية، والنتائج تكون سيئة في كثير من الأحيان، حيث يتعامل بعض الأطباء مع العابرين والعابرات كأنهم حالات يتعلمون فيها.
اقرأ أيضًا: هل يحصل العابرون جنسيًا من السجناء على عفو صحي؟
-
ما الفرق بين ما تعرضت له سابقًا في مصر والآن؟
أعتقد أن الشعور بالخوف والقلق واحد داخل مصر وخارجها، لكن هناك فارق في الحقيقة وهو أنني أعلنت كوني ترانس في مصر، بينما لا يُمكنني إعلان ذلك هنا. فمنذ وصولي وأنا أظل في الخفاء حتى انتهاء أوراق اللجوء والذهاب أخيرًا إلى هذا البلد الأوروبي، خاصةً وأنني أواجه المشكلة نفسها هنا، فأوراقي الثبوتية ما تزال لأنثى.
في مصر، لم أستطع إنهاء دراستي الجامعية، حيث كنت طالبًا في كلية التجارة، لكن بعد اختلاف شكلي عن "صورة الكارنيه" الجامعي، لم يعد باستطاعتي الدخول، فتُركت الدراسة الجامعية، مما ترتب عليه عدم الحصول على عمل براتب جيد.
وتواجهني هنا المشكلات نفسها، حيث أعمل الآن في "سوبر ماركت" لمدة 18 ساعة يوميًا ومن دون إجازات، ولأنه العمل الوحيد المتاح دون أن تُطلب هويتي، يجب أن أتحمل تأقلمًا.
الخطورة الحقيقية الآن هي الوضع الأمني في البلد الذي أعيش فيه وتفاقمه مع توترات الشرق الأوسط قبل أن أتمكن من السفر إلى وجهتي الأخيرة.
-
بعد السفر إلى مكانك الحالي، ومرور كل تلك الفترة الزمنية هل استطعت استعادة علاقتك بعائلتك؟
أبي وأخي هما الأكثر عنفًا تجاهي داخل عائلتي. لم يعش أبي معنا طوال حياتنا، ولا يعلم عنا شيء، ورغم ذلك، فإن رأيه: "أنا مليش ولاد". أما أمي وأختي، فقد تحسنت علاقتي بهم نسبيًا مع الوقت.
-
هل تواجه صعوبات في الحصول على الهرمونات الآن، وما شكل المساعدات التي تُقدمها منظمات "ميم عين" إليك؟
أتقاضى -كما ذكرت سابقًا- أجرًا لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية؛ 200 دولار في الشهر. أدفع من هذا المبلغ إيجار البيت والكهرباء والإنترنت والطعام والشراب. هذا الوضع المادي يجعل ثمن حقنة الهرمون العلاجي -15 دولارًا- حملًا ثقيلًا عليّ حاليًا.
أما بالنسبة لمنظمات "ميم عين"، فعددها كبير هنا، لكنهم يقدمون المعونات لمن يذهب إليهم ويظل يُلح عليهم في السؤال، وهو أمر مهين بالنسبة لي ولم أعتده. كما أنني لا أملك الوقت الكافي للذهاب كثيرًا، فقط للإلحاح.
-
في رأيك، هل هوية الأشخاص الجندرية تتحدد بالجراحة أم العلاج الهرموني؟
تتحدد الهوية الجندرية بما يشعر به الشخص نفسه، ولا تُحددها الهرمونات المعالجة أو العمليات الجراحية، فلا يُشترط أن تتوافق مع الجسد وصفاته التشريحية.
الكثير من العابرين والعابرات محبوسون/ات في أجساد لا تتوافق مع هويتهم/هن الجندرية، ولديهم/هن كامل الحق في اختيار إجراء جراحات أو عدمها، بناءً على الظروف المتاحة.
-
ما هو حلمك بعد الحصول على الهجرة بشكل نهائي؟
أن أعيش أخيرًا بلا خوف، وأن أُجري جراحة التأكيد الجندري الخاصة بي بأمان، وأن أتمكن من تغيير أوراقي بسهولة دون التعرض لمزيد من الظلم.
أحلم باستكمال تعليمي في مجال أحبه، وأن أحصل على عمل لائق، وراتب آدمي يكفي احتياجاتي.. أحلامي بسيطة: أن أحصل حقوقي في الحياة كإنسان.. فقط أن يعاملونني كإنسان.