بالتزامن مع ذكرى تنفيذ حكم الإعدام على "محمد مصطفى خميس، ومحمد البقري"، العاملين بمصنع كفر الدوار، بسبب إضرابٍ للمطالبة بزيادة الأجور، في 7 سبتمبر 1952، تتزايد مساحات التضامن مع عمال وعاملات شركة "وبريات سمنود"، في الأوساط السياسية والنقابية، دعمًا لإضرابهم المطالب أيضًا بتطبيق الحد الأدنى للأجور، والذي تمت مواجهته كذلك بالقبض على بعضهم، الأمر الذي وصل حد أن يكون من بين المقبوض عليهم 3 نساء، في واقعة نادرًا ما تشهدها الاحتجاجات العمالية في مصر.
"وبريات سمنود" والمطالب المشروعة
"هل من يطالب بالحد الأدنى الذي أقرته الحكومة يبقى بيلوى دراع الدولة كما قال بعض المسؤولين؟ هل كل من يطالب بتطبيق القرارات التي تصدرها الحكومة ستتم مطاردته وحبسه بدلًا من محاسبة المسؤولين عن عدم تطبيق هذه القرارات التي أصبحت بمثابة قانون؟"؛ تساءلت جميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور ومجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، التي أعربت عن كامل تضامنها وتضامن الحركة المدنية - التي تمثلها - مع عمال وبريات سمنود، في حقهم المشروع للدفاع عن مطالبهم.
وبينما أكدت "جميلة"، في كلمة لها بمؤتمر تضامني حزبي أقيم الخميس الماضي دعمًا لعمال وعاملات "وبريات سمنود"، إلى حق العمال بشكل عام في الإشراب كشكل من أشكال الاحتجاج المشروع، انتقدت لوم الجهات الحكومية للعمال المضربين بزعم تهديدهم السلم العام، مشيرةً إلى "اتساع دائرة أعداد المواطنين الذين يتحصلون على أجر أقل من الحد الأدنى للأجور، وأن هذا هو ما يهدد السلم العام والاجتماعي، على حد قولها.
الإضراب حق لعمال وعاملات "وبريات سمنود"
بدورها، أكدت رشا قنديل، المتحدثة باسم حزب "تيار الأمل" تحت التأسيس، دعم ومساندة حزبها عمال وعاملات وبريات سمنود، وكل عمال مصر في حقهم الدستوري في الإضراب، وحقهم في الحد الأدنى للأجور، مستنكرةً استهدافهم أمنيًا، وتهديدهم من قبل بعض المسؤولين وبعض أعضاء مجلس الشعب وإدارة الشركة.
ولفتت "رشا" إلى أهمية العمل النقابي، وحرية تأسيس النقابات المستقلة، لضمان وجود كيان يدافع عن العمال ويتحدث نيابة عنهم، مع التأكيد على عدم ملاحقة القيادات النقابية والتنكيل بهم مثل ما حدث مع هشام البنا رئيس نقابة العاملين بشركة وبريات سمنود.
وحذرت المتحدثة باسم حزب "تيار الأمل" من مغبة ما وصفته بـ"انفصال النخبة عن العمال والفلاحين"، مؤكدةً أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ليست فردية، بل حقوق جماعية، التي من دون تطبيقها لن يتحقق السلم الاجتماعي.
هي معركة الجميع
من جانبه، قال الكاتب الصحفي هشام فؤاد، المتخصص في شؤون العمال: "عاملات وعمال وبريات سمنود ينتزعون للمجتمع حقه في التجمع السلمي والاعتصام، وهي معركة كل العاملين بأجر، وكل القوى الديمقراطية".
وأضاف "فؤاد" أن قمع العاملات والقبض عليهن هو مؤشر على مدى قمع الحركة العمالية، وأمر يستدعي من القوى السياسية والنقابية أن تكون ظهيرًا سياسًا للعمال في مطالبهم، وأن يكون لهذه القوى ظهيرًا شعبيًا بإسناد العمال المعتصمين في مطالبهم، والتضامن مع القيادات النقابية الموقوفة، وعلى رأسهم هشام البنا، وشادي محمد، وأحمد عبد الفتاح، وسامح زكريا.
المشكلة في الإدارة
وقد أدان جمال عثمان، القيادي السابق بشركة طنطا للكتان، القبض على عمال وعاملات "وبريات سمنود" من منازلهم، واصفًا ما حدث لهم أثناء القبض بالأمر المهين والمحزن والمروع.
وشدد "عثمان" على احتياج عمال وبريات سمنود لكل أشكال الدعم، لافتًا النظر إلى التأثير الإيجابي لزيارة مجموعة من الصحفيات والمهتمين بالقضية العمال والعاملات المعتصمين.
ووصف عثمان الزيادة التي أقرتها الإدارة ما بين 100 و200 جنيه (2 - 4 دولار)، بـ"الهزيلة ولا تعني شيئًا في ظل انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه".
وأشار "عثمان" إلى الضغوط التي تمارس ضد العمال منذ 22 يومًا لفض الإضراب والاعتصام، والتي كان آخرها رفض الإدارة صرف راتب شهر أغسطس إلا بشرط فك الإضراب.
شهادة من قلب المعاناة
بعد زيارتها رفقة بعض زميلاتها من مجموعة صحفيات مصريات لعمال وعاملات "وبريات سمنود"، أكدت الصحفية إيمان عوف الناشطة النقابية والنسوية، أهمية التضامن والدفع في سبيل تحقيق مطالب العمال والعاملات المعتصمات، التي كانت شاهدة عليها وتأكدت من مشروعيتها.
"الأزمة ليست مع عمال وبريات سمنود فقط، بل تمتد لـ 3300 شركة أرسلت خطابات تعثر لوزارتي العمل التخطيط والمجلس القومي للأجور لطلب الاستثناء من قرار تطبيق الحد الأدنى للأجور. هذا يعني أننا أمام ملايين العمال وأسرهم مطلوب منهم أن يدبروا شؤونهم الحياتية بما هو دون الحد الأدنى الذي لا يتماشى بشكله الحالي مع الارتفاع الشديد في الأسعار"؛ تقول "إيمان".
وتشير إلى الوضع المتردي الذي عايشته أثناء زيارتها مقر الشركة، بداية من محاصرة الأمن لبوابات الشركة مع انتشار عربات الأمن المركزي، ومحاولتها إجراء مقابلة مع العضو المنتدب الذي بدوره تهرب منها ومن زميلاتها، ونفى الأمن وجوده على عكس الحقيقة.
تحدثت "إيمان" كذلك عن الظروف الصعبة التي يعيشها العمال والعاملات أثناء اعتصامهم داخل العنابر من الساعة 8 صباحًا وحتى 3 مساءً، في ظل فصل التيار الكهربائي من قبل الإدارة.
اقرأ أيضًا: ما دلالات تصاعد أزمات العمال؟
وعن الوضع الاقتصادي الراهن، نقلت الصحفية والناشطة النقابية عن العاملات قولهن: "لما بنحب نجيب فرخه بتبقى مره في الشهر وبتكون بالقسط ندفعها على مرتين".
وتضيف - في شهادتها - أن أغلب المعتصمين يعملون بالشركة منذ أكثر من 20 سنة وأعمارهم تجاوزت الأربعين عامًا، ويتحصلون على يومية لا تتعدى 100 جنيه بعد 8 ساعات عمل على ماكينات متهالكة، فبالكاد يتحصلون على مبلغ 3500 جنيه أي ما يعادل 150 دولار شهريًا، منها 600 جنيه مواصلات بخلاف الإيجار والفواتير والأكل والشرب والعلاج.
غياب النقابة وصمود العمالة
يرى المحامي الحقوقي هيثم محمدين أن إضراب عمال وعاملات وبريات سمنود يدخل "لحظة صعبة"، مؤكدًا أن استمراره لمدة 22 يومًا إنما هو دليل على الاستبسال والقوة التي تحتاج التقدير والتحية.
وعن مشروعية الإضراب كما جاء في القانون، يقول "محمدين": "الإضراب عن العمل هو حق ينظمه الدستور والقانون، ولا توجد تهمة تسمى الامتناع عن العمل، وعندما يحدث ويضرب العمال تعتبر مخالفة إدارية وليست تهمة جنائية لمن يمارسها"، مستنكرًا ليّ القانون لمنع ما هو شرعي.
ويطالب "محمدين" بضرورة بمساندة العمال وتوجيه الدعم المطلوب لهم من أجل مساعدتهم على الاستمرار، خصوصًا بعد فشل أي محاولة للحل الودي، ووأد النقابة، وفي النهاية حبس رئيسها.
هكذا يتعاملون معهم ولهذا التضامن ضرورة
يقول كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية: "إن إجراء الوقف عن العمل يحدث دائمًا في مواجهة الإضرابات العمالية، وعادة ما يتم التعامل مع جميع الإضرابات بأنها غير مستوفاة الشروط في الإجراءات، وبالتالي مخالفة للقانون ويحق لأصحاب العمل تحويلهم للمحكمة العمالية للنظر في أمر فصلهم. يحدث كل هذا مع وقف الراتب، كما حدث مع عمال يونيفرسال وغيرهم".
ويضيف "عباس" أن التضامن من جميع المهتمين بالشأن العام مع إضراب عمال وبريات سمنود، أمر بات ضروري، خاصة في ظل حركة نقابية مقيدة منذ الستينيات، بالإضافة إلى الضغوط التي تمارس ضد العمال الصامدين من أجل الحصول على مطالبهم.
"وبريات سمنود".. التعنت قديم
"أزمة عمال وعاملات وبريات سمنود تعود إلى ما قبل العام 2014، حينما كان للعمال تنظيم نقابي وعندهم القدرة على التنظيم والاحتجاج داخل وخارج المصنع"؛ تقول ندى نشأت عضوة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية.
وتضيف "ندى" أن إضراب عام 2014 جاء بعد ثلاث سنوات من المفاوضات بين اللجنة النقابية بالمصنع والنقابة العامة، وهو ما يفتقده العمال حاليًا بالقضاء تمامًا على اللجنة النقابية.
وتشير إلى أن قانون العمل يتضمن عيوبًا كثيرةً، منها منح العامل الذي يدخل في إضراب إجازة من دون راتب، معتبرةً هذا البند عقابًا وليس ميزة، مستنكرةً تعنت إدارة الشركة في صرف الحد الأدنى للأجور، بدلًا من تطوير الموقع المتوقف جزئيًا، وصرف مستحقات العمال والعاملات التي أقرها القانون.
مساعى برلمانية لحل الأزمة
من جانبها، قالت النائبة سميرة الجزار عضوة مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، إنها تقدمت بعدة أسئلة برلمانية بخصوص إضراب عمال وعاملات وبريات سمنود، لأسباب منها: عدم التزام إدارة الشركة بتطبيق القانون، وقرار رئيس الجمهورية بخصوص صرف الحد الأدنى للأجور للعمال، والإجراء القانوني الذي ستتخذه الحكومة لمساءلة إدارة الشركة في التعنت عن تطبيق الحد الأدنى للأجور، وما إذا كان قرار الحد الأدنى للأجور اختياري أم ملزم بالنسبة لإدارات الشركات والمصانع.
وتساءلت النائبة عن السند القانوني الذي أعطى إدارة الشركة الحق في استدعاء الشرطة والقبض على المعتصمين/ات والمضربين/ات وحجزهم/هن احتياطيًا؟ وأضاف: "إذا كان الاعتصام والإضراب حق دستوري طبقًا للمادة 15 من الدستور، فلماذا تم القبض على العمال وهم يمارسون حقهم؟".
كما كشفت عن معلومات وصلتها عن نية بيع الشركة لمستثمر جديد، وأنه لهذا السبب الإدارة تضغط لفض الإضراب، حتى تتم الصفقة وفق معلومات، ولم يتثن لمنصة "فكر تاني" التأكد من مصدر محايد.
رد الوزارة
وكان النائب أحمد بلال عضو مجلس النواب أجرى جلسة تفاوض مع رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، وهى الوزارة التابع لها بنك الاستثمار الذي يستحوذ على نسبة 51% من أسهم شركة وبريات سمنود.
ونقل كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية، عن النائب تأكيده أن المسؤولين في الوزارة ليس لديهم أدنى فكرة عن العمال وما يحدث في الشركة، وهل العمال موقوفون عن العمل أم لا؟ وهل تم الإفراج عنهم أم لا؟
وبسؤال النائب أحمد بلال للمسؤولين في الوزارة عن مسألة تطبيق الحد الأدنى للأجور، أجاب المسؤولون في إدارة البنك بأنهم تقدموا بطلب للمجلس الأعلى للأجور لإعفاءهم من تطبيق الحد الأدنى.
مؤتمر تضامني حاشد
وكان عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والقوى المدنية شاركوا - بدعوة من حزب العيش والحرية تحت التأسيس وحركة الاشتراكيين الثوريين وتجمع صحفيات مصريات - في المؤتمر التضامني الخميس الماضي مع إضراب عاملات وعمال شركة وبريات سمنود.
وفي بيان ختامي حصلت "فكر تاني"، على نسخة منه، طالب الحضور إدارة الشركة بالتوقف عن ترهيب العمال والتزام القانون في التعامل معهم، وإلغاء قرار وقف عشرة عمال عن العمل، وصرف مرتبات شهر أغسطس.
وحذر المشاركون من محاولات شركات القطاع الخاص التهرب من تنفيذ قرار الحد الأدنى وعدم مراعاة موجات الارتفاع في الأسعار التي تشهدها مصر على مدار المدة الماضية، والتي جعلت من المعيشة أمرًا مستحيلًا.