كسبت نقابة الصحفيين جولة في مواجهة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي تنظره اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، بحذف المادة 267 من مشروع القانون "المعيب"، فيما شهد المشروع هجومًا واسعًا في مناقشات المائدة المستديرة التي نظمتها لجنة الحريات بنقابة الصحفيين في عودة لإحياء دور شارع عبد الخالق ثروت " شارع الحريات".
جريمة
في كلمته، أكد المحامي ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أن مايحدث من تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية يعد بمثابة جريمة، موضحًا أن الدساتير لا تعدل كل خمس سنين، وكذلك قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات، حيث يقوم عليهما النظام القضائي في أي دولة في العالم، ما يتطلب استقرارهما.
وأشار أمين إلى أنا ما يحدث لا يمكن أن يقرأ خارج سياقين: الأول "تاريخي"، والثاني "موضوعي" متعلق بالمعايير التي على أساسها يمكن عن طريقها أن نحكم ما إذا كانت النصوص صحيحة أو باطلة.
البداية، بحسب أمين، كانت في عام 2014، عندما صرحت الحكومة وقالت" أن الدولة مقيدة بالعدالة"، ما فسره بأنها بمحاولة التخلي عن قيود العدالة.
وذكر أمين أنه في عام 2015، حاولت الحكومة تعديل قانوني العقوبات والإجراءات، وعندما استحال التعديل، قامت بإصدار قانون مكافحة الإرهاب، وحولوا كل جرائم المجتمع إلى جرائم إرهابية، كما ضم القانون إجراءات استثنائية، ما أنتج قانونًا سيئًا، لم تستطع المنظومة القضائية المصرية أن تتحمله.
وأوضح مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة أن قانون الإجراءات الجنائية من المفترض أن يعالج العوائق التي واجهت ممارسات سلطات التحقيق والمحاكمة في مصر ورجال الضبط القضائي، المخالفة للقانون والدستور والمواثيق الدولية.
وقال أمين :إن مايحدث في قانون الإجراءات الجنائية حاليًا هو محاولة لسد العوار الذي حدث نتيجة ممارسات سلبية لمدة عشر سنوات، عبر قانون مكافحة الإرهاب، الأسوأ في تاريخ القوانين، وكمحاولة كذلك لمساعدة رجال الشرطة ورجال النيابة العامة ورجال السلطة عمومًا، على القيام بالأعمال دون أن يتهموا من الآخرين بأن هذه ممارسة مخالفة للقانون أو الدستور، وفق تعبيره.
واستنكر مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، نص المادة التي لا تسمح للمحامي بالتحدث إلا بإذن النيابة، معتبرها خروجًا عن حدود الأدب واللياقة.
مشروع ضار
المحامي الحقوقي نجاد البرعي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، يقول:" لا علاقة للحوار الوطني بمشروع قانون الإجراءات الجنائية، ولم تراه اللجنة، ولا تعرفه عنه شيئاً".
وأضاف أن المنظمات الحقوقية المصرية كافحت كثيرا في محاولة من التقليل من الآثار السلبية لتطبيق قانون الإجراءات الجنائية.
وشرح البرعي المراحل التي مر بها القانون، بداية من إرسال الحكومة تعديلاتها لمجلس النواب، ثم بدء المجلس في صناعة مشروع قانون، وصولاً إلى تسريب بعض البنود من القانون بعد ذلك بثلاثة أشهر.
وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني أن القانون المثار النقاش حوله لا يختلف كثيرا عن قانون الإجراءات الجنائية الحالي، بنسبة تزيد عن 75%، وبالتالي هذا ليس بقانون جديد.
واعتبر البرعي أن التعديلات التي أضيفت للقانون، هى تعديلات تخص التقاضي عن بعد، والتقاضي الإلكتروني، من أجل أن يعطيه وضعاً قانونياً، مؤكداً أن ما يحدث غير قانوني، فلا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه، أو إضفاء الشرعية على أمر غير شرعي.
وانتقد البرعي مسألة منع الاطلاع من جانب محامي المتهم على أوراق القضية، موضحًا أن القانون المقترح منح سلطة لوكيل النيابة لمنع اطلاع المحامي على أوراق القضية حسب تقديره إذا كان هذا يضر بحسن سير العدالة، وبالتالي يمنع المحامي من الحصول على صورة من محضر التحقيقات.
وتحدث البرعي عن محاولة التقليل من دور المحامي، في مشروع القانون المعيب، مؤكدًا أنه مشروع قانون يهين مهنة المحامين، وجعل من النيابة سلطة تمنع وتجيز للمحامي حق التحدث متى شاءت،ما يعرقل عمل المحامين أثناء التحقيق.
ولفت عضو مجلس أمناء الحوار الوطني الانتباه إلى أن الحبس الاحتياطي والمنع من السفر والتصرف في الأموال، والذي تم مناقشتة في الحوار الوطني، لم يشمله القانون، سوى في مسألة تخفيض المدد، مشيرًا إلى أن النيابة ليس لديها مدة محددة لانتهاء التحقيقات.
وتحدث البرعي عن مسألة المنع من السفر، والتي لم يرد نص بتحديد مدة المنع من السفر، بل نص على أن تكون سنة تجدد كل سنة، بدون عدد سنوات محددة، منتقدًا بطء إجراءات التظلم في هذا الشأن.
وأشار البرعي إلى التناقض الذي جاء بمشروع القانون الجديد بالرغم من توصيات رئيس الجمهورية ومنها: عدم تحويل الحبس الاحتياطي لعقوبة، وهذا خلاف ما تنص عليه مواد قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي حول الحبس الاحتياطي لعقوبة، نتيجة لعدم ضبطه بمدة محددة.
وأكد البرعي أن حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة مكفول بالدستور، لكن القانون الجديد منع حق الدفاع بالوكالة، مستنكرا حضور المتهم بشخصه أمام محكمة الجنح والجنايات، مطالبا بحق حضور المحامي عن موكله..
عصور الاضمحلال
بدورها، قالت النائبة مها عبد الناصر عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي:" لا يوجد مفهوم للعدالة بمصر، وهذا ما يشعر به جميع المواطنين" مضيفة أنها تقدمت بتعديلات تخص تعديل قانون الحبس الاحتياطي، من أكثر من عامين، وتم إحالتها، ولم ينظر فيها حتى الآن، ولم يتم استدعاءها لمناقشة التعديلات، أما بخصوص مشروع قانون الإجراءات الجنائية أكدت أنها لم تطلع عليه ولم تحصل على نسخه منه غير بالصدفة.
وأرجعت "مها" سبب ذلك إلى أن المجلس في إجازة برلمانية، وأن اللجنة الفرعية هى المنوط بها الاجتماع حالياً وبالتالي لم يصل للنواب أي تفاصيل عما يحدث، وأن ما يصل لهم (كنواب مجلي شعب) هو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وما يتم إرساله لهم في جروبات الواتس آب.
أكدت مها أن القليل من القوانين التي دخلت المجلس خلال الفترة الماضية أثناء تواجدها، كان له فلسفة تشريعية سليمة، والكثير من القوانين مررت وكان بها كوراث.
وقالت عضوة مجلس النواب :" 98% من مشروعات القوانين التي تم إقراها في المجلس، جاءت من الحكومة، ومشروعات القوانين التي تم تقديمها من النواب وتم مناقشتهم لا تتعدى ثلاثة قوانين".
وأضافت مها أنه على مدار الأربع سنوات مدة انعقاد المجلس في الدورة البرلمانية الحالية والتي تنتهي أكتوبر القادم، لم تنعقد لجان استماع سوى لجنتين أو ثلاثة على الأكثر، وبعض لجان الاستماع كانت لقوانين لم تصدر بعد.
وأكدت مها أن المشروع المقترح، سيتم تمريره كما غيره، بالرغم من الحملة الواسعة ضد تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، ومحاولة امتصاص الغضب بحذف مادة طالبت بحذفها نقابة الصحفيين. أكدت: سيمر.
وطالبت النائبة مها عبد الناصر المختصين من القانونيين الحاضرين الندوة بنسخة من البنود المفخخة على حد قولها، لمحاولة الضغط داخل المجلس لتعديلها.
أخطر القوانين
اعتبر محمد عثمان النقيب السابق لمحامي القاهرة، مشروع قانون الإجراءات من أخطر وأهم القوانين، لأنه هو ما يصنع الشرعية الإجرائية، ويعد بمثابة الدستور الذي يعمل به المشتغلون في المجال الجنائي، لأنه المجال الأهم المرتبط بحريات الناس وأموالهم ومصائرهم.
وأشاد عثمان بحذف المادة 267 من قانون الحبس الاحتياطي الجديد، معتبرها من ضمن المواد التي تقضي على مبدأ علانية المحاكمة.
كما انتقد عثمان سرعة إصدار القانون، معتبرا أن القوانين تصدر نتيجة مطلب أساسي للمجتمع وبالتالي تتطور معه القوانين للأفضل، حيث لا يوجد أهمية ولا ضرورة لهذه السرعة.
وطالب عثمان بمزيد من المناقشة حول مواد القانون، مؤكدا حق الدفاع كضمانة للمتهم وضمانة للعدالة، وتطور طبيعي للتشريعات.
ثوب مرقع
وتطرق جمال سويد وكيل مجلس نقابة المحامين العامة الأسبق، لنقاط أساسية في المشروع المقترح، منها، مسألة أنه لايجوز للمحامي أو المتهم أن يتمسك بسماع شهوده، أو شهود الإثبات أمام المحكمة، ما أغلق بابًا أمام المتهم في حصوله على محاكمة عادلة.
وتناول أيضًا مسألة تحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع، ما جعل من محكمة النقض محكمة رفض، وأهدر إرثًا ثمينًا، وفق سويد، كان يفاخر به المحامون من أحكام المحكمة.
وأوضح سويد أن بعض المواد التي يتم وضع بعض الضمانات بها، يتم إفراغها من مضمونها في الفقرة التالية، بداية من ضمانات حضور محامي مع المتهم خلال التحقيق، وصولا لأحقية المحامي في التحدث خلال التحقيق أوالدفع ببطلان إجراء أو إثبات ملحوظة أو الإشارة إلى تحريف إجابات المتهم.
وعدد سويد الكثير من المشاكل منها مواد مسألة سلب المحامين حقهم في الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش، ومنع حق الاطلاع، والتشويش أثناء انعقاد المحكمة، والحق في التمسك بوجود شاهد الإثبات.
موقف نقابة الصحفيين
من جانبه، ثمن الكاتب الصحفي خالد البلشي نقيب الصحفيين الاستجابة الأولى من اللجنة التشريعية بالبرلمان، بحذف المادة267 من قانون الإجراءات الجنائية، مؤكدا أن ملاحظات النقابة ليست على بعض المواد ولكن الفلسفة العامة التي صيغ بها القانون.
وأوضح البلشي خلال كلمته، أن قانون الإجراءات الجنائية لا يخص المحامين فقط بل يخص الجميع، قائلا" عندنا نتحدث عن قانون الإجرءات الجنائية فإننا نتحدث عن دستور يتعلق بالجميع".
وأشاد البلشي بإلغاء المادة 276، معتبرا أنها خطوة إيجابية ولكنها ليست كل ما يطالب به الصحفيون، ولكنها خطوة مهمة جاءت بناء على تدخل عدد من النواب، بناء على استجابة بعضهم لمطالبات نقابة الصحفيين.
واعتبر البلشي أن تلك خطوة يجب البناء عليها، وأن الرسالة التي يجب أن نحملها جميعا هى رسالة تضامن مع كل المطالبين بتعديل هذا المشروع، للخروج بصيغة تحافظ على حقوق المواطنين وحريتهم.
وقال البلشي:" إن أحد المحاور الأساسية للنقاش في الندوة هو فكرة التوقيت السياسي لطرح هذا القانون ودلالاته، وعندما نتحدث عن القوانين وطريقة صناعتها، فهي تأتي استجابة لتطور مجتمعي ونتيجة نقاش مجتمعي واسع، لأن القانون لا يشمل الجانب الفني فقط بل الفني والسياسي والمجتمعي".
وأضاف البلشي أن القانون لابد أن يرسي مباديء الثقة، والعدالة وحقوق المواطنين، يشارك فيه جميع أطراف المجتمع.
وشدد البلشي على أنه لا يجوز لهذا المنتج الإنساني أن تنفرد به أي لجنة مهما كانت أهميتها وقيمتها، لأن هذا النوع من القوانين لابد من التعامل معه بنقاش واسع يضم جميع الأطراف الذين يتعرضون له ويطبق عليهم، أو من يوقومون على تطبيقه أو الأطراف المختلفة.
وقال البلشي: موقفنا الواضح هو موقف نقابة الصحفيين الدائم لمساندة جميع الحقوق والحريات باعتبارنا جزء من المواطنين المعرضين للقبض والحبس والتحقيق وجزء من منظمات المجتمع التي يجب أن تكون فاعلة في الدفاع عن هذه الحقوق والحريات.
أما الجانب الآخر الذي تحدث عنه البلشي هو أهمية الرسالة النقابية والمجتمعية، مشدداً على أهمية تعظيم فكرة العمل المشترك خصوصا في القضايا الوطنية الجامعة والقضايا التي تخص المواطنين جميعا.